- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
دارفور بين نيران الحرب ومخاطر الانفصال
مؤامرة تتكشف خيوطها
الخبر:
صرّح حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، قائلاً: "إذا استمرت ما تُسمى بحكومة التأسيس لمدة عام أو عامين، فستصبح دارفور دولة من الدول كأمر واقع، وسترفع منظمات الأمم المتحدة أعلامها في مطارات ومعابر دارفور لمنع القصف الجوي".
وفي سياق متصل، وأثناء مخاطبته تجمعاً ضم قيادات الإدارة الأهلية، وممثلين للقوى السياسية، وروابط إقليم دارفور بمدينة بورتسودان، أول أمس الجمعة، قال إن ما يجري حالياً على الأرض يُعد تنفيذاً فعلياً لخطة تهدف إلى تقسيم السودان، واصفاً إياها بـ"المؤامرة التي لن تنجح"، لأن الشعب السوداني، حسب تعبيره، سيقف في وجهها ويفشلها من خلال تمسكه بوحدة البلاد، ومقاومته لأية مشاريع تهدد كيان الدولة السودانية. (الجزيرة السودان، 2025/8/3م)
التعليق:
بشكل مفاجئ، ظهر الإعلام في السودان، وهو يتناول مخطط فصل دارفور، وكأن الأمر نزل من السماء، أو خرج من باطن الأرض، أو جاءت به الريح من مكان بعيد، ليصبح فجأة حديث المجالس!
فهل كان هذا الظهور مفاجئاً؟ أم أنه أمر دُبّر بليل؟
إن فصل جزء من أي بلد ليس بالأمر العابر، ولا بالهين، بل هو أمر خطير يستوجب التعامل معه باعتباره مسألة حياة أو موت، كما قال السلطان عبد الحميد رحمه الله: "إن عمل المبضع في جسدي وأنا حي، أهون عليّ من أن أُوقّع على تنازل يُفرّط بشبر واحد من أرض فلسطين".
وقد اتخذت أمريكا، إبان تمرد الجنوب الأمريكي، إجراءات صارمة، فشنّت حرباً لا هوادة فيها، بلغ عدد القتلى فيها أكثر من ستمائة ألف، وكل ذلك لمنع الانفصال.
وكذلك وقفت بريطانيا، وإسبانيا، وروسيا موقفاً صارماً في وجه الانفصال، وهذا هو الموقف الصحيح الذي ينبغي أن تتخذه كل الدول التي تحترم نفسها وشعبها.
ولما كان الانفصال بهذا المستوى من الخطورة، كان السعي إليه يتطلب توفّر عناصر رئيسية، منها:
1- خلق قضية مظالم، يلتف حولها إقليم أو أكثر.
2- وجود عملاء في الداخل، لديهم الاستعداد للقيام بهذا الدور القذر، ومن خلفهم جمهور من الجهلاء؛ الذين يُساقون لتنفيذ المخطط دون وعي.
3- العنصر الخارجي، الذي يدير العملية برمتها؛ إعلامياً، وعسكرياً، وسياسياً، ويسخّر الدول الإقليمية الوظيفية لخدمة هذا المشروع حتى يُنفّذ بالكامل.
وقد حدث ذلك مراراً في التاريخ القديم والحديث:
فقد فُصلت دول البلقان عن الخلافة العثمانية، وتبعتها بلاد العرب، وكان ذلك بمثابة الإشارة الحمراء لانهيار الخلافة، بدعم مباشر من الدول الأوروبية وبخاصة بريطانيا.
وتم فصل دول البلطيق من الاتحاد السوفيتي فكان مقدمة لانهياره بتخطيط أمريكي ومساعدة أوروبية.
وما جرى في يوغوسلافيا، وإثيوبيا، والصومال، والسودان، ليس ببعيد. وقد أقر عمر البشير، بأن أمريكا هي التي وقفت وراء فصل الجنوب، والعجيب أنه هو نفسه من نفّذ ذلك المخطط! وهذا ما يُعدّ له اليوم في دارفور.
فإذا كان الانفصال يؤدي إلى إضعاف الدولة، وربما إلى تفتيتها وتدميرها بالكامل، وهو أمر مرفوض قطعاً، فإن العمل عليه يتم بمرحلة تحضيرية وتمهيدية، حتى لا يُكشف ويُجابه بالرفض. وهذا ما يجري اليوم في السودان.
فنلاحظ أن فكرة الهامش، التي تطورت إلى دول الستة وخمسين، ودولة الشريط النيلي، وما يُسمى بدولة الجلابة، كانت المحور الفكري، الذي دارت حوله قوات الدعم السريع، ومناصروها.
أما العنصر الخارجي، فقد برزت أمريكا منذ اللحظة الأولى للحرب، باعتبارها الراعي الرئيسي لها، حيث أعلنت أن الحل السياسي عبر التفاوض هو السبيل الوحيد، وجيّشت الدول الإقليمية، وما زالت تمسك بكل خيوط اللعبة، فتُقيم المؤتمرات، أو تلغيها متى شاءت، وتُحدد الأطراف، والأجندة، والمكان والزمان.
وعلى المسرح الداخلي، تم إعداد قوات الدعم السريع بعناية مالياً وعسكرياً وتدريباً وتسليحاً، حتى وصلت إلى الخرطوم، وتموضعت في مفاصل الدولة، لتصبح جيشاً موازياً يمسك بتلابيب الدولة، بدل أن يكون مسانداً لها. وتم كل ذلك تحت سمع وبصر، بل بدعم من قيادة الجيش، رغم التحذيرات الاستخباراتية، ورغم اعتراض رتب رفيعة داخل المؤسسة العسكرية، انتهى بها الحال إلى الإحالة للتقاعد!
وعندما حانت ساعة الصفر، وفشلت قوات الدعم السريع في الاستيلاء على السلطة، انتقل المخطط إلى المرحلة "ب"، وهي فصل دارفور.
لقد دارت رحى حرب، قُتل فيها عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف، ودُمرت البنى التحتية للدولة، وشُرّد الملايين، وتوسّعت سيطرة قوات الدعم السريع على الولايات المجاورة، حيث مارست أبشع أنواع الاضطهاد ضد السكان. وهذا هو الحال الآن في كردفان، رغم وجود جيوش جرارة في الأبيّض، حيث يتعرض الناس في شمالها وغربها لأبشع الجرائم الوحشية. وقد سبق ذلك انسحاب الجيش من أربع عواصم في ولايات دارفور لصالحها، دون مقاومة تُذكر.
خلاصة القول: إن هذه الحرب قد أُديرت بشكل خلق شرخاً عميقاً، وعداءً متنامياً بين أبناء البلد، وكان ذلك هدفاً مقصوداً، ومحطة رئيسية في طريق الانفصال. ثم جاءت حكومة التأسيس لتكون إشارة أقوى بأننا نقترب من المحطة النهائية.
في ظل هذا الواقع، يُفهم أن تصاعد الحديث عن فصل دارفور، هو نوع من تهيئة الرأي العام لهذا العمل الإجرامي الذي يهدد وحدة البلد وربما وجودها. وهنا، تصبح المسؤولية جماعية، ولا يُستثنى منها أحد. فلينظر كلٌّ منا، أن لا تؤتى البلاد من قِبَله.
إن وحدة الأمة الإسلامية فرض، كما قال النبي ﷺ: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ»، وفي حديث آخر: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا». فكيف إذا كان الأمر بتفتيت المفتت وتقسيم المقسم؟!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس حسب الله النور – ولاية السودان