الأربعاء، 12 جمادى الثانية 1447هـ| 2025/12/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تصاعد التوتر السياسي في قرغيزستان

 

تشهد قرغيزستان توتراً سياسياً متصاعداً مع تحديد موعد الانتخابات البرلمانية يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر. وقد قامت السُّلطة الرسميّة بوضـع العراقيل أمام مُشاركة عددٍ من المرشّحين الذين تَعتَبِرُهم غير مُناسِبين لها، وذلك بذريعة مجموعةٍ من الأسباب والشروط الشكليّة.

 

وفي الوقت نفسه، أدّت أزمة الطاقة المتفاقمة في البلاد، وارتفاع الأسعار، ودخول أعدادٍ كبيرة من الصينيين إلى الأراضي القرغيزية، إلى تعزيز حالة السخط الشعبي، الأمر الذي دفع بالعديد من السياسيين المعارضين إلى رفع وتيرة تحرّكاتهم. وقد ازداد الوضع تأزّماً خصوصاً بعد تصريح الرئيس صدر جباروف على صفحته في فيسبوك حول القضايا الراهنة، حيث اتّهم فيه الرئيس السابق ألمازبيك أتامباييف، وأعلن أنّه لن يُسمح بحصول أيّ انقلاب.

 

من جانبه، ردَّ أتامباييف على خطاب الرئيس، ثُمّ أعقب ذلك صدورُ بياناتٍ لعددٍ من كبار المسؤولين السابقين الذين أظهروا اصطفافهم مع أحد الطرفين.

 

وفي صباح يوم 22 تشرين الثاني/نوفمبر، قامت الأجهزة الأمنية بتنفيذ مداهمات لمنازل عددٍ من السّياسيين ذوي الميول المعارضة، وأُفيد عن اعتقالهم. ولاحقاً أعلنت وزارة الداخلية أنّ عشرة أشخاص وُجِّهت إليهم تُهَمٌ تتعلّق بـ"الدعوة إلى الاضطرابات الجماعية"، وتمّ إيداعهم في مركز الاحتجاز المؤقّت. وممَّن شملتهم الاعتقالات: زعيم حزب الـKSDP تيميرلان سلطانبيكوف، وقادر أتامباييف نجل الرئيس الأسبق، وعددا من السياسيين من بينهم شايلوبيك أتازوف الذي تمّ شطب ترشّحه للنيابة.

 

تفيد الأنباء المتداولة في وسائل التواصل بأنّ زوجة أتامباييف، ورئيس حزب بُتُون قرغيزستان أداخان مادوماروف، وكذلك ابن مادوماروف وزوجته، وأخت سلطانبيكوف، قد استدعتهم أيضاً أجهزة إنفاذ القانون للتحقيق.

 

ومعروفٌ أنّ صدر جباروف، بعد أن جمع الرؤساء السابقين وعقد حواراً سياسياً في 17 شباط/فبراير 2023، بدا وكأنّه أحكم السيطرة على المشهد الداخلي في البلاد. غير أنّ حزب أتامباييف "KSDP" استبعد من الانتخابات الخاصة بمجلس مدينة بشكيك، وأُودع حينها زعيم الحزب تيميرلان سلطانبيكوف واثنان من أعضاء الحزب في مركز الاحتجاز المؤقّت. ومنذ ذلك الوقت استمرّ الصراع بين أتامباييف والسلطة من وراء الكواليس.

 

وفي الوقت نفسه، فإنّ مساعي السلطة لكسر البنية السياسية القديمة تحت ذريعة مكافحة الفساد ومحاربة "العصابات" أدّت إلى اتّساع صفوف السياسيين المعارضين.

 

ومما هو معلوم أنّ أتامباييف وفريقه لعبوا دوراً بارزاً في تعبئة الجماهير خلال انقلابات الأعوام 2005 و2010 و2020.

 

أمّا الكرملين الرسمي، فبِحُكم استراتيجيّته التقليدية، ما يزال يتبنّى سياسة إخضاع الطرف المنتصر في الداخل وتوجيهه بما يخدم مصالحه. غير أنّ السلطة الحالية قد عزّزت تعاونها مع الصين في السنوات الأخيرة، ويظهر ذلك في توقيع الاتفاقيات الاستراتيجية مع بكين، وتسليم الشركات الصينية السيطرة على معظم الموارد الحيوية في البلاد، إضافة إلى النموّ المتسارع في حجم التبادل التجاري بين البلدين.

 

أمّا بالنسبة لروسيا، فمع أنّ تغيير السُّلطة في قرغيزستان ليس من أولويّاتها، إلّا أنّها لا تُعارض حيوية القوى المعارضة ولا استخدام أدوات الضغط على الحكومة. ويُشير إلى ذلك أيضاً تصريحُ أحد أبرز كوادر أتامباييف ورئيس الوزراء السّابق سابار إسحاقوف الذي يُقيم تحت حماية الكرملين، بشأن التطوّرات السياسية.

 

وعلى الرغم من أنّ أتامباييف خلال فترته الرئاسية نفّذ عدداً من المشاريع التي خدمت المصالح الروسية، إلّا أنّ اعتبارَه هو وحزبه مرتبطين بروسيا ارتباطاً كاملاً هو أمرٌ غير دقيق. ذلك أنّ حزب "KSDP" الذي أسّسه أتامباييف قد نشأ أصلاً بتأثير أوروبي، وخاصة ألماني، ولذلك تمّ تنفيذ جملة من الخطوات خلال فترة حكمه بما ينسجم مع المصالح الأوروبية. فمثلاً، الدستور الذي تمّ إقراره عند وصوله إلى السلطة كان دستوراً ذا نزعة غربية، كما أنّ نظام الحكم البرلماني الجديد الذي تمّ إدخاله كان مخالفاً للرؤية الروسية.

 

وكذلك، خلال فترة خلفه جينبيكوف، تمّ القيام بعددٍ من الخطوات المناقضة لمصالح روسيا نتيجة الصراع الداخلي في السُّلطة. ومن ذلك: تنظيم الاحتجاجات المناهضة لاستخراج اليورانيوم، وهو ما ألحق ضرراً بالمصالح الاستثمارية الروسية العامّة.

 

أمّا إخراج القاعدة الجوية الأمريكية من قرغيزستان عام 2014، وإدخال البلاد عام 2015 في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الخاضع للنفوذ الروسي، فقد جاء كلّ ذلك في إطار مساعي أتامباييف لإرضاء روسيا من أجل الحفاظ على سُلطته. إذ كانت موسكو في تلك الفترة صاحبة النفوذ الأكبر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً داخل البلاد.

 

وعليه، فإنّ الأحداث الأخيرة في البلاد تُشير إلى أنّ احتدام الصراع الداخلي سببه فتحُ روسيا الباب لذلك من جهة، وتخوّفُ السُّلطة المفرِط من جهة أخرى، ما أدّى إلى زيادة التوتّر.

 

أمّا المجتمع القرغيزي، فقد فَقَدَ ثقته تقريباً في جميع ممثلي السلطة والمعارضة على حدٍّ سواء، وهو ما تؤكّده الإحصاءات الانتخابية. فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 1995 نحو 76%، وفي عام 2000 بلغت 58%، وفي عام 2005 نحو 60%، بينما وصلت في انتخابات 2007 إلى 74%، وكان ذلك في عهد باكييف حيث بلغت عمليات التزوير ذروتها. وفي عام 2010 بلغت المشاركة 59.19%، وفي 2015 بلغت 58.85%، وفي 2020 وصلت إلى 56.5%، وكانت الاحتجاجات حينها قد أدّت إلى سقوط الرئيس جينبيكوف. أمّا في عام 2021 فقد بلغت نسبة المشاركة 34.61%، ما يدلّ على تراجع الإقبال عاماً بعد عام.

 

وكذلك الأمر في الانتخابات الرئاسية؛ فقد بلغت نسبة المشاركة 89% عام 1991، و86% عام 1995، و78% عام 2000، و74% عام 2005، و58% عام 2011، و56% عام 2017، ثم انخفضت إلى 39% عام 2021.

 

إنّ الواقع المعاش يدلّ على أنّ عدد المشاركين في الانتخابات يُعَدّ مؤشِّراً على مستوى ثقة الشعب بالنظام الديمقراطي. وبعبارة أدقّ، فإنّ أغلبية الناخبين في قرغيزستان تُعبِّر بمقاطعتها للانتخابات عن موقفٍ واضح! إذ إنّ الشعب قد سَئِم من الديمقراطية، ومن السُّلطة التي لا يختلف بعضها عن بعض، ومن الانتخابات التي لا تخدم إلّا مصالح المسؤولين وأصحاب المال.

 

والسبب في ذلك أنّ الحكومات المتعاقبة منذ أن أصبحت قرغيزستان (مستقلة) عملت بشكلٍ متسابق على إضعاف البلاد وإفقار الشعب. ولم يختلف الحكّام الذين أتوا عبر الانتخابات أو عبر الانقلابات في هذا المسار. فكلّ قطاع تراجع إلى الوراء، وانتشرت معه الرشوة والظلم، وكذلك الفساد الأخلاقي على نطاقٍ واسع. ولا شكّ أنّ السبب الجوهري في ذلك كلّه هو النظام الديمقراطي الذي يحكمون به.

 

إنّ معظم الناس لا يُدرِكون أنّ مصدر الفساد هو المبدأ الرأسمالي، ولهذا يظلون يقعون مرّة بعد أخرى في شراكه، وينخدعون بحيل ديمقراطية جديدة في كلّ مرّة.

 

ونُذَكِّرُ بأنّه لا نفع في هذا الصراع للإسلام ولا للمسلمين!

 

فهذا الصراع إنّما هو صراع على المصالح بين قياداتٍ داخل نظام الكفر نفسه. وهم في مواجهتهم بعضهم بعضا يستخدمون جميع أدوات الكفر التي حرّمها الإسلام. ولذلك فإنّنا ندعو مسلمي قرغيزستان إلى الحذر من المشاركة في مثل هذه الصراعات الدنيئة والضارّة بآخرتنا!

 

ومع ذلك، فإنّنا لا نقف موقف غير المبالين تجاه ما يجري حولنا، لأنّ هذه المصالح التي يختصمون عليها تعود في حقيقتها إلى مصالح الأمّة. ولهذا ينبغي أن تُبنى كلّ أعمالنا وصراعنا السياسي على القيادة الفكرية. ويجب أن نُذكّر الأمّة دائماً بمخطّطات الكفر المناقضة للإسلام، وبالجهود التي تُبذَل لخداعها وصرفها عن قضاياها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني". وقال رسولُ الله ﷺ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ».

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ممتاز ما وراء النهري

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع