الثلاثاء، 24 ربيع الأول 1447هـ| 2025/09/16م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ضرب كيان يهود المجرم للاجتماع الوزاري في صنعاء عَرَضٌ لمرضٍ أعمق

 

شيّع الحوثيون الاثنين، جثامين رئيس وزرائهم السابق، وعدد من وزراء حكومته الذين قتلوا في غارات يهود، على صنعاء، الأسبوع الماضي، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" التي يديرها الحوثيون.

 

وأفادت مصادر مطلعة أنّ العملية جرت بدقة عالية، ما يوحي باختراق استخباراتي خطير سهّل للطيران المعادي إصابة الهدف بدقة، في وقت يثير فيه تغيّب بعض المسؤولين المفترض حضورهم عن الاجتماع علامات استفهام حول طبيعة التنسيق الأمني ومن يقف وراء التسريب.

 

ما جرى في صنعاء لم يكن قصفاً عابراً ولا خسارة عسكرية فحسب، بل هو صورة فاضحة لانكشاف هذه الأنظمة وعجزها أمام أعداء الأمة. أي دولة هذه التي تُساق قياداتها إلى مجزرة تحت سقف واحد دون أدنى احتراز؟ وأي سيادة يُتشدَّق بها فيما تُدار الحروب في سمائها ومكاتبها من غرف استخبارات أجنبية؟

 

إنّ جمع هذا العدد من الوزراء في وقت حرب، ثم إصابتهم بهذه الدقة، يشي بأن المعلومة تسربت من أضيق الدوائر، بل ربما من داخلها نفسها. فأمام من نحن؟ أمام أعداء خارجيين وحدهم؟ أم أمام شبكة من العملاء والخونة الذين فتحوا البلاد على مصراعيها للاستخبارات الدولية، يقتلون من يشاؤون وينجون من يشاؤون؟

 

ثم أين ذهبت القيادات التي غابت "مصادفة" عن الاجتماع؟ أهو الغياب العارض، أم الترتيب المسبق؟ وكيف يُترك مستقبل البلاد ومصير أهلها لعبة بيد الغرف السوداء؟

 

لقد قال الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله: "لقد غفل المسلمون عن خطر هذه الثقافة، وصاروا يحاربون المستعمر ويتناولون منه ثقافته، مع أنّها هي سبب استعمارهم، وبها يتركز الاستعمار في بلادهم... يمدون إليه أيديهم من خلف ليتناولوا بكلتا يديهم سمومه القاتلة، يتجرعونها، فيسقطون بين يديه هلكى، يحسبهم الجاهل شهداء نزال، وما هم إلا صرعى غفلة وضلال".

 

وهذا ما نراه اليوم تماماً؛ أنظمة تدّعي المقاومة والممانعة، لكنها تحكم بالقوانين الوضعية، وتستند إلى الثقافة الغربية، وتبني سلطتها على غير أساس الإسلام. فهي تفتح الأبواب للعدو، وتُحكم قبضتها على الشعوب، وتتركهم فريسة للفقر والدماء والانكسار.

 

إن هذا ليؤكد أنّ هذه الأنظمة العميلة تتحمل المسؤولية الكاملة عما جرى ويجري، وأنّ الحل لا يكون بتغيير الأشخاص ولا بمناصب تتهاوى في غارات جوية، ولا بتحالفات ومصالحات هزيلة، بل الحل الجذري هو بإقامة الخلافة الراشدة التي تقلع الاستعمار من جذوره، وتُعيد الحكم بما أنزل الله، وتحاسب كل خائن ومتواطئ، وتردّ العدوان بيد قوية، لا تعرف التبعية ولا المساومة.

 

فإما أن نفيق وننخلع من هذه المنظومة المهترئة، أو نبقى صرعى غفلة وضلال إلى أن يأذن الله بنصره وفرجه، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ﴾.

 

إن الهجوم الجوي المروع هذا هو شهادة صارخة لا يمكن إنكارها على الاختراق الأمني والاستخباراتي العميق الذي يعصف بأرض اليمن، ويكشف عن نقاط الضعف الكامنة في غياب دولة ذات سيادة حقيقية. هذه المأساة تحث على مواجهة أسئلة مقلقة: من سهّل هذا الاختراق؟ من نجا، ولماذا؟ وماذا يعني هذا الحادث حقاً لمستقبل الحوثيين؟

 

ما حدث في صنعاء ليس مجرد اغتيال سياسي معزول؛ بل هو الثمرة المرة الحتمية لفشل منهجي؛ الغياب الصارخ لدولة حقيقية قادرة على حماية رعاياها، وصد العدوان الخارجي، ومحاسبة الخونة، وقطع أيدي المتآمرين.

 

إن استمرار انتشار الأنظمة العميلة، الخالية من سلطة اتخاذ القرار، والتي تفتقر إلى السيطرة الحقيقية على الأجهزة الحيوية للحكم، قد حول بلاد المسلمين إلى ساحة خصبة لوكالات الاستخبارات الدولية وميدان مناسب لتصفية الحسابات.

 

وكما لاحظ الشيخ الجليل تقي الدين النبهاني، رحمه الله، ببصيرة نافذة، فإن هذه الحقيقة العميقة يتردد صداها بوضوح مخيف في أحداث اليوم. نشهد أنظمة تعلن بصوت عالٍ المقاومة والممانعة، ومع ذلك تحكم بشكل متناقض من خلال عدسة الثقافة الغربية، وتؤسس أنظمة حكم تتناقض جوهرياً مع مبادئ الإسلام. وبذلك، فإنها تفتح الأبواب عن غير قصد للعدو، بينما تشد قبضتها في الوقت نفسه على شعوبها، تاركة إياهم فريسة لليأس والفقر وسفك الدماء.

 

ومن منظور أعمق، فإن دقّة غارة صنعاء، التي استهدفت مثل هذا التجمع رفيع المستوى، تتجاوز نطاق الضربة العسكرية التقليدية. إنها تشير إلى عملية مخططة بدقة، تم تنفيذها بمعلومات استخباراتية من أعلى المستويات. والسؤال المركزي الذي يصرخ طلباً للإجابة هو: كيف سُمح لمثل هذا الاجتماع الحاسم، الذي يضم كبار قادة الحوثيين، بالانعقاد تحت سقف واحد، في انتهاك مباشر لبروتوكولات الأمن الأساسية في زمن الحرب؟ إن جوهر الدفاع الاستراتيجي يُملي ألا يتم أبداً تجميع فريق قيادة الدولة في مكان واحد ضعيف، وذلك تحديداً لتجنب خسائر كارثية بهذا الحجم، إلا إذا كان للحوثيين أسبابٌ أخرى ستبدي نتائجها الأيام، وليس خافياً على أحد، ما سبق من كوارث تشبه هذه أصيبت بها إيران وحزبها في لبنان، وكأن المخرج لهذه المشاهد واحد، وسيناريو لن يتوقف تكراره.

 

علاوة على ذلك، فإن الدقة الجراحية التي نُفذت بها هذه العملية تشير بقوة إلى أن المعلومات الاستخباراتية تم تسليمها مباشرة، وربما نشأت من داخل الدوائر الداخلية للسلطة. وإذا كان هذا هو الحال بالفعل، فإن الحوثيين يواجهون اختراقاً استخباراتياً لا يقل خطورة، إن لم يتجاوز الضربة العسكرية نفسها. وهذا يثير تساؤلاً حاسماً آخر: كيف تمكن بعض المسؤولين، الذين كان من المتوقع حضورهم بشكل لا لبس فيه في مثل هذا الاجتماع المحوري، من النجاة من الأذى؟ هل كان غيابهم مجرد صدفة سعيدة، أم كان هناك ترتيب متعمد سهل ابتعادهم في الوقت المناسب عن المنطقة المستهدفة في لحظة الأزمة؟ وهذا يجعل مشهد ما حدث في جريمة "القاعة الكبرى" يعود إلى الأذهان، خصوصاً لما يدور بين السلطة الحوثية وحزب المؤتمر وبقايا عفاش وحزب الإصلاح من تصفيات متتالية لا تزال تجر حبالها مؤخراً.

 

إن التحليل الدقيق لهذه الحقائق المقلقة يؤدي إلى استنتاجات عدة لا مفر منها:

 

أولاً: توجد نقاط ضعف لا يمكن إنكارها ضمن أطر الحماية والأمن الحالية لدى الحوثيين، تنم عن انهيار سيادتهم المزعومة، وتمسكهم ببقايا بناء الجمهورية المتصدعة الأركان.

 

ثانياً: دفع هذه الأحداث بأبناء الشعب إلى إسقاط ثقتهم بالحوثيين أمنياً وعسكرياً، بعد سقوطهم فكرياً وحضارياً، وسيندفع الجميع للحل الجذري الشامل في إعادة دولة الإسلام التي تحمي أبناءها وتذود عنهم.

 

وفي ضوء هذه التطورات الخطيرة، يجب أن يكون ما حدث في صنعاء بمثابة حافز لحوار عميق وصادق حول تبني مشروع الخلافة الإسلامية بديلاً، وبشكل حاسم، وضرورة قطع أيدي الاستعمار الغربي من بلاد المسلمين بشكل كامل، خشية من الوقوع في فخاخ مماثلة في المستقبل.

 

تتحمل هذه الأنظمة المسؤولية المباشرة عن الكوارث التي تحل بأمتنا. ونؤكد، بقناعة لا تتزعزع، أن الحل الجذري والدائم لن يوجد في التعيينات السياسية، أو التحالفات العابرة، أو المصالحات السطحية. بل يكمن، بشكل لا لبس فيه، في إقامة الخلافة الراشدة، الدولة التي ستقتلع الاستعمار من جذوره، وتعيد الحكم بما أنزل الله، وترد الصاع صاعين، وتحاسب كل خائن ومتواطئ بأشد الحساب. فعلى الفئة الفاعلة المؤثرة من حكام وغيرهم في اليمن أن تعي هذا الأمر جيداً.

 

لذلك، فإن الخيار أمامنا واضح: إما أن نستيقظ من سباتنا ونتخلص من قيود التبعية، أو نبقى صرعى غفلة وضلال حتى يأذن الله بفرجه ونصره. لقد حان الآن وقت العمل الحاسم، المتجذر في المبادئ الحقيقية للإسلام، ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أبو بكر الجبلي – ولاية اليمن

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع