- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-11-26
جريدة الراية:
القمة العالمية للتنمية (الاجتماعية)
من نتاجات فساد الرأسمالية في رعاية شؤون الناس
بمشاركة أكثر من 40 رئيس دولة و8 آلاف مشارك، منها عدد من البلاد الإسلامية، اختتمت القمة العالمية الثانية للتنمية (الاجتماعية) أعمالها في العاصمة القطرية الدوحة والتي استمرت ثلاثة أيام، بإجماع عالمي على تحويل الالتزامات إلى أفعال، وتعزيز التعاون الدولي من أجل العدالة والمساواة والكرامة للجميع. وتأتي هذه القمة بعد ثلاثين عاماً من القمة العالمية الأولى التي عقدت في كوبنهاغن عام 1995 وكانت وقتها أكبر تجمع لقادة العالم، حيث حضرها أكثر من 14,000 شخص، من بينهم ممثلون عن 186 دولة، وتم تمثيل 117 دولة على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات. وتعهدت فيها الحكومات بجعل القضاء على الفقر، وتحقيق التوظيف الكامل، وتعزيز الاندماج المجتمعي أهدافاً رئيسية للتنمية. وفي عام 2000 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة استثنائية في جنيف لتقييم الإنجازات التي تحققت منذ قمة كوبنهاغن، وفيها اتفقت الدول الأعضاء على أن التقدم المحرز في الحد من الفقر والبطالة لم يتحقق وأن الدول لا تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف المحددة دوليا بشأن الصحة والتعليم. وجاءت هذه القمة الثانية في قطر لإعادة تجديد الالتزام الدولي بتحقيق (العدالة الاجتماعية) والقضاء على الفقر وتعزيز فرص العمل والدمج المجتمعي، ضمن مساعي تنفيذ أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
كما نرى فإن الهدف من تلك القمة وغيرها تحقيق ما يسمّى بـ(العدالة الاجتماعية)، والقضاء على الفقر والبطالة. إن مصطلح العدالة الاجتماعية مصطلح غربي وهو عبارة عن أحكام ومعالجات وضعت لترقيع النظام الرأسمالي، كالضمان الاجتماعي والنقابات وما شابه ذلك من معانٍ تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فهي من وضع البشر وقائمة على المصالح والمنافع الفردية وأصحاب القوة والسلطة. مع أنهم يسوقونها بشكل خادع مثل غيرها من المفاهيم والأفكار الرأسمالية، وأنها تعني المساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والمجتمعية والسياسية لجميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن عرقهم أو جنسهم أو ظروفهم. وأنها تسعى إلى توزيع عادل ومنصف للموارد والامتيازات، وتمكين الجميع من المشاركة في الحياة العامة، وضمان حماية حقوق الإنسان للجميع، وبالتالي القضاء على الفقر. ولكن لو نظرنا إلى أرض الواقع فلا شيء من هذا موجود ومُطبّق في النظام الرأسمالي السائد في العالم مثل كثير من المصطلحات والمفاهيم الزائفة البراقة التي يخدعون بها الشعوب والمجتمعات.
فالرأسمالية هي العدو الحقيقي للفقراء من حيث فساد مبدئها ومعالجاته الاقتصادية التي تضمن مصالح رؤوس الأموال والشركات العملاقة والدول الاستعمارية على حساب الفقراء والشعوب المسحوقة والمستعمَرة. فهو مبدأ متآكل يمجّد نظام الربا من أجل استمرارية النمو، فأنتج الاقتصاد المتقلب والبطالة المستشرية، وجعل الثروة تتكدس لدى قلة من الأثرياء على حساب الفقراء ما تسبب في الظلم في توزيع الثروة وزيادة الفقر وزيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء. وجعل من المنفعة الفردية والربح الاقتصادي هدفاً أساسياً للحياة، ما أنتج مجتمعات مادية مستهلكة يطغى فيها الربح على ضمان الكرامة والرفاهية، ما ساهم في انتشار الاستغلال والاستعباد للملايين حول العالم. وكذلك هناك نظام القروض الذي يقدمه صندوق النقد والبنك الدوليان، ونظام السوق الحر مثل الخصخصة والاحتكارات والامتيازات، والتي دفعت البلدان الإسلامية التي تتمتع بأعظم الثروات في العالم من حيث مواردها لتصبح من الدول النامية وكله من أجل رفع الدخل الإجمالي للدول الغربية الرأسمالية ومنظماتها والتحكم بهذه الدول وثرواتها بتآمر مع الحكام الرويبضات.
وحتى النساء لم يسلمن من النتائج المدمرة لهذا النظام البالي والذي يدّعي أنه يحافظ عليها ويطالب بحقوقها، فمن أجل الحفاظ على ارتفاع دخل الحكومات والشركات فإن الدول الرأسمالية جعلت النساء تدخل معترك العمل بادعاء المساواة ورفع مستوى المرأة وكذلك حاجتها للعمل، وجعلت قيمتها حسب دورها في إنتاج الثروة، وحملتها العبء الثقيل لتكون عاملة تكسب رزقها على حساب دورها الأساسي كأم وربة بيت، وحاربت مفهوم الأمومة، بحيث لم يتبق لها القدرة والوقت الكافيان لرعاية بيتها وأولادها كما يجب ليكونوا أجيال المستقبل. لهذا جعلت الرأسمالية النساء جواري للاقتصاد وعاملتهن كسلع وأشياء وآلات لإنتاج الثروة، ولو على حساب أمومتهن وأنوثتهن وكرامتهن وإنسانيتهن.
لهذا يجب وضع نهاية لكل ذلك، والقضاء على هذا النظام الفاسد الظالم، والتخلص من الأنظمة الفاسدة الفاشلة في البلاد الإسلامية، التي تنهب ثروات البلاد من أجل بناء ثرواتها الشخصية. بل إن العالم كله في حاجة لنظام جديد يضع رعاية الإنسان قبل الربح المادي، نظام صالح لا تحكمه المنافع والأحكام الوضعية، نظام يقضي على الفقر من خلال توزيع الثروة بالعدل بين الناس في اقتصاد مزدهر، نظام يتبنى سياسات اقتصادية صحيحة، تجمع بين الازدهار والعدالة الاقتصادية ولا يبني ثراءه على حياة الناس وإنسانيتهم، ويمنع الربا والخصخصة وتكديس الثروة في أيادي قلّةٍ من الناس، ويستثمر الموارد والخيرات في الإنتاج والتصنيع والتكنولوجيا والزراعة وغيرها، ويمنع الضرائب التي تثقل كاهل الرعية، نظام يعتمد على موارد البلاد وليس على الديون الخارجية التي تجعله تحت رحمة غيره من الدول. نظام تجد فيه نساء العالم النموذج الذي سيحميهن فعلا من الفقر والعبودية وينظر لهن بكرامة وإنسانية وليس كسلعة وأشياء للمنفعة.
وهذا لا يكون إلا في نظام الخلافة الذي يتبنى هذه النظرة، ويطبق أحكام الإسلام ومنها النظام الاقتصادي، ضامناً حقوق الجميع بدون تفضيل فئة على أخرى أو أشخاص على غيرهم. هذا النظام الذي طُبّق على مدى عصور طويلة وأثبت قدرته المتميزة في القضاء على الفقر والبطالة، وذلك من خلال توزيع عادل للثروة، ورفع الأعباء الضريبية عن كاهل الناس، وزيادة دخل الأفراد، وتأمين الحاجات الأساسية بل وحتى الكمالية لهم ما يوجد بيئة خصبة للتنمية والرفاه والتطوير وفرص العمل.
بقلم: الأستاذة مسلمة الشامي (أم صهيب)
المصدر: جريدة الراية



