الأربعاء، 14 جمادى الأولى 1447هـ| 2025/11/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

أيتها الجيوش: ليتكِ لنا!

 

 

روى أستاذ الصحافة العربية الراحل، محمد حسنين هيكل، أن الملك عبد الله الأول، ابن الشريف الحسين بن علي، استعرض في أريحا، بعد أشهر من نكبتنا الفلسطينية سنة 1948، ثلّة من حرس شرف الجيش العربي، أيام كان بقيادة الضابط البريطاني، كلوب باشا، وطلب من إمام مسجد أريحا، وكان رجلاً ضريراً، أن يكون أول المتحدثين إلى الجيش العربي في ذلك اللقاء، فصعد الإمام إلى المِنَصّة، وبدأ خطابه بالقول: "أيها الجيش، ليتك لنا"! فما كان من الملك عبد الله الأول إلا أن أمر بإنزال الإمام من المنصة فورا.

 

أسمح لنفسي باقتباس كلمات ذلك الإمام وأقول: "أيها الجيش، ليتك لنا"... فعلا ماذا لو كان لنا؟ شعاع نور ملأ أرجاء الغرفة، فلم يرتجف من هول تخيل الفكرة، حلم بات يقظة فجأة، وكأنني أرى جيوشاً منظمة تحت راية واحدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تزأر كأسد واحد بقول (الله أكبر) تجلجل الأركان، تنصر المظلوم وتردع العدو وتنشر الدعوة، ولاؤها لله ولرسوله ولولي الأمر ما لم يعص الله ورسوله، تهتز لها عروش إمبراطوريات وممالك، لا يخشون إلا الله، شعارهم "لا غالب إلا الله"، الجهاد والموت في سبيله أسمى غاياتهم، طائعين لما جاء في القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾.

 

فجأة أيقظتني صرخة طفلة من غزة فقدت جميع أفراد عائلتها بقصف يهودي غادر، وصوت طفل من السودان جائع، ودمعة أم شهيد في سوريا فقدت شبابها لأجل إعلاء كلمة الله وكان الثمن دولة علمانية تخدم من قتلوا أولادها! عدت لواقعي المؤلم قسرا، لواقع مؤلم تم التلاعب فيه على جيوشنا العربية بعد إسقاط الخلافة عام ١٩٢٤م، فلم تعد هذه الجيوش حماة للديار، بل عائق ودرع وحماية للطغاة! فلقد نجح الغرب بالتغلغل في هيكلة الجيوش من خلال تنصيب حكام يخدمون مشاريعها ويغرسون خناجرهم في خاصرتنا بواسطة جيوش (هم من أبنائنا وإخواننا)، لكن الحكومات العميلة الخائنة استغلت ضعف الوعي الإسلامي عند الأمة، ووظفت شيوخ سلاطين يطلقون الفتاوى بما يناسب هوى السلطان لا شرع الله، وبما أننا أمة تميل بالفطرة للدين، فكان التلاعب بنا سهلا ومبرمجا من خلال إعلام ساقط، كما تم غرس مبدأ (نفذ ثم اعترض، وإلا أنت خائن!)، وهكذا أصبح إخوتنا في الجيوش أعواناً لأعدائنا علينا، جيش حدود لا جيش أمة. لا يقوم على أساس العقيدة والجهاد بل ولاؤه لدولة قطرية ولحاكم محلي، فالجهاد إما غائب أو مشوه، وقد استبدلت به الخدمة الوطنية لحماية حدود مصطنعة وضعها الاستعمار (سايكس بيكو) ولقمع الشعوب وحماية الأنظمة أو توظيفه في الصراعات الداخلية.

 

ومع الأسف تم تأسيس هذه الجيوش برعاية استعمارية وقد يرتبط بعضها بتحالفات غربية (كالناتو)، كما يمنع من قتال كيان يهود بل يستخدم لحماية حدوده كحال مصر والأردن وسوريا ولبنان. فالجيش أصبح لحماية أنظمة تعمل لمنع تحرير الأمة وخدمة أعدائها فهو خاضع، تتحكم فيه أنظمة تحكمها نخبة عسكرية أو دول حليفة تقوم بتدريبه وتجهيزه عبر دول كبرى لضمان بقاء النظام الحاكم وولائه له لا للأمة، حيث يقوم الحاكم بتنظيم وهيكلة الجيش من خلال تعيين قيادات وكبار ضباط موالين له دون النظر لمستوى الأداء أو الكفاية، ويتم صرف رواتب عالية لهم ومنحهم حصانة قانونية، بينما صف الجنود يتغلغل فيه الفقر والظلم، كالعبيد، لا يملك إلا تنفيذ الأوامر دون تفكير، لأجل لقمة عيش لأولاده ولو غمست بالذل، وعلاوة على ذلك قامت هذه الأنظمة العميلة بتأسيس أجهزة مخابرات داخل الجيش تراقب تحركات الضباط والجنود ومنع أي تنظيم أو ولاء بديل وإلا يتم سجنه أو إعدامه. كما قامت هذه الأنظمة على مبدأ فرق تسد، فتم تقسيم الجيش إلى وحدات متنافسة أو مليشيات تتلاعب بولائهم لبعض فتحدث الفرقة بدل الوحدة.

 

كما تم ربط الجيش بالنظام لا بالدولة من خلال الشعارات والتعليم والإعلام، والدليل على ذلك هو أين الجيوش (أبناؤنا وإخواننا) مما يحدث في غزة؟ ألم تكن بندقية العسكري المصري تنفيذا لأوامر السيسي العميل، على سبيل المثال وليس الحصر، متوجهة نحو الفلسطينيين تأهبا لأي اختراق لحدود المعبر؟ ذلك المعبر الشريان الوحيد والمتنفس الأخير لأهل غزة، وها هو اليوم محاط بجنود مصريين لم يكتفوا بالتفرج بل منعوا الطعام والشراب عن مسلمين مجوَّعين مقهورين انتهكت أعراض رجالهم قبل نسائهم، وتطايرت أشلاء أطفالهم، فلصالح من يعمل هؤلاء؟ أين هم من نصرة المظلوم؟ أين هم من دين الله؟ لم لم تحرك صرخات الأيامى ودموع الثكالى مشاعرهم؟ ألهذه الدرجة تخشون الحاكم ولا تخشون الله وهو أحق أن تخشوه؟ أليس الموت في سبيل الله كرامة في الدنيا وفوزا في الآخرة؟ أنتم بضعفكم هذا جعلتم يد الغرب عُليا علينا، يستعبدنا ويسرق خيراتنا ويتحكم بقراراتنا وكأنه وصي علينا، ونحن أمة أعزها الله بالإسلام!

 

وها هو المشهد يتكرر في السودان، بسبب خوفكم، فالمعتدي واحد، والأدوات عربية، والأهداف غربية، تطحن الأمة طحنا. وها نحن اليوم نتألم لما آلت إليه الثورة السورية، والثورة الليبية، وسائر الثورات العربية، كم دفعنا دماء تحت مسمى تغيير، فتكون أشلاؤنا جسرا لتحقيق أهداف الغرب في أمتنا، وعلى يد من؟ على يد جيوشنا! كطفلة بريئة تحلم بسلام عز لا سلام ذل، لا تخشى الطائرات ولا الصواريخ، تنام قريرة العين، أو كرجل تعب وكد وأسس أسرة لتخدم دين الله يحلم بأن يرى أولاده فاتحين بقاع الأرض لإعلاء كلمة الله، أو كشيخ يتمنى حسن الختام في مسجد لا يطرد منه ولا يسجن لإقامة صلاة، ألا يحق لجميع هؤلاء أن تتحقق أحلامهم في ظل خلافة عادلة قوية شامخة يحسب لها ألف حساب؟

 

إلا أنني ألمح بريق أمل في كسب هذه الجيوش المضلَّلة لإعادة الأمة إلى مجدها بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، تكون قائمة على نظام واضح (اقتصادي، سياسي، عسكري،...الخ) بقيادة راشدة تحفظ الكرامة والحقوق وفق ميزان الشرع وليس انقلابا لأجل خدمة مصالح فئة معينة، وهذا دور المخلصين من رجال الأمة؛ التوجه لأفراد الجيش المخلصين ليكونوا عونا لمشروع الخلافة فهما وإخلاصا، وأن يعملوا لإيصال الأفكار إلى من يملكون قرار التأثير وتوجيه الخطاب لهم كأهل قوة ومنعة، وتوضيح فساد الأنظمة القائمة وتآمرها على الأمة، وسبب شقاء الشعوب، كما يتوجب تبيين الحكم الشرعي لكل من يتخاذل عن نصرة الدين وتذكيرهم بمواقف الأنصار كنموذج ناجح،... الخلاصة أن كسب أهل القوة يحتاج إلى عقلية نبوية دعوية ووعي وصبر وثبات ووضوح في الهدف.

 

فيا أيها الجند، يا من بأيديكم مفاتيح النصر، إنكم لا ينقصكم العدة أو العتاد بل ينقصكم من يصوب بنادقكم في الاتجاه الصحيح ويكسر قيد الطغاة لا أن يحرسهم، فدماء المسلمين تناديكم من فلسطين والسودان وسوريا واليمن وتركستان الشرقية وميانمار وأفريقيا الوسطى وسائر بلاد المسلمين، فلا تكونوا درعا للظالم بل سيف العدل والخلافة، فليتكم تلبون النداء وتكونون معنا في خندقنا لا في خندق الطغيان، لنحقق بشرى رسول الله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

منال أم عبيدة

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع