- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
متى يحصل المسلمون على الاستقلال؟
بعد سقوط السلطة السوفيتية ظهرت في آسيا الوسطى مجموعة من الدول الوطنية، ومن بينها قرغيزستان التي أعلنت استقلالها في 31 آب/أغسطس عام 1991.
وإذا نظرنا إلى صحف التاريخ، نجد أن المسلمين فقدوا استقلالهم الحقيقي بإسقاط دولة الخلافة العثمانية عام 1924م. فقد رفعت بريطانيا وفرنسا شعار "الاستقلال" لفصل المنطقة العربية والأفريقية عن الخلافة العثمانية ونشرتا بين الناس الشعارات القومية والعصبية مثل العروبة والتركية، وهكذا بدأت تنشأ الدول القومية.
ثم وقعت الحرب العالمية الأولى، وكانت من عوامل إسقاط دولة الخلافة. ولما ضاقت على الدول المستعمرة بما احتلته، اندلعت الحرب العالمية الثانية من جديد. ونتيجة لهذه الحرب، روّجت أمريكا التي كانت تسعى لقيادة العالم، شعارات "الاستقلال". ومصطلح "الاستقلال" كان مشروعاً أمريكياً ابتُكر لإيجاد فرصة لانتزاع المستعمرات من أيدي القوى الاستعمارية الأخرى. إذ إن أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية خرجت كقوة عظمى وبدأت تطمح في مناطق نفوذ الآخرين.
فبدأت عملية "التحرر من الاستعمار" من الهند، حيث أُجبرت بريطانيا على منح الهند وباكستان استقلالاً شكلياً عام 1947 بعدما دعمت أمريكا الحركات الثورية هناك تحت شعار "الاستقلال". ومنذ ذلك الحين استمرت المنافسة بين أمريكا وبريطانيا في الهند؛ فبريطانيا تدعم حزب المؤتمر الوطني الهندي، بينما تدعم أمريكا حزب الشعب الهندي تحت شعار الاستقلال. أما باكستان فقد انتزعتها أمريكا تماماً من يد بريطانيا.
وهكذا استمرت عملية إزالة الاستعمار في كل منطقة صراعا بين المستعمرين القدامى والجدد. وفي ستينيات القرن الماضي، لاقت "إزالة الاستعمار" دعماً قوياً من الأمم المتحدة التي دعمت لائحة الإزالة والتحرير من الاستعمار. وقد تبنت عام 1960 "إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة". وفي عام 1961 اتفق الرئيس الأمريكي مع خروتشوف زعيم الاتحاد السوفيتي في فينَّا على تقاسم المستعمرات فيما بينهم. ونتيجة لذلك، أفسحت حركات الاستقلال الطريق أمام أمريكا والاتحاد السوفيتي للتوغل في مستعمرات بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الاستعمارية.
وبدورها، سعت بريطانيا للحفاظ على نفوذها في مستعمراتها من خلال دول كومونويلث، كما حاولت فرنسا فعل الشيء نفسه عبر الجماعة الفرنسية. وبعد سقوط السلطة السوفيتية، حاولت روسيا أن تسير على خطاهما من خلال رابطة الدول المستقلة ثم لاحقاً عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي عسكرياً والاتحاد الاقتصادي الأوراسي اقتصادياً. إلا أن نفوذها ظل في تضاؤل بسبب انفتاح مستعمراتها السابقة على منظمات دولية أخرى، ودخول مستعمرين جدد إليها.
أما اليوم، ففي قرغيزستان لا يزال نفوذ المستعمر القديم روسيا هو الغالب، غير أن أمريكا أيضاً استطاعت التغلغل في شؤوننا الداخلية وحققت نجاحات ملموسة خاصة في المجال الإعلامي وإعداد الكوادر. ومن جهة أخرى، برزت الصين التي بدأت استعمارها الجديد كأكبر مقرض وأكبر مستثمر، وصارت ذات نفوذ اقتصادي رئيسي من خلال مشاريع استراتيجية مثل "السكك الحديدية عبر الصين - قرغيزستان - أوزبيكستان". كذلك زاد اهتمام أوروبا بآسيا الوسطى مع ارتفاع قيمة المعادن والمواد الخام، فحدثت محاولات جديدة للتغلغل الاستعماري في المنطقة.
وعليه، فإن يوم 31 آب/أغسطس ليس يوم استقلال لشعب قرغيزستان، بل هو اليوم الذي بدأ فيه الصراع بين المستعمرين الجدد على النفوذ في بلادنا. إذ إن مظاهر الاستقلال الحقيقية - السياسية والاقتصادية والعسكرية - ما زالت مرتبطة بالقوى الاستعمارية.
لذلك، كوننا مسلمين علينا أن ندرك أن طريق الخلاص من الاستعمار إنما هو في إسلامنا. فعلينا أن نتعلم الإسلام ونسارع للعمل به، فبهذا فقط نعيد بأيدينا استقلالنا الذي فقدناه عام 1924م. ولأجل ذلك، ينبغي على بلاد المسلمين أن لا تعترف بالحدود المصطنعة ولا تنخدع بالدول القومية المستقلة شكلياً. وعلينا اليوم أن ندع خلافاتنا وأن نتوحد.
حينئذٍ فقط سنحاسب أولئك الحكام الذين تركوا غزة، وتركستان الشرقية، والروهينجا، والسودان، وغيرها من المناطق المظلومة بلا ناصر. وحينها سنعيد دولة الخلافة التي تقف من بين أيدينا ووراءنا حاميةً، وبذلك سنحصل على الاستقلال الحقيقي.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ممتاز ما وراء النهري