- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الاعتراف بدولة فلسطين سايكس بيكو جديد
انطلقت، مساء الاثنين ٢٢/٩/٢٠٢٥م، أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتصدرت قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية الدورة السنوية الثمانين للاجتماعات، إذ تقف السعودية وفرنسا خلف المبادرة وتقودانها معاً، وسط ترقب لمزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية، فقد اعترفت فرنسا رسمياً بالدولة الفلسطينية، لتصبح أحدث دولة تنضم إلى مجموعة الدول التي اتخذت هذه الخطوة. كما أكدت رئاسة مؤتمر حل الدولتين على أهمية "إعلان نيويورك" الذي حظي بتأييد استثنائي من الجمعية العامة، واعتبرته بديلاً مبدئياً وواقعياً لإنهاء العنف والحروب المتكررة. حيث دعت جميع الدول للإسراع في تنفيذه عبر خطوات عملية، مع التأكيد على أن إنهاء الحرب في غزة وضمان الإفراج عن جميع الرهائن وتبادل الأسرى يظلان من أولوياتها القصوى. وكانت قد استضافت فرنسا والسعودية قمة ليوم واحد ركزت على خطط حل الدولتين للصراع القائم، ولم تشارك من دول مجموعة السبع، ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، في القمة. ودعا ماكرون إلى إنشاء إدارة انتقالية في غزة تضم السلطة الفلسطينية، وتكون مهمتها الإشراف على تفكيك حماس. وما زالت تتوالى اعترافات دول بالدولة الفلسطينية في مؤتمر حل الدولتين، فقد باتت 151 دولة على الأقل من الدول الـ 193 العضو في الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين (وفق تعداد لوكالة فرانس برس للأنباء).
مما لا شك فيه أن حل الدولتين لقضية فلسطين هو حل أمريكي استعماري منذ زمن، وليس وليد اليوم، وذلك عندما قررت هيئة الأمم المتحدة بتأثير من أمريكا، إنشاء دويلة ليهود في فلسطين، حيث كان القرار رقم 181 الصادر بتاريخ ٢٩/١١/١٩٤٧م، والذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين. يبرز هذا الحل من حين لآخر وذلك لصرف الانتباه الدولي عن الدور الذي تقوم به الدول الاستعمارية في دعم كيان يهود والعمل على ترسيخه، وإظهار نفسها نفاقاً وزوراً بأنها صانعة سلام، وذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة. وفي هذه الحالة، ليست دعوات القوى الاستعمارية للاعتراف بدولة فلسطينية إلا محاولة لامتصاص وصرف الانتباه عن الغضب المحلي والدولي عن تواطؤها المستمر في الإبادة الجماعية لأهل غزة، عبر تزويد الاحتلال بالأسلحة والمعدات العسكرية، ما يجعلها مسرحية دبلوماسية لا تُغير شيئاً على أرض الواقع.
وقد سبق الحراك الدائر الآن في قضية فلسطين، حراك دولي على أهم محاور الاستراتيجية المستقبلية ليهود عقب الانتهاء من لبنان، بأن تتركز تلك الاستراتيجية في تقسيم العراق إلى ثلاث دول على أساس طائفي؛ إلى شيعة وسنة وأكراد، ومن بعد لبنان والعراق تأتي مصر وليبيا والسودان وسوريا والمغرب العربي وإيران وتركيا والصومال وباكستان، وفقاً لخطة أودد يينون 1982م - والذي يعتبر العقل المدبر للعديد من استراتيجيات حزب الليكود في كيان يهود - تحت ما يسمى (لبننة العالم الإسلامي). وفي العام ٢٠١٤م أتى باراج خانا ليصرح في سلسلة ترجمات الزيتونة، الذي يصدره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أن انقسام جنوب السودان هو مجرد بداية، وأنه من الممكن أن يشهد العالم قريباً 300 دولة مُستقلة ذات سيادة. ذلك التصريح كان نتيجة لتداول مصطلح الشرق الأوسط الكبير في الميدان السياسي لأول مرة لدى كيان يهود، على لسان كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا في حزيران عام 2006م، والذي عكس جانبين أساسيين؛ الأول، أن الوقت حان لإجراء عملية تغيير شاملة لمنطقة الشرق الأوسط، والتي وصفت بالعملية الجراحية الصعبة، ومؤداها تقسيم ما تم تقسيمه عام ١٩١٦م، وهو ما تم التعارف عليه بسايكس بيكو جديد. والثاني، أن رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، سيكون مفتاحاً لتحقيق ما يُعتقد أنه استقرار سياسي واجتماعي يضمن المصالح الاقتصادية الأمريكية في المنطقة وفي صدارتها النفط.
ولأجل وقف مشاريع الغرب الكافر في بلاد المسلمين وعبثه، وجب العمل على إسقاط عروش الحكام الكرتونية في بلاد المسلمين، والتي تعتبر الضامن للغرب في عدم وحدة الأمة أرضاً وفكرا، وتحريك الجيوش الرابضة في ثكناتها لتقوم بما كلفها به دينها وعقيدتها وهو الجهاد في سبيل ربها حتى تحقق رسالتها في حياتها الدنيا. ومع أن الجهاد ابتداءً فرض على الكفاية إذا أقامه بعض المسلمين سقط عن الباقين، ويتعين في حالات كما لو احتل الكافر بلداً إسلامياً، إلا أنه لا يجوز تعطيله بأي حال من الأحوال، فالحكم الشرعي في الجهاد أنه واجب على الأمة، والأمة فيها من القوة ما يلزم وزيادة، وليس إبقاء غزة تقاتل وحدها إلا خذلاناً وتقاعساً عن القيام بالحكم الشرعي على وجهه، فإنْ أبرأ أهل غزة ذمتهم واستفرغوا جهدهم، فإن الإثم معلق برقاب المسلمين جميعاً، لا يرتفع حتى يرفع عنهم القتل والجوع والتشريد، بل حتى تحرر فلسطين كلها من يهود، وتعود كما كانت جزءاً لا يتجزأ من بلاد المسلمين تحت راية الإسلام ودولته.
ومهما قيل عن اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة وتداعياتها على بلاد الإسلام وعلى المسلمين، فقد كان الكفار الأوروبيون قد تهيَّؤوا لاقتسام التركة على وجه يضمن بسْطَ السيطرة وإحكامَ النفوذ على قلب البلاد الإسلامية. كما يجب أن يُنظر إلى الاتفاقية على أنها شكلت منعطفاً خطيراً في حياة الأمة الإسلامية، مرتبطاً بفاجعة ذهابِ دولة المسلمين، ومحطةً مهدت لقيام نظام عالمي جديد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في ظل غياب دولة الخلافة، أي في غياب المسلمين عن الساحة الدولية.
ختاماً نقول: أما آن أوان دفنِ اتفاقية سايكس بيكو وتداعياتـها إلى الأبد، بل ومنع أي بديل غير إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؟!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله القاضي – ولاية اليمن