- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نموذجنا من الوحي لا من حضيض الغرب
اليوم ينشغل كثير من المسلمين بمتابعة صعود الصين وتراجع أمريكا، ويتجادلون: من الأقوى؟ من سيتفوق؟ هل الصين قادرة على الحلول مكان أمريكا كقوة عظمى؟ هل أمريكا لا منافس لها؟ لكن السؤال الحقيقي: لماذا ننشغل نحن المسلمين بهذا الصراع؟ لماذا لا نسأل: أين نحن؟ وما هو مشروعنا؟ وما موقعنا في هذا العالم؟
حين كانت بريطانيا وفرنسا قوى عالمية، سحقوا الشعوب ودمروا الحضارات. واليوم أمريكا تفعل الأمر ذاته، وتفرض هيمنتها بالقوة والبطش، وتستعبد شعوب الأرض باسم النظام العالمي. فهل نريد من الصين أن تكون البديل؟ وهل إذا تغيّر الجلاد يتغيّر واقع الأمة؟! المشكلة أن بعض المسلمين، بدلاً من أن يستنهضوا الأمة لإقامة كيانها السياسي ودولتها الإسلامية، يُطاردون وَهْمَ القوى الدولية، ويتغنون بتجارب الآخرين، ويغفلون عن أن لنا نموذجاً ربانياً مصدره الوحي.
البعض يبرر تخلفنا بأنه ضعف في العقل العربي، أو القدرة على مواكبة النظريات الحديثة، فيوهم الناس أن الغرب تفوق لأنه كان صاحب فلسفات ومفكرين كبار، لكن الحقيقة أن الغرب لم يَسُدِ العالم بعظمة فلسفاته، بل بقوته العسكرية وسطوته الاقتصادية سيطر على أمريكا اللاتينية عام 1492 بالحديد والنار، لا بالحكمة والعقل والقناعة. كانوا يرون أن غير الأوروبيين ليسوا بشراً أصلاً، والمُفكّر نيتشه أعلن أن "الإله قد مات"، فهل هذه حضارة يُقتدى بها؟!
فالغرب لم يقدم حلاً حقيقياً للبشرية بل هو سبب أزماتها، أما نحن، فأمتنا تملك مشروعاً عظيماً ربانياً، لم يُؤخذ من بشر، بل من خالق البشر.
إن نموذجنا ليس في الصين ولا أمريكا بل هو في الإسلام، في دولة الخلافة التي تُقيم العدل، وتفك الحصار، وتحرر الإنسان من عبودية الطغاة.
قال تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ فكيف ننكر نموذج رسولنا ﷺ، ونبحث في قمامة الغرب عن بديل؟! كيف نبحث عن بديل والأصيل لدينا حكم العالم قرابة 13 قرنا من الزمان من خير إلى خير؟!
حان وقت النهوض، لا التبعية، حان وقت استعادة النموذج الرباني، لا التغني بسحق الظالمين بعضهم بعضاً.
فنحن أمة عرفت حقيقة الوجود، وعرفت الغاية من الحياة، وعرفت المعاد، ومن أين جئنا، ولماذا نحن هنا، وإلى أين المصير. لم نكن يوماً أمة تائهة تبحث عن معنى، بل هي من أخرج البشرية من ظلمات الجهل إلى نور الوحي، الذي أنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وأرشدنا وأرشد الناس لعبادة خالقهم، لا عبادة البشر أو المادة.
فمن وحي السماء بنينا حضارة، لا على جماجم الشعوب ولا بسلب الثروات، بل على أساس العدل والخير والرعاية والنظرة إلى الإنسان بصفته إنسانا مخلوقا لخالق، أقمنا حضارة مصدر مفاهيمها الوحي، وأنتجنا علوماً نفعية في الطب والفلك والكيمياء والرياضيات، وكنا منارة للبشرية لأكثر من 13 قرناً حتى ضعفنا؟ نعم، مررنا بضعف حين توالت الحروب على جسد الأمة من تتار وصليبيين، لكننا لم نسقط؛ فنهض المماليك، ثم حمل الراية العثمانيون، وظلت راية الإسلام خفاقة حتى تسلل إهمال الناحية الفكرية في حمل الإسلام وزاد البون بين اللغة العربية وهي لغة القرآن وبين القائمين على الحكم وبدأ الانهزام الفكري يطغى على الأمة، وكانت في هذه الأثناء الحملات الصليبية تنخر في جسد الأمة، فأثاروا النعرات النتنة من وطنية وقومية، واستمر الغدر الأوروبي وظهر جلياً في سايكس بيكو، فقسم جسد الأمة، وزرع فينا حكاماً خونة، وتحوّلنا من قادة إلى تابعين، نستجدي من الغرب الذي لا يعرف حتى معنى الوجود، ولا قيمة يحملها في أعماله إلا القيمة المادية.
واليوم البعض يجهل تاريخه، فيحتقر نفسه، ويظن العزة في التبعية، والنهضة على موائد الاستعمار بينما عزّنا لا يكون إلا بالإسلام، ومجدنا لا يعود إلا بالخلافة على منهاج النبوة.
وعد الله آتٍ، فلا نكن كالمنافقين الذين قالوا: ﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً﴾ بل نقول كما قال الصادقون: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ فاستيقظي يا أمة الإسلام، فأنت أمة العز لا الذل، وأمة الريادة لا التبعية.
نعم نحن أمة عرفت حقيقة الوجود، نحن الأمة التي عرفت لماذا خُلقت، وعرفت إلى أين المصير، فحملت النور إلى العالمين، وأخرجت البشرية من ظلمات الجهل إلى نور التوحيد، نحن الأمة التي أقامت حضارة الإسلام على أساس الوحي، لا على الهوى وفلسفات البشر.
كنا قادة الدنيا قروناً، ننشر الحق والعدل والعلم، ثم جاء يوم تفرّق فيه الجمع، وضعفت فيه الهمم، وسُلب سلطاننا بفعل الاستعمار وأدواته، فغابت شمس عزّنا.
ولكن، من قرأ التاريخ بإنصاف، يعلم أن هذا الدين لا يموت، وأن هذه الأمة وإن مرضت فإنها لا تموت. فلا تنظر إلى واقع الذل وتظن أنه دائم، ولا تتوهم أن الباطل باقٍ إلى الأبد، بل أمة تربتها تنبت الرجال، الناحية الرعوية ومسؤوليتها تجاه البشر تسري في دمها، قرآنها حي يستنهض هممها ويوجه بوصلتها، فيجب أن تتجه البوصلة اليوم نحو هدف واحد هو استعادة دولة الإسلام دولة الخلافة لاستئناف الحياة الإسلامية لنقوم بالدور المنوط بنا كمسلمين وهو تطبيق رسالة الإسلام في الداخل وحملها للعالم بالدعوة والجهاد قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمؤْمِنِينَ﴾.
فهذا وعد الله سبحانه، وصدق الله ورسوله، فاستيقظي يا أمة الإسلام، عودي إلى منهج ربك، واستعيدي قيادتك للعالم، بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مياس المكردي – ولاية اليمن