بيان صحفي الورقة المصرية للمصالحة خطوة جديدة على طريق أمركة وتصفية قضية فلسطين
- نشر في فلسطين
- قيم الموضوع
- قراءة: 1127 مرات
يا أمة الإسلام،
يا خير أمة أخرجت للناس،
يا من جعلكم الله شهداء على الناس،
يا من خصكم الله بجنته وحرمها على الكفار،
يا من يقبل الله طاعاتكم، والكفار أعمالهم كسراب بقيعة،
يا من إن نصرتم الله نصركم وأيدكم وأمدكم بعون من عنده وكنتم الأعلون،
أما ترون أن العالم كله يحتاج إلى التحرير، وبخاصة أنتم أيها المسلمون، فما من يوم جديد إلا وحاجة الناس للتحرير من واقعهم المؤلم أشد من اليوم الذي سبقه، وثمن تأخره أغلى، يدفعه العالم من ماله ودمه وأمنه،وعقده تتراكم فيستعص الحل، فالشر مستطير وفي زيادة، والظلم والاحتلال والقهر والاستعباد، والنهب والسلب،أصبح عادة، والناس تسير في طريق الإبادة، يستوي في ذلك كل بقعة من بقاع العالم، وإن كان ذلك أبين في بلاد المسلمين، لأن أهل الشر قد أدركوا أن المسلمين يتململون للنهوض من كبوتهم التي طال أمدها، ومن مستنقع الذل الذي غطسوا به فأفسدها.
أيقن الكفار، أن من المسلمين من هم أهل تحرير العالم من رجسهم وأدرانهم، أيقنوا أن هؤلاء سيكونون هم قادته وحملة لوائه، يرونهم رأي العين، يرصدون حركتهم فيندهشون من حرارتهم وإصرارهم لتحقيق غاية مسعاهم، فينقمون منهم ويحاربونهم، لكي يحولوا بينهم وبين ما يرنون اليه بأفئدتهم وأبصارهم، فيحرضون أنظمة البغي في بلادهم عليهم، فيبطشوا بهم، ويعقدون المؤتمرات في مراكز أبحاثهم ليرصدوهم ويتحسسوا أخبارهم، ليسابقوا الزمن، كيلا يصلوا إلى مسعاهم، ألا وهو الحكم بما أنزل الله، ولكن أنى لهم ذلك، فهم يبارزون عظيم، مالك الملك، جبار السموات والأرض، أمره بين الكاف والنون.
وإن من المسلمين أناسا لا يعلمون مسؤوليتهم، ولا يدرون أنهم أهل تحرير وأنهم الأعلون، وأن منهم من يسعى بينهم لإنهاضهم وإخراجهم من الظلمات الى النور، لبلوغه فيهم وتحقيقه للعالم من خلالهم، فلهؤلاء أتوجه بالنصيحة أن يسيروا على خطى من نذروا أنفسهم لتحرير العالم، أتوجه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أتوجه لمن كان له عين تبصر، وأذن تسمع، وشهد أن الله تعالى حق، وأن الجنة حق وأن الدعوة لإحقاق الحق حق، وأن إزالة الباطل في حق المسلم حق، أتوجه إليهم جميعاً أن يرفعوا عن أنفسهم وأمتهم والعالم كله ألغمه، ويرضوا رب العزة، ليدخل الناس كلهم في ظل الإسلام، أو في ظل حكمه، فيتحرر العالم كله من الشر بالخير ومن الجور بالعدل.
أعلموا أيها المسلمون، أن لإظهار الإسلام على الدين كله، يلزمنا في وقتنا هذا ثلاثة أمور:
أولها: بيان مفهوم التحرير الحقيقي الذي سار عليه رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم.
وثانيها: مشروعه المبدئي.
وثالثها: قادتة والسائرين عليه، ليكون بذلك بلاغا حسنا لأهله، عله يوقظ نائما، أو يثبت مترددا، أو يزيد السائرين على الحق طمأنينة وحقا.
فالتحرير الحقيقي: هو ما طابق الواقع عقليا بالحس، ونقليا بالدليل القطعي، وحقيقته هي ليست ما طابق الواقع الذهني، وإلا لتناقضت الحقائق، ولما ظهر يوما الحق على الباطل.
وإن من أهم الحقائق التي لا تقبل الخلاف، هي الحقائق التي تتعلق بمصائر الناس، وما يكفل النجاة وتحقيق السعادة لهم، ومن ذلك مسعى الناس للتحرير، والسبل في هذا المجال مختلفة، فمنهم من يجعل الإعتبار في التحرير للأرض والوطن، ومنهم من يجعله في القوم، ومنهم من يجعله في غير ذلك من شواهد الدنيا الناقصة والقاصرة والمحتاجة.
وهنا يبرز سؤال: من هو المحتاج للتحرير هل هو الأرض أو الإنسان؟ هل هو عرق الإنسان أو لونه أو فئة معينة بقومية معينة أم كل البشر؟
والجواب: هو النظر في واقع الإنسان نفسه، فهو مقيد فطريا بالعقدة الكبرى والتي تتعلق بسبب مجيئه إلى هذه الحياة الدنيا، ومن أين بدأ وإلى أين مصيره، فحل هذه الأشياء يحرره من طوق الشقاء والحيرة، ومما يعانيه من ضنك العيش وظلم البشر، من تسلط القوي على الضعيف وإستعماره وإستعباده.
فحياة هذا الإنسان ليست سرمدية أبدية، بل هي دار ممر، وأن الدار الآخرة هي دار المقر، وأن السعادة مضمونة بطاعة الرحمن ونوال مرضاته، فالمفهوم الحقيقي للتحرير هو تحرير النفس البشرية من الكفر، وبالتالي من الشر والشريرين، وقدوتنا في هذه النظرة هو رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقد أرسل للناس كافة ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) ورحمة للعالمين ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ليظهر هذا التحرير، بأنه تحرير للبشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وهذا ما قاله ربعي بن عامر عندما بعث إلى قائد جيش الفرس قال: ( إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا الى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) فهذا هو المشروع الحقيقي للتحرير وهو الذي يعمل من أجله حزب التحرير، استجابة لأمر الله تعالى((ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون))
أما مشروع الإسلام في التحرير فيقوم على ركيزتين: الأولى: العمل على إظهاره في دولة، وذلك من خلال العمل في حزب يقوم بناؤه على الثقافة الإسلامية، ويزيل بها كل مالوثها من أفكار الكفر، وغطاها من غشاوات، ويكافح أعداء الأمة سياسيا، وليكشف المؤامرات والدسائس التي تحاك ضد هذه الأمة، ويكون عمله في بناء الشخصيات بالتثقيف المركز والجماعي، كي يدخلوا المجتمع وهم يحملون أفكار النهضة الحقه، فيبينوا للمسلمين عظم عقيدتهم السياسية الروحية العقلية، ونظام حياتهم الحق الذي انبثق عن هذه العقيدة الصحيحة، وأنه لا يحق للمسلمين أن يبيتوا أكثر من ثلاث ليال دون خليفة يحكمهم بما أنزل.
أما الركيزة الثانية فهي تحرير العالم مما هو فيه من شقاء الرأسمالية البغيضة الكافرة، بالطريق الشرعي الوحيد الا وهو الجهاد الذي تتبناه دولة الخلافة، لأن من أحد مهامها حمل الإسلام إلى العالم لقوله تعالى(( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) ...... وقول الرسول صلى الله عليه وسلم(( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله،)) ومفهوم هذا الحديث هو: حتى أحررهم من الكفر.
وأما أهل التحرير، فهي الأمة الإسلامية التي جعلها الله تعالى شاهدة على الناس
(لتكونوا شهداء على الناس ) وجعلها( خير أمة أخرجت للناس).
هذا هو مفهوم التحرير الحقيقي الا وهو رسالة الله، مبدأ يقوم على فكرة قابلة للتطبيق الكامل، في ظل دولة الخلافة الراشدة، وهي كفيلة بتحرير المسلمين تحريرا كاملا من كل من تسلط عليهم، سواء من عدو ملك أمرهم، أو متسلط مغتصب للحكم لا يرعى فيهم إلا ولا ذمة،وكفيلة بحمل راية الإسلام لتحرير العالم من دنس الرأسمالية العفنة ،
وختاما نسال الله عز وجل أن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا ودعائنا، وأن يقرأعيننا بقام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ بدر الدين
الحمد لله الذي فـتح أبواب الجـنـان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسـلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيـبين الطـاهرين، ومن تبـعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستـن بسنــته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أمـا بعد:
إخــوة الإيمـان: أمر الله سبحانه وتعالى بطاعة أولي الأمر، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم طاعة ولي الأمر، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك، ولكن ليس معنى وجوب طاعتهم ولو ظلموا، وأكلوا الحقوق، السكوت عليهم، بل تجب طاعتهم مع وجوب محاسبتهم على أعمالهم، وعلى تصرفاتهم.
روى مسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا". وفي رواية أخرى: "فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع". وهذه الرواية تفسر الرواية الأولى، فقد أمر الرسول بالإنكار على الحاكم، وأوجب هذا الإنكار بأي وسيلة مستطاعة باليد، على شرط أن تكون دون القتال أي دون السيف، وباللسان مطلقا، أي بأي قول من الأقوال، أو بالقلب إذا عجز عن التغيير باليد واللسان، وقد اعتبر من لم ينكر شريكا للحاكم في الإثم، إذ قال فمن رضي بما عملوه، وتابع على ذلك فلا يبرأ ولا يسلم من الإثم.
إخــوة الإيمـان: إن أدلة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أدلة على وجوب محاسبة الحاكم، لأنها عامة تشمل الحاكم وغيره. قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولـئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم). وقال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون). وقال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولـئك هم المفلحون). وقال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر). وقال تعالى: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين). وقال تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
وكذلك وردت أحاديث كثيرة تدل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
فعن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم". وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبلقبه، وذلك أضعف الإيمان". وعن عدي بن عميرة رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه، فلا ينكرونه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة".
و هناك أحاديث تنص على محاسبة الحاكم خاصة تأكيدا على المحاسبة، فعن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". وعن أبي إمامة قال: عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى: فقال: يا رسول الله، أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه، فلما رمى الجمرة الثانية، سأله فسكت عنه، فلما رمى جمرة العقبة، ووضع رجله في الغرز ليركب قال: "أين السائل؟" قال: أنا يا رسول الله، قال: "كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر".
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله".
إخوة الإيمان: إن أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مثالا بارزا في فسح المجال أمام المسلمين لنقض أعمال حاكمهم، فقد اعترض المسلمون على عدة أعمال لسيدنا محمد وهو رئيس دولة فلم يزجرهم عن ذلك بل أقرهم عليه ونزل عند بعض آرائهم ، والحوادث على ذلك في سيرة الرسول كثيرة جدا. ففي معركة بدر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش معه في مكان بناء على رأيه، فلم يعجب ذلك بعض المسلمين فجاءه الحباب بن المنذر بن الجموح وقال له: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل منزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال الرسول: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض في الناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فتنزله ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أشرت بالرأي". ثم عمل برأيه، فلم يعتبر الرسول ذلك النقد لعمله كقائد جيش وحاكم إثما، وإنما قبله منه ونزل عنده.
إخــوة الإيمـان: وفي أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن هم دخلوها علينا قاتلناهم فيها". فلم يرض ذلك أكثر المسلمين، وقالوا له: يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا، لا يرون أنـا جبنا عنهم وضعفنا. فاعتبروا رأي الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي عنهم صورة أنهم قد جبنوا أو ضعفوا فانتقدوه ولم يرضوا به، فلم يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم، بل نزل عند رأيهم، وخرج خارج المدينة عملا برأيهم.
وفي يوم الحديبية كان نقاش المسلمين حادا وهم يعترضون على عمله في عقد المعاهدة، واظهروا غضبهم من الهدنة، جاء في سيرة بن هشام:
فلما التأم الأمر، ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟
قال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه ((أي أطع أمره ونهيه، ولا تحد عن طريقه، ولا تختر لنفسك إلا ما يختاره)) فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله.
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: "أنا عبد الله ورسوله، ولن أخالف أمره، ولن يضيعني!".
فهذا يدل إخــوة الإيمـان، على مبلغ غضب المسلمين، وعلى مدى محاسبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم على عقد المعاهدة، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متأثرا من عمل الصحابة، وقد دخل بعد عقد المعاهدة على زوجه أم سلمة، فقال لها: لقد هلك المسلمون، ثم قص عليها ما حصل، فقالت له: احلق وتحلل فإنهم لا يخالفونك ثم ارحل فورا قافلا إلى المدينة. فخرج فقام إلى هديه فنحره، ثم جلس فحلق رأسه، فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون، فحلق قوم وقصر آخرون مما يدل على بقاء غضب بعضهم، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله المحلقين". قالوا والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "يرحم الله المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال :"يرحم الله المحلقين". قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصرين". فسألوا النبي، لماذا خص بالرحمة المحلقين أولا؟ فأجاب: "لأنهم لم يشكوا". فهذه الحادثة تدل على مدى ما بلغه المسلمون من محاسبة الرسول صلى الله عليه وسلم على المعاهدة حتى تجاوز بعضهم الحد. وهي خير دليل على أن للمحاسبة حدودا لا يصح أن نتعداها.
ومحاسبة الحاكم تكون من الأفراد بوصفهم أفرادا، ومن الكتلة بوصفها كتلة فالله تعالى كما أمر المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبمحاسبة الحاكم بالذات قد أمر أن تتكتل كتل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي أمر أن توجد أحزاب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولـئك هم المفلحون). فالله تعالى أمر بإيجاد جماعة متكتلة تكتلا يوجد لها وصف الجماعة من بين جماعة المسلمين فقال: (ولتكن منكم أمة) أي جماعة لها وحدها وصف أمة أي وصف الجماعة وهو التكتل، أي أوجدوا أيها المسلمون كتلة تقوم بعملين: أحدهما: (يدعون إلى الخير). والثاني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).
إخــوة الإيمـان: والحكام هم ممن يأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، وهذا يعني أن الله تعالى طلب إقامة أحزاب سياسية، لأن الله تعالى لم يطلب في هذه الآية من المسلمين الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما طلب إقامة جماعة أو جماعات أي كتلا تقوم بهذين العملين، فتكون الآية نصا بإقامة التكتلات، وليس تكتلات فقط بل تكتلات معينة، تكتلات تقوم بهذين العملين، ولا يستكمل التكتل هذه الصفة المعينة ويكون تكتلا مما طلبته الآية إلا إذا كان حزبا سياسيا، أي إلا إذا كان تكتلا يحاسب الحكام ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فإذا لم يكن التكتل كذلك لا يستوفي ما طلبته الآية، أي لا يستوفي الوصف المعين للتكتل الذي عينته الآية، وهو شمول الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحكام ومحاسبتهم، وعلى هذا تكون الآية أمرا بإقامة الأحزاب السياسية لمحاسبة الحكام على أعمالهم والدعوة إلى الخير.
وختامـــا إخوة الإيمان، نسأل الله عز وجل، في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الفضيل، أن يجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه وأن نكون ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة، وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه،
والسلام عليكـم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أبو إبراهيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يتجدد اللقاء الأسبوعي معكم في موضوع ، نصائح للآباء والأبناء
فحياكم الله معنا ، وجزاكم الله كل خير على حضوركم واستماعكم لنا
إن موضوع تربية الأبناء وطرق التعامل معهم ليس أمرا سهلا بل هو أمر شاق يحتاج للتروي والأناة.
بل إن تربية الأطفال تعتبر من القضايا الكبرى التي تشغل حيزا من اهتمام الأهل على كر الدهور ومر العصور ، ونرى الحاجة إليها في هذا العصر أشد وأعظم مما مضى، نظرا لدخول الأفكار الغربية وتأثير المفاهيم الخطرة على سلوكيات حياتنا ، مما أفرز واقعا أليما يشكل في الحقيقة أزمة خطيرة وتحديا حقيقيا يواجه الأمة، كيف لا والمجتمعات الإسلامية فقدت صبغتها الإسلامية وبات أبناؤنا يحملون شخصيات ليس لها مميز مختلفة متباينة، أفكارها غير ميولها.
فالطفل كالغرسة الصغيرة تحتاج لشفافية التعامل والعناية الفائقة حتى يشتد عوده وتقوى عزيمته ويضع نفسه على بداية الطريق المستقيم.
ومن الأمور التي يجب أن يعتني بها الأبوين تحديد السلوك المرغوب الذي يجب على الأولاد الإلتزام به وأيضا السلوك غير المرغوب فيه الذي يجب على الأولاد البعد عنه .
ولهذا وجب على الأبوين أولا توحيد القاعدة أو توحيد المرجع الذي يرجعون اليه في إصدار أحكامهم وتقييمهم للسلوك، وهذا المرجع هو القرآن والسنة، فالإسلام هو المحك الذي نرجع إليه في تقييمنا للسلوك. كيف لا وهو نظام كامل متكامل من عند خالق البشر ولا يمكننا تفجير طاقات أبنائنا إلا باستخدام النظام الذي وضعه الخالق لنا.
فيجب على الأهل الانتباه جيدا لهذه المسألة ، ولا يجب أن يكون الحكم على السلوك من خلال العادات والتقاليد أو الرأي العام السائد، أو الأنظمة والقوانين المعمول بها ، أو من خلال نظرتهم للحياة وتفسيرهم للخير والشر والـحسن والقبح فيحكمون على الأشياء والأفعال خيرا أو شرا حسنا أو قبحا من خلال حبهم أو كراهيتهم لهذه الأشياء والأفعال، فما يحبونه يصفونه بالجيد وما يكرهونه يصفونه بالقبيح.
ولا حتى من خلال النفع والضرر الذي يصيبهم، فإذا عاد عليهم الشيء أو الفعل بالفائدة حكموا عليه بالـحسن والصلاح وإذا عاد عليهم بالضرر وصفوه بالقبح والسوء, فمثل هذه الأحكام عرضة للاختلاف والتناقض والتفاوت، ومثل هذا التفاوت ومثل هذه الخلافات بين الآباء والأمهات تؤثر على الأولاد سلبا، بل ربما تؤدي أن يعاقب الطفل ويثاب على نفس السلوك.
فإذا اختلف الأبوان وخلت حياتهما من الوفاق والوئام في تربية الأولاد، فإن أطفالهما عندما تقول الأم شيئا ويقول الأب شيئا آخر ينزعج الطفل لأنه بحاجة إلى أن ينال الاستحسان من كليهما، وإذا حاول الإنفصال عن أحدهما للاقتراب من الآخر لإرضائه شعر بالضياع والاضطراب لابتعاده عن أحد والديه.
إن الاتفاق بين الوالدين في أساليب معاملة الطفل وتحديد السلوك السيء والسلوك الجيد يقي الطفل من أمور كثيرة وما السبيل إلى ذلك إلا بتوحيد المرجعية في تحديد السلوك عند الأبوين ألا وهي القرآن والسنة ، فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وأنزل له كتابا سماويا ( القرآن الكريم) لتنظيم شؤون حياته، فإذا طبقه أخرج طاقاته الكامنة جميعا ليعم الخير البشرية كلها، وإذا تخلى عنه عطل طاقاته أو أخرجها عن مسارها الصحيح.
أما نصيحتي اليوم لإبني العزيز ولإبنتي العزيزة ، لم أجد خيرا من نصائح المصطفى المختار _صلى الله عليه وسلم _ للغلمان،حيث كان عليه أفضل صلاة وأتم تسليم في يوم جالسا يأكل الطعام وكان معه ربيبه عمر بن أبي سلمة ، وهو ابن زوجته أم سلمة، وكانت يده تطيش في الصحفة، فقال له _صلى الله عليه وسلم _ : " يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" رواه البخاري
وعن ابن عمر عن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قال : " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله "رواه مسلم "
وعن عائشة ، أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم _قال : " إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره" .
لقد اشتملت هذه الأحاديث على بعض الآداب التي تتعلق بالأكل والشرب، والتي أرشد إليها النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهذه الآداب هي:
الأول: التسمية، بأن تقول: "بسم الله" عند ابتداء الأكل أو الشرب ، وإن نسيت فقل عند تذكرك بسم الله أوله وآخره .
والثاني: الأكل باليمين، فإن القاعدة استخدام اليمين في كل ما كان، من باب التكريم، ومن هنا كان النبي _صلى الله عليه وسلم _ يحب التيمن في شأنه كله.
أما الثالث: الأكل مما يليه، أي من الطعام الذي بجانبه.
هذه نصائحنا لهذا اليوم لآبائنا وأبنائنا الأعزاء ، إلا أن نلقاكم في حلقة جديدة متجددة الأسبوع القادم بإذن الله مع موضوع نصائح للآباء والأبناء نترككم في رعاية الله وحفظه ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
إعداد: أم سدين