- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حكومة عدن تتلاعب بشرع الله بشأن دية النفس المؤمنة!
تعميم وزاري رقم (9) لسنة 2025م (أعلنت وزارة العدل في عدن، برئاسة الوزير بدر عبده أحمد العارضة عن تعديل مبلغ الدية ورفعه من 5.5 مليون ريال إلى 30 مليون ريال يمني، ضمن ما وصفته بـ"تحديث قانون العقوبات") صدر بديوان عام الوزارة 3 ربيع الآخر 1447هـ الموافق 25 أيلول/سبتمبر 2025م.
إن جريمة التشريع بغير ما أنزل الله واضحة وضوح الشمس في كبد السماء لا يستطيع من يحاول أن يبررها لهؤلاء الحكام أن يجد ما يدافع به عنهم، فانظروا كيف تصدر مثل هذه التشريعات باسم دولة تسمي نفسها "الشرعية"؟ أي شرعية يتغنون بها؟ أين شرعية الحكم إذا كان شرع الله مُغيباً؟ كيف يجرؤ من يزعمون أنهم يمثلون الدولة على تجزئة حدود الله والعبث بأحكام قطعية ثابتة؟! عن رفع مبلغ الدية من خمسة ملايين ونصف إلى ثلاثين مليون ريال يمني، في تعديل يروج له على أنه إنجاز تشريعي وتطوير قانوني؟!
إن هذه الزيادة لا تساوي شيئاً أمام الدية الشرعية التي أوجبها الله في كتابه الكريم وسنة نبيه ﷺ، والمقدرة بألف دينار ذهبي، ودينار الذهب الشرعي يساوي 4,25 غراماً، بمعنى أنها تعادل اليوم بالعملة المتداولة في مناطق حكومة عدن (1000 * 4.25 = 4250 جراماً من الذهب) وحيث إن سعر جرام الذهب اليوم في عدن 183858، فيكون مقدار دية النفس هو 4250 * 183858 = 781.396.500 ريال، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن كتاباً وكان في كتابه: «أَنَّ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِناً قَتْلاً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ» رواه النسائي، وبذلك تكون "الزيادة" التي أقرتها حكومة عدن مجرد ستار دخاني لتجميل جريمة التشريع بغير ما أنزل الله، فهل يجوز شرعاً أن تُخضع النفس المؤمنة لمساومات سياسية أو تبريرات اقتصادية؟!
ولا يختلف الحال في حكومة عدن عن تلك القائمة في صنعاء، والمتمثلة في سلطة الحوثيين، فهي سائرة على نهج النظام البائد في هذه التشريعات، وهي لا تعادل سوى جزء من ثلاثة وأربعين جزءاً من الدية التي فرضها الله، بذريعة مضحكة ومبكية في آن، وهي "عدم قدرة القاتل على دفع الدية"!
أي عدالة هذه التي تراعي ظروف القاتل وتتغافل عن حقوق أهل القتيل؟! أي منطق يُعطل حكم الله بحجة الفقر، والفقر ذاته ناتج عن فساد تلك السلطات التي تدّعي الرحمة وتدوس على العدالة، ولا تحكم بما أنزل الله؟! فالقاتل العاجز ليس أحسن حالاً من مئات الآلاف من الرعايا الذين لا يجدون ما يسد رمقهم، فهل نحكم لهم بما يشتهون ونحرم أولياء الدم مما فرض الله لهم؟!
إن الدية ليست غرامة مالية ولا تعويضاً مشروطاً، بل هي حكم شرعي قطعي ورحمة ربانية، وحقٌ مالي واجب لأهل المقتول، ووسيلة لحفظ الدماء وزجر المعتدين.
لكن سلطات عدن وصنعاء، بدلاً من أن تحفظ هذه الفريضة، أمعنت في تضييعها، وداست على حق القتيل وأسرته، وقزّمت الدية إلى مبلغ لا يكفي لأبسط متطلبات الحياة، في وقتٍ تتضاعف فيه أسعار السلع، وتُبذر فيه أموال الدولة في الولاءات والمنافع السياسية.
لقد صار دم المسلم أرخص شيء في هذا البلد، تُسفك روحه وتُقدّر قيمته بأقل من ثمن أثاث مسؤول أو سيارة مرافقة!
إن من يُشرّع هذا الظلم تحت أي مسمى: حكومة، شرعية، دولة، أو مسيرة قرآنية، هو خارج عن مقتضى الشريعة، خائن لأمانة الحكم، متطاول على حدود الله، ومفرّط في أقدس ما حرمه الإسلام: النفس الإنسانية.
ونؤكد أن:
1- هذا التعديل هو تجاوز للشريعة الإسلامية ونسف لفرض الحكم بما أنزل الله. فتقليص الدية هو انتهاك صارخ للشريعة، لا يبرره عجز أو أزمة.
2- من استباح خفض الدية اليوم، استباح بالأمس دماء الأمة باسم القانون. فلا يحق لأي جهة في الأرض تعطيل حكم قطعي من أحكام الله.
3- المطالبة بتطبيق شرع الله ومنها الحدود والجنايات ومنها الدية الشرعية كاملة ليست ترفاً دينياً، بل هو فريضة شرعية، وعدل إلهي لا يسقط بتقلبات السوق أو موازنات الحكومات. فالكرامة لا تُستعاد إلا بالحكم بما أنزل الله، لا بالتشريعات الملفقة ولا الحلول المؤقتة.
فالذين يستخفون بدم المسلم اليوم، سيحاسبهم الله غداً، ومن يحكم بغير ما أنزل الله، فقد حكم على نفسه بسقوط الشرعية مهما زعم ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
إن الدية في الإسلام ليست قابلة للتفاوض، فمن الذي خوّل هؤلاء لتغيير هذا النص؟ ومن الذي منح وزارة العدل حق العبث بحد من حدود الله؟
أين علماء الشريعة؟ أين الأحزاب؟ هل أصبح دم المسلم أرخص من أثاث مكاتب بعض المسؤولين؟! هل هذه دولة تُقدّر دم المسلم بثمن أقل من سيارة مستعملة؟ إن من يُشرّع خلاف ما أنزل الله، سواء في صنعاء أو عدن، يخون دينه قبل أن يخون أمّته ولا فرق بين من يحكم باسم "المسيرة القرآنية" ويخالف القرآن، ومن يحكم باسم "الشرعية" ويخون الشريعة.
إن السلطة التي تشرّع خلاف ما أنزل الله، هي سلطة لا شرعية لها، وإن لبست عباءة "الشرعية" أو "الدولة" أو "القانون". فإن كنتم صادقين في شعارات "العدالة" و"الشرعية"، عودوا إلى شريعة الله، فهي أحق بالاتّباع. قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المحمود العامري – ولاية اليمن