الخميس، 08 جمادى الأولى 1447هـ| 2025/10/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الخلافة وعدُ الله الذي لا يُطفئه غيابٌ ولا يُعطّله طغيان

 

 

في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات وتتمزق فيه الأمة بين أنظمةٍ ودساتير وضعية، يبرز السؤال الجوهري: هل هناك مخرج حقيقي من هذا الواقع؟ الجواب واضح لكل من يتأمل بصدق: أن الخلافة هي الحلّ الوحيد.

 

الخلافة على منهاج النبوة ليست مجرد شعار أو فكرة خيالية؛ بل هي مشروع سياسي شرعي متكامل يستند إلى أن الحاكمية لله وحده، وأن التشريع مصدره الوحي لا هوى البشر أو مصالح دولية. هي التي تعيد للأمّة وحدتها السياسية والشرعية، وتحوّلها من مجموع دولٍ متفرقة خاضعة للهيمنة إلى كيانٍ صاحب قرار، يحرّك قوته الاقتصادية والسياسية والعسكرية تحت وثيقة شرعية واحدة تُحكّم شرع الله في كل المجالات. في هذا الإطار تُقرأ القضايا المعاصرة من التبعية الدولية إلى الانحرافات المجتمعية والاقتصادية بوصفها نتائج طبيعية لغياب سلطةٍ شرعية جامعة. فهي نظام حكمٍ واقعيّ، ربانيّ، شاملٌ لكل جوانب الحياة. كيف؟

 

أولاً: بتطبيق الشريعة بالكامل

 

الخلافة تُلزم الدولة بتحكيم شرع الله في كل المجالات: السياسة، الاقتصاد، القضاء، الأسرة، التعليم، والإعلام. فلا مجال لتناقضٍ بين الدين والحياة، بل تُبنى الدولة على عدلٍ ربانيّ لا على أهواء البشر، فتتحقق العدالة والاستقرار من خلال منظومة إلهية متكاملة.

 

ثانياً: توحيد الأمة الإسلامية

 

الخلافة تلغي الحدود المصطنعة التي فرّقت المسلمين، وتعيدهم جسداً واحداً تحت رايةٍ واحدة. عندها تنتهي حالة الضعف والتمزق، وتتحول الأمة إلى قوةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ واقتصاديةٍ مهابة الجانب، لا تُكسر شوكتها ولا يُملى عليها.

 

ثالثاً: بالاستقلال عن الهيمنة الغربية

 

الخلافة ترفض الخضوع للمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، وتعيد صياغة العلاقات الدولية على أساس السيادة والكرامة الإسلامية. فلا تبعية ولا إملاءات، بل تعاملٌ نِدّيّ قائم على مبدأ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُوَ، وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ».

 

رابعاً: بالعدالة الاقتصادية الحقيقية

 

في ظل الخلافة يُحرَّم الربا، ويُمنع الاحتكار، وتُوزَّع الثروات بالعدل، فتُضمن الحقوق الأساسية للناس: السكن، التعليم، الصحة، الطعام، والأمن. هي منظومة تحفظ كرامة الإنسان وتُحقق التوازن، لا كما نرى اليوم من فجواتٍ طبقيةٍ قاسية ونظامٍ رأسماليّ لا يرحم الضعفاء.

 

خامساً: بنصرة المظلومين وحمل الدعوة للعالم

 

الخلافة لا تنكفئ على ذاتها، بل تتحرك لنصرة المسلمين في كل مكان، وتحمل رسالة الإسلام للعالم دعوةً وعدلاً ورحمة. هي نموذج حضاريّ فريد، لا يسعى للهيمنة، بل لإخراج البشر من عبودية البشر إلى عبودية رب البشر.

 

سادساً: بتجذير القيم الإسلامية

 

من خلال التعليم والإعلام، تُنشئ الخلافة أجيالاً مؤمنة واعية، تعرف هويتها وتعتزّ بدينها، لا تذوب في تيارات الغرب ولا تنبهر بزيف الحضارة المادية. وبذلك تُحفظ الأسرة والمجتمع من الانهيار الأخلاقي، وتبقى الهوية الإسلامية راسخة قوية.

 

إن الخلافة ليست كهنوتاً بل نظام حكم رباني، هي نظامٌ سياسيّ عمليّ يقوم على الوحي، ويهدف لتحقيق العدل والكرامة والوحدة، ويجعل الحاكم مسؤولاً أمام الله والأمة. في ظلّها يُحاسب الكبير والصغير، ولا حصانة لأحد، لأن السيادة فيها للشرع لا للأشخاص.

 

في المقابل: نعيش اليوم في ظل الديمقراطية الغربية والرأسمالية، حيث القوانين من صنع البشر، تتبدل وفق المصالح والضغوط السياسية. لا أمة واحدة بل دول قومية تكرّس التفرقة والولاء (للوطن) بدل الولاء للدين. البرلمانات والأحزاب تُدار بالمصالح، يهيمن عليها رأس المال أو العسكر. الاقتصاد قائم على السوق الحرّ والربا، والفقراء يُتركون لقدَرهم. أما السياسة الخارجية فمرتهنة للغرب، تعترف بكيان يهود وتنسق أمنياً معه. والنظام الاجتماعي وصل إلى حدّ تقنين الانحراف: زواج مدني، مساواة في الميراث، منع تعدد الزوجات... حتى تفككت الأسر وضاعت القوامة. بينما الخلافة تعيدُ للقوامة معناها الشرعي من خلال تشريعٍ يحفظ الأسرة ويضع كل ذي حقٍ في حقه ضمن نظام عدلٍ لا هوى فيه ولا استبداد. وبإرساء هذا النظام تنهار أسباب التفكك: غياب الشرع، ضياع الهوية، والضغط الاقتصادي، فتعود الأسرة حصناً متيناً وقاعدةً لنهوض الأمة.

 

إن استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة على منهاج النبوة سيُقيم العدل بين الناس وتسعى لرضا الله، بينما الأنظمة القائمة تُدار بالمصلحة والنفوذ والهيمنة، فجلبت الفقر والحروب والفساد. فماذا ننتظر؟

إنّ الخلافة ليست حلماً من الماضي، بل هي فرضٌ ربانيّ وواجبٌ شرعيّ على الأمة أن تعمل له كما تعمل لصلاتها وصيامها. هي وعدُ الله بالاستخلاف، وبها وحدها تستعيد الأمة عزّها وكرامتها، وتنهض لتقود العالم بعد طول تيهٍ وضياع.

 

لقد تاهت البشرية بين أنظمةٍ وضعيةٍ فاسدةٍ جرّت الناس إلى الفقر والحروب والانحلال، ولن ينهضها إلا نظامٌ من عند الله، يحرر الإنسان من عبودية البشر.

 

وآن للأمة أن تدرك أن مشكلتها ليست في الأشخاص ولا في الحكومات المتعاقبة، بل في النظام نفسه الذي يُقصي شرع الله عن الحكم، ويُحكّم الأهواء والمصالح مكان الوحي. فإقامة الخلافة ليست ترفاً فكرياً، بل قضية مصيرٍ للأمة كلّها، وواجبٌ يحرّك الأحرار ليعيدوا سلطان الإسلام إلى الأرض.

 

فيا أمةَ محمد ﷺ، لا تنتظري المعجزة، بل اصنعيها بطاعتك لله وعملك لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فهي وعد ربك، وبها وحدها تعود السيادة للشرع والعزّة للمسلمين. فلا خلاص للأمة إلا بكسر القيود وإسقاط أنظمة الخيانة، واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة خلافةٍ على منهاج النبوة. فالعزّة كل العزّة بتحكيم شرع الله، ومن يبتغيها في غيره أذلّه الله. لقد آن للأمة أن تدرك أن مشكلتها ليست في الأشخاص بل في النظام نفسه، وأن طريق النهوض يبدأ بخليفةٍ لا يخشى إلا الله.

 

وختاماً، نستبشر بوعد الله الحقّ الذي لا يُخلف الميعاد: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

منال أم عبيدة

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع