الإثنين، 24 جمادى الثانية 1447هـ| 2025/12/15م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الوعي الزائف وصناعة العبد

 

فجأة في إحدى المدن ابتسم الجميع ليس لأنهم يشعرون بالفرح، بل لأن إحدى شاشات العرض وسط المدينة كتبت عبارة: "ابتسموا فأنتم أحرار"، في هذه المدينة لا أحد يصرخ، ولا أحد يحتج، ولا أحد يجرؤ على التفكير خارج الإطار المرسوم، ولا أحد يسأل لماذا؟ باختصار لأنه أحد أفراد القطيع.

 

هذه ليست بداية قصة خيالية، بل هو واقع يعاد نسجه يوميا بخيوط غربية خفية، يصنع عقولا مبرمجة ترى في العبودية اختياراً، والجهل قناعة والظلم قانوناً وفي الذل حكمة والرضا بالظلم واقعية وفي الخنوع وطنية.

 

هنا تبدأ الحكاية...

 

حكاية صناعه العبيد باستخدام أخطر أدوات الهيمنة على الشعوب ألا وهو الوعي المزيف الذي يجعل العبد يرى الواقع بعين غيره ويفكر كما يراد له أن يفكر ويعيش وهم الحرية بينما هو يقاد كالقطيع، يخشى التفكير ويقدس السلطة ولا يطالب بحقوقه متهربا من التغيير إلى التسليم مصداقا لقوله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾!

 

وعي يزيف الحقائق ويخدر الشعوب ويجعل العبد راضيا بقيده بل يدافع عنه، ويصفق له لأنه يرى أن في القيد أماناً، فهو يعيش في عالم من صناعة أعدائه لكنه مقتنع أنه عالم صنعه بنفسه، هنا في هذا العالم حيث تختزل الحرية في شراء هاتف أو بيت أو تغيير جنس أو دين، بينما يعتبر التمرد خيانة، عالم أعيد فيه تعريف القيم لما يخدم السلطة لا الحق.

 

هل أدركتم يوما عبارة "عبيد العبيد عبيد" فالحاكم عبد للغرب، والشعوب عبيد للحاكم الذي جعل من إعلامنا منصة لتحويل الكذبة إلى حقيقة كلما تم تكرارها، مبرمجة العقول لترضى بالواقع وتهاب التغيير لأن نتائجه مجهولة حتى أصبح الخوف ثقافة، إعلام يغرقنا بسرديات غربية قائمة على وقائع مزيفة تزين لنا الغرب كنموذج مثالي لا بد من تقليده واتباعه، وتركز على إظهار الإسلام بمظهر متطرف ومتخلف لا يصلح لزماننا هذا، قال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾.

 

وجعل من مساجدنا منابر لرفع شعارات دينية مفرغة من مضمونها الحقيقي، تدعو للقبول بالطغيان وطاعة (ولي الأمر) وإن كان ظالما أو غير مطبق لشرع الله، كما ترفع خطابات دينية مفصلة على مقاس السلطة ترى في الجهاد ضد المحتل دماراً وفي الاستسلام ازدهاراً، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ

 

أما جامعاتنا فغدت تخرج أجيالا تحفظ ولا تفهم، تتبع ولا تسأل، نلهث وراء وظيفة وزواج، أجيالا باتت عبئا لا منتجة.

 

أصبحت أحلامنا استهلاكية سطحية غارقة في تفاصيل دنيوية ولا تحمل أهدافاً سامية بل مستسلمة للواقع.

 

وهكذا بُنيت الحظيرة على هذه الأسس الأربعة، ليقاد القطيع ضمن حلقة بكامل رضاه ليس مجبرا بل مقتنع بواقعه ويرفض أي محاولة لتحريره بل يدافع عن سجانه، حتى إذا تذمر من واقعه، بدأ بلوم نفسه وجلدها بدلا من لوم من صاغ واقعه المزيف!

 

إن هدم هذه الركائز الأربع من شأنه كسر هذه الحلقة من خلال إحياء التساؤل لا التسليم، ونشر الوعي النقدي لا التلقيني، واستعادة الدين ممن غربوه ودجنوه والعمل على إعادة مشروع الدولة الإسلامية التي تحرر الإنسان لا تستعبده. فمعركتنا الحقيقة بوصفنا حملة دعوة ليست على الأرض بل على الوعي، فالجاهل يتم تعليمه لكن المضلَّل أشد خطرا لأنه ليس بجاهل بل مبرمج بأسوأ أنواع البرمجة المحشوة برسائل خفية تجعله يظن أنه حر بينما هو عبد، يرى في الظالم ولي نعمته وفي الذل استقراراً وفي التبعية ضرورة وطنية. فدعوتنا ليست تمردا بل نداء للعودة إلى الفطرة السليمة، قال الله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، إلى ذاك الطفل الذي لم يبرمج بعد ولم تصادر أحلامه، لطفل يسأل لماذا لا نستطيع الطيران سؤال عن الحرية، عن حق الاختيار، عن رغبة في رؤية العالم كما هو لا من خلال ما يصنعه الإعلام أو التعليم المبرمج في قصص الأطفال أو أناشيد الصباح أو صورة حاكم معلقة على الجدران.

 

هدفنا إعداد جيل يشك في الإجابات الجاهزة ويقاوم التلقين، جيل اكتشف أن ما تعلمه لم يكن إلا وعيا زائفا يخدم السلطة وعدوه، ويقتل أحلامه باسم الواقعية والخوف، جيل واع تحرر من عبودية آبائه وأجداده، يسعى لنهضة أمته وتكسير قيود سجانه، يدرك أن حريته تبدأ بعبوديته لله الواحد فقط، متطهرا من أي شرك خفي، مدركا أن حياته ورزقه وموته بيد الله لا بيد حكامه، وأن الحرية لا تعني تلبية الرغبات أو الشهوات كما يدعو لها الغرب، بل حريته تبدأ من لحظة تحرره من نفسه وإخضاعها لله، فهو لا يخشى في الحق لومة لائم وإن كان أمام سلطان جائر، قال الله تعالى: ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾. جيل أدرك لماذا خلق ليعمر الأرض ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مطبقا قول رسولنا ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.

وهكذا نكون قد جهزنا لمعركتنا المنشودة، بجيشها المؤلف من جيل مسلح بالوعي الحقيقي المبني على الكتاب والسنة لاستعادة خلافتنا الراشدة على منهاج النبوة التي تحرر الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار فيهنأ في الدنيا ويكسب الآخرة، قال تعالى: ﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً﴾.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

منال أم عبيدة

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع