- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
عودة الصراع في فنزويلا
صراعُ مصالح لأعداءٍ شخصيّين
منذ اللحظة التي عاد فيها دونالد ترامب إلى البيتِ الأبيض، عاد معه ملفُّ فنزويلا إلى واجهة الصراع الدوليّ، فتفجّر صراعٌ مع نيكولاس مادورو بقوّةٍ تبدو أكبر ممّا كانت عليه في ولايته الأولى، إلّا أنّ ما يجري ليس مجرّد خصومةٍ شخصيّةٍ بين رئيسين كما قد يبدو على السطح، فإنّ خلف الخطابات الناريّة تختبئ شبكةٌ معقّدةٌ من المصالح الاستراتيجية؛ معركةُ نفوذ، حربٌ على شبكات المخدّرات، وضبط أمريكا اللاتينيّة.
وهنا سوف نتتبّع الخيوط لفهم قصّة فنزويلا من ولاية ترامب الأولى حتّى اليوم.
خلال سنوات حكم تشافيز ثم مادورو، تدهورت مؤشّرات الاقتصاد بشكلٍ كبير (نقص السلع، تضخّمٌ هائل، هجرةٌ جماعيّة)، وتزايدت الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، ومع بداية ولاية ترامب الأولى بدأت عقوباتٌ على المسؤولين الفنزويليّين، وفي عام 2019 أصبحت العقوبات تستهدف قطاع النفط والشركة الوطنيّة (PDVSA)، وهو أمرٌ حاسم لأنّ النفط كان المصدر الرئيسي للعملات الصعبة للحكومة الفنزويليّة، وهذا قيّد قدرتها على التمويل وإدارة الخدمات.
فقد فاز نيكولاس مادورو في انتخابات عام 2018، ولكن المعارضة رفضت ذلك واتّهمته بالتزوير وغياب الرقابة الدوليّة واعتبرته غير شرعي، وبالاستناد إلى الدستور الفنزويلي لعام 1999 الذي يسمح للمجلس الوطني باتّخاذ إجراءات معيّنة عند وجود شغور في السلطة أو عند اعتبار الرئيس غير شرعي حسب المادّتَين 233 و333.
وحينها كان غوايدو عضواً في حزب الشباب، وهو أحد الأحزاب المعارضة في المجلس الوطني التي فازت فيها المعارضة بأغلبيّة، فأعلنت المعارضة أنّ انتخابات عام 2018 غير شرعيّة، وأنّ شغور السلطة يجعل رئيس البرلمان هو الرئيس المؤقّت حسب المادّة 233، وبذلك أصبح غوايدو هو الرئيس المؤقّت للبلاد.
وهنا كانت نقطة تحوّل باعتراف الولايات المتحدة بخوان غوايدو كرئيس مؤقّت، وذلك بتاريخ 23 كانون الثاني/يناير 2019، وطالبت بتطبيق عزل دولي لمادورو، وبدأت حملة دبلوماسيّة واقتصاديّة لدعم المعارضة ودفع دولي لجهود إسقاط مادورو.
ولكن مادورو لا يزال يسيطر على الجيش والمؤسّسات الأمنيّة، ثم جاءت ولاية بايدن، وخلالها تم منح الفنزويليّين الموجودين في الولايات المتحدة وضعاً مؤقّتاً قانونيّاً، وأيضاً تم تخفيف بعض العقوبات على قطاع النفط، حيث في عام 2022 سُمِح لبعض الشركات النفطيّة بالعمل في فنزويلا مثل شركة شيفرون، وحاولت قيادة عمليّة تفاوض بين الحكومة والمعارضة، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2023 توصّل الفريقان، أي الحكومة والمعارضة، إلى اتّفاق تعزيز الحقوق السياسيّة وضمانات انتخابيّة، وقد رحّبت إدارة بايدن بذلك واعتبرته خطوة ضروريّة نحو حوار سلمي، وبعدها تم تخفيف بعض العقوبات على النفط والذهب والغاز، والسماح ببعض التداولات على السندات، وكل هذا بشكل مؤقّت مرتبط بنجاح الاتّفاق، وأيضاً تم تبادل السجناء بين أمريكا وفنزويلا.
كانت هناك أصوات تعارض بايدن وتعتبر أنّ هذه تنازلات أعطت مادورو هدوءاً نسبيّاً لاستعادة جزء من هياكل الاقتصاد والسيطرة.
أمّا في ولاية ترامب الثانية فقد أُريد التصعيد على فنزويلا بشكل لافت، إذ نُشرت قوّات بحريّة وجويّة كبيرة قرب السواحل الفنزويليّة، وشُنّت ضربات على قوارب قالت واشنطن إنّها تابعة لعصابات المخدّرات، وقد صنّفت الولايات المتحدة ما يُدعى (CARTEL DE LOS SOLES) كمنظّمة إرهابيّة يتزعّمها مسؤولون كبار في فنزويلا. (رويترز، 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2025).
ورغم هذا التصعيد، إلّا أنّ ترامب صرّح مراراً أنّه لا يستبعد الحوار مع مادورو، حيث قال إنّ هناك استعداداً من واشنطن لمحادثات مباشرة بين ترامب ومادورو رغم الحملة المكثّفة (أكسيوس، 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2025).
والسؤال هنا: ماذا يريد ترامب من فنزويلا؟
والجواب إنه يريد عدّة أمور استراتيجيّة وسياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة منها:
محاربة تهريب المخدّرات والجريمة العابرة للحدود.
الضغط على فنزويلا لمحاولة تغيير النظام الحاكم وإخراج مادورو أو إجباره على التنحّي واستعادة نفوذ أمريكا في فنزويلا.
حماية مصالح أمريكا في المنطقة: أمنيّاً، تدفّق مهاجرين، تهريب، ومحاولة فرض استقرار في أمريكا اللاتينيّة.
ورقة تفاوض نفطيّة واستراتيجيّة ومواد طبيعيّة، وهذا ما جاء في سي إن إن بتاريخ 17/11/2025: (طرح مادورو عرض وصول تفضيلي إلى الموارد الطبيعيّة مقابل تخفيف التوتّر مع أمريكا).
ورغم كلّ هذا التصعيد، لا ضمانات بأنّ الضغط سيفضي إلى سقوط مادورو سريعاً لأنّه ما زال يمتلك أوراقاً قويّة، وفي الوقت نفسه فإنّ تهديد ترامب بالتدخّل العسكري يحمل في طيّاته مخاطر كبيرة، واشنطن في غنى عنها اليوم، ولكن لا يُستبعد تنفيذ عمليّة عسكريّة سريّة تغيّر الوضع بشكل سريع، أو تتّجه الأمور إلى تسوية تفاوضيّة تحقّق الاقتران لما يريد، ويُستبعد بقاء الحال لمدّة طويلة على ما هو عليه اليوم، وهذا ما يمزّق فنزويلا ولا يحقّق أيّاً من مطالب ترامب السابقة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نبيل عبد الكريم



