السبت، 11 شوال 1445هـ| 2024/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

حين يستأسد عبيد أمريكا على أهل الشام

(إدلب تحت المجهر)

 

 

استغاثة طاغية الشام

 

قد تصدق الأجيال القادمة، أن أحد حكام الملك الجبري استطاع أن يضيف إلى سجل جرائمه الممتدة على أكثر من عقدين من الزمن قتل نصف مليون من أبناء شعبه وتشريد أكثر من 12 مليوناً من أجل بقائه في سدة الحكم إثر ثورة صدعت أركان نظامه، خاصة إذا قرأت عن تاريخ أبيه الذي حكم الناس جبرا وقهرا لمدة ثلاثة عقود، وهذا كاف لتصور طبيعة السلالة التي انحدر منها أمثال طاغية الشام. وقد تستوعب الأذهان أن بقاء هذا النظام جاثما طوال نصف قرن فوق صدور أبناء أهل البلد كان بإسناد ودعم الدولة الأولى في العالم ورأس الكفر أمريكا.

 

ولكن ما قد لا يستوعبه عقل بشري عن واقعنا الحاضر هو أن كبرى جيوش العالم قد تكالبت على وأد ثورة شعب أعزل، لتصطف جيوش روسيا وإيران وتركيا خلف القوات الأمريكية على الأراضي السورية، فضلا عن الشركات الأمنية الخاصة على غرار "بلاك ووتر" الأمريكية و"فاغنر" الروسية و"سادات" التركية، في تبادل واضح ومكشوف للأدوار السياسية، ولتجلب التحالف العسكري الذي تقوده السعودية تحت غطاء مكافحة الإرهاب، وليكون لقطر والأردن نصيب من التدخل أيضا، وهذا كلّه بحجة دحر تنظيم الدولة.

 

هذا هو عنوان التدخل الذي ملأ وسائل الإعلام الدولية طوال سنوات، أما مضمون التدخل فهو قصف للمدنيين من شيوخ ونساء وأطفال بالفسفور الأبيض وإبادات جماعية للثوار واستعمال للأسلحة المحرمة دوليا أمام مسمع ومرأى العالم أجمع واستهداف للعقيدة والدّين ولإسلاميّة الثورة التي انطلقت مكبّرة من المساجد، بل عقاب جماعي لأهل الشام على تبني المشروع الحضاري للأمة، لتظل أرض سوريا المخضبة بالدماء وما تبقى من معالمها التاريخية والحضارية شاهدة على جرم المتآمرين الدوليين وصمت بقية المتخاذلين.

 

جاء هذا كله بعد صيحات الفزع ونداءات الاستغاثة التي أطلقها رئيس سوريا ووزير خارجيته آنذاك ليشاركوا الغرب خوفه من قيام خلافة إسلامية في المنطقة تسقط فيها آخر معاقل العلمانية في المنطقة العربية.

 

ولم يقف الأمر عند تدمير بيوت الله واستهدافها ولا عند رسالة الحقد الصليبي التي حملها بوتين عند تدنيسه لقبر صلاح الدين الأيوبي وللمسجد الأموي، ولسان حاله يقول: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، ولا عند تطويق المسلمين بقوى الكفر وحصارهم، بل راح قادة القوى الاستعمارية في أمريكا وروسيا يطلقون تصريحات عدائية للإسلام وللخلافة على وجه التحديد، ما يعكس وجود هاجس حقيقي يسكن قادة رؤوس الكفر حول إمكانية عودة الخلافة.

 

نعم، خرجت الثورة في بلاد الشام عن سيطرة النظام الفاقد للشرعية، فارتمى طاغية الشام في أحضان غلاة الفرس والروم المتعطشين إلى سفك دماء المسلمين، فلم يقف الأمر عند جلب العساكر الروس ومرتزقة فاغنر ولا عند جلب مقاتلي الحرس الثوري الإيراني وعناصر حزب إيران اللبناني، ولا عند التقاء مصالحهم مع صعود نجم تنظيم الدولة، بل صاروا جميعا سيفا غليظا مسلطا على رقاب الثوار الأحرار والفصائل التي قامت لقتال الصائل وإنهاء هذا البغي.

 

لم يقف الأمر عند ذلك، بل أسند الدور إلى اللاعب التركي صاحب المكانة المتقدمة في حلف شمال الأطلسي وصاحب السبق في قتل المسلمين بالوكالة ومحو الجرائم من أذهان السذج منهم عبر دغدغة مشاعرهم الإسلامية بمعسول الكلام، حيث يصبح القول بأن "الأقصى خط أحمر"، كفيلا بأن ينسى بعض المغفلين كل جرائم التطبيع مع كيان يهود بل حتى جرائم النظام التركي في حلب الشهباء. حلب التي تآمر أردوغان لإسقاطها بالتنسيق مع صديقه الروسي، وباعتراف بوتين نفسه، لأن ما يهمه فقط هو رضا أسياده وعبوره في الانتخابات الرئاسية التي أسماها منذ البداية انتخابات "العبور"، دون أن يقيم للدماء والأشلاء وزناً.

 

الرقص على حبال أمريكا

 

اليوم، سقط القناع عن الجميع، من يدور في الفلك، ومن يتبادل الأدوار ومن أوصلته سكرة العمالة إلى حد الثمالة، وكل الفرقاء الإقليميين والدوليين، فاضطروا من أجل إتمام المهام القذرة وتطبيق القرار الدولي 2254 القاضي بإنهاء ملف الثورة وإعادتها لحظيرة النظام المجرم، إلى كشف أوراق مشروع الهيمنة الأمريكية، بعد أن كانوا يتظاهرون بالعداء لبعضهم سابقا وما هم إلا مجرد خدم لأمريكا.

 

فقد تقارب الفرقاء في الآونة الأخيرة واجتمعوا ضد الثورة على صعيد واحد، فدُفع عملاء أمريكا إلى التطبيع مع النظام، وصارت السعودية المتآمرة (بحسب رواية النظام) حضنا دافئا جديدا لجزار الشام ومقرا لاجتماعه بأصدقائه في جامعة الهزائم العربية، بعد أن صارت إيران صاحبة الصواريخ الكلامية صديقة للسعودية هي الأخرى، ما حدا بوزير خارجيتها أن يصرح مؤخرا لصحيفة لوفيغارو، فيقول: "التقارب مع السعودية ليس مجرد اتفاقية تكتيكية".

 

وهكذا، صارت جميع الأنظمة في المنطقة تدور في فلك التطبيع مع نظام أسد، بل ترقص على ألحان معزوفة الحل السياسي الأمريكي الناظمة للمشهد الإقليمي، والتي دفعت كلاً من روسيا وإيران وتركيا والسعودية وسائر الأتباع والأشياع إلى إنقاذ طاغية الشام، فيما تواصل المعارضة الديمقراطية شطحاتها هي الأخرى، حيث أكدت مصادر في هيئة التفاوض السورية المعارضة قبل اجتماعها الأخير في جنيف أن زيارة التمسح على أعتاب الإدارة الأمريكية الشهر الماضي بقيادة المدعو سالم المسلط لم تكن إيجابية، مع الترجيح بأن السبب هو الموقف الأمريكي المؤيد للتطبيع الإقليمي مع النظام، فهل ظنت المعارضة السورية التي تغمض أعينها عن الوجود العسكري الأمريكي أن إنقاذ سوريا من بشار يأتي عبر من جاؤوا ببشار وأبيه إلى الحكم؟

 

إن أمريكا هي من يمسك بالملف السوري، وهي من يقود المعركة الحضارية والحرب الصليبية على الإسلام، وهي من يفرض الحلول على الجميع وفق رؤية أحادية لعالم يعيش تحت وصايتها، وهي من يسابق الجميع على احتكار صناعة الإرهاب وعلى محاربة التغيير على أساس الإسلام بمختلف الأدوات والوسائل، وهي أيضا من أسند الدور إلى روسيا وتركيا من أجل ضرب حاضنة الثورة، ما جعل تركيا تسكت في وقت سابق عن اختراق الطائرات الروسية لأجوائها في حين سارعت إلى تعرية الوجه الفرنسي القبيح، من خلال التركيز الإعلامي على الدعم المالي الذي قدمه مصنع لافارج الفرنسي للإسمنت في سوريا لجماعات "إرهابية"، ما نتج عنه تغريم هذه الشركة بقيمة 778 مليون دولار لصالح وزارة العدل الأمريكية.

 

أمريكا إذن هي التي جعلت الأولوية للملف السوري قبل الملف الليبي، خوفا من تفلت بلاد الشام وخروجها عن قبضة النظام الدولي، وهي التي تولي منطقة إدلب أولوية قصوى بعد معركة حلب، وهي من أوعزت إلى تركيا لتشاركها جرائم وأد الثورة في المناطق المحررة. هذا الكلام لا نقوله من فراغ، بل تؤكده الأقوال والأعمال السياسية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وتوزع فيها الأدوار بين عملائها ووكلائها في المنطقة.

 

تركيا وجائزة أفضل كلب حراسة

 

ولنعد إلى ترتيب الأحداث لنضعها أمام ضعاف الذاكرة، خاصة فيما يتعلق بدور اللاعب التركي، فقد جاءت إشادة الجنرال الأمريكي ريمون توماس أوديرنو الذي قاد عملية غزو العراق بالدور التركي في سوريا في توقيت مبكر، حيث صرح ضمن محاضرة له في المعهد الملكي البريطاني "تشاتهام هاوس" بتاريخ 2012/06/06: "بالنسبة للذين يقارنون سوريا بليبيا، سوريا لها صراحة أكثر قدرات من ليبيا، فإذا قررنا الدخول إليها سوف ينتج عنها أشياء غير مناسبة ويلزمنا الحذر حول كيفية الخروج منها. يلزمنا الانتظار لنرى الانعكاسات على البلدان المحيطة، وكذلك نود أن نرى الجيران يحاولون حل هذا المشكل، هم يحاولون القيام بذلك، سوف ننتظر ونرى".

 

ثم بعد محاولات وإسهامات تركية متعددة، وتنسيق مشترك مع الجيش الأمريكي بقيادة الجنرال أوديرنو، اعتُبر رئيس أركان الجيش التركي خلوصي آكار مستحقاً لوسام الاستحقاق العسكري الأمريكي لمساهماته البارزة في حلف الناتو، وإعادة هيكلته الناجحة للجيش التركي، وتسهيله للتنسيق الفعال بين الجيشين التركي والأمريكي، وتعزيز التعاون بين القوات الخاصة في البلدين، وموقفه حول الأزمة في سوريا، فقام الجنرال أوديرنو بتوسيمه بنفسه يوم 2015/01/27، وهو جائزة عسكرية لأفراد القوات المسلحة الأمريكية تعطى عن جدارة للسلوكات الاستثنائية في أداء الخدمات المتميزة والإنجازات المبهرة. هذا هو العنوان الذي نشرته المواقع الأمريكية، أما العنوان الصحيح لهذا الوسام، فيمكن اختزاله بالقول إن شرطي النظام العالمي أمريكا قام بتوسيم أفضل كلب حراسة في المنطقة.

 

وضمن هذا السياق الدولي الذي تقوده أمريكا نرى أن مجاهدي الأمس باتوا خنجرا مسموما في خاصرة أهل الشام بعد أن جمعوا حولهم عددا من المغرر بهم يشاركونهم جرم طعن الثورة في الظهر، فصاروا يعتقلون الصادقين من حملة الدعوة الإسلامية نيابة عن النظام وأسياده ممن يحاربون عودة الخلافة.

 

ألم يصرح السفير الأمريكي في العراق ثم في تركيا جيمس جيفري للصحفي الأمريكي مارتن سميث غداة لقائه بالجولاني بأن "إدلب هي أهم منطقة في سوريا بالنسبة إلى أمريكا"؟ ألم يتحدث الرئيس التركي في مقال نشره موقع بلومبيرغ بتاريخ 2021/03/15 عن تدخل الجيش التركي لحماية إدلب بوصفها آخر معاقل المعارضة السورية ثم أضاف في المقال نفسه بأن على إدارة بايدن العمل مع تركيا من أجل تحقيق الوعود التي أطلقها في الحملة الانتخابية بشأن إنهاء التراجيديا الإنسانية في سوريا؟ فهل إنقاذ إدلب هي منّة تركية من أجل إخضاعها للحل الأمريكي أم أن إنهاء هذه التراجيديا في سوريا يمر عبر أمّ الإرهاب أمريكا؟

 

إن مسارعة بايدن لتهنئة أردوغان هاتفيا بفوزه في الانتخابات الرئاسية وتأكيد وزير خارجيته بلينكن على دور تركيا ضمن حلف الناتو، لهي دلالة واضحة على أن النظام التركي هو جزء من تراجيديا الشعب السوري، وهو ضوء أخضر جديد من الإدارة الأمريكية ليتم أردوغان المهمة المكلف بها في تصفية الثورة وإخماد جذوتها وإخضاع إدلب للحل الأمريكي، وإن انتداب أشخاص من طينة الجولاني للعب دور القفازات التي يمسح فيها النظام التركي جرائمه، لن ينهي ثورة أقسم أهلها ألا ركوع إلا لله، ففي الشام الرجال الرجال، ونساؤهم أيضا مصانع للرجال، وهم من أقضوا مضاجع الكفر شرقا وغربا، فهل ستنجح حفنة من الملثمين الجبناء في تغذية نار الفتنة وكسر إرادة أهل الشام الأحرار وضرب عزيمتهم وقتل إرادتهم في التغيير الجذري على أساس الإسلام؟ وهل سيقبل المخلصون بقيادة العملاء للمحرر ممن يلتقون بأمثال الصحفي الأمريكي مارتن سميث الذي وثق قتل المسلمين في العراق وأفغانستان على أيدي الجيش الأمريكي وهو يرتدي البدلة العسكرية؟ قطعا، لا.

 

خاتمة

 

إن الثورة التي شيبت رأس أوباما وفضحت عبيد أمريكا ووكلاءها، وصدعت حناجر أهلها بالقول: "هي لله، هي لله"، لن يخفت صوتها أمام من يحاول أن يستأسد على أبناء بلده بمنطق "أسد علي وفي الحروب نعامة"، بل إنها ستكنسهم وطاغية الشام وكل الراقصين على حبال أمريكا إلى هاوية سحيقة قريبا بإذن الله.

 

قال رسول الله ﷺ: «إِنِّي رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ». رواه شعيب الأرناووط، في تخريج شرح السنة، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 208، صحيح.

 

 

#منتهك_الحرمات_عرّاب_المصالحات

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. وسام الأطرش – ولاية تونس

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع