الثلاثاء، 17 ربيع الأول 1447هـ| 2025/09/09م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى

 

إن الاجتماع الأخير بين ترامب وقادة أوروبا ليس إلا مرآة تعكس بوضوحٍ ساطعٍ التفكك العميق الذي ينخر في صلب الحضارة الغربية. فالغرب، بما يتبجح به من قيم الحرية والعدالة، يظهر في مثل هذه اللقاءات ككيانٍ متهافت، تتقاذفه أهواء قادته وتتصارع فيه المصالح الضيقة. إن هذا الاجتماع يكشف بلا مواربة نزعة أمريكية متغطرسة تسعى للهيمنة، حيث تفرض واشنطن إرادتها كصانع قرارٍ أوحد، بينما يُترك الأوروبيون في موقع التابع المذعن، يتلقون الأوامر دونما قدرة على المبادرة.

 

هذا التفكك ليس وليد اللحظة، بل هو سمة جوهرية في بنية العلاقات الغربية، حيث تتصادم المصالح الوطنية، فتتكشف هشاشة وحدتهم. يتحد الغرب تارةً ضد المسلمين، مدفوعاً بعداءٍ متأصل، ويتفرق أخرى حين تتعارض أطماعه. إن أسلوب ترامب المتعالي، وعلاقته العمودية مع قادة أوروبا، ليس سوى دليلٍ ناطقٍ على غياب رؤية موحدة، وعلى أن الغرب رهين صراعاته الداخلية وأنانية قادته.

 

وما يزيد الصورة وضوحاً هو التجرد الأخلاقي الذي يميز سياستهم. فالحديث عن "السلام" و"الضمانات الأمنية" ليس إلا قناعاً رقيقاً يخفي حقيقة استخدام الحروب والصراعات كأدوات لتحقيق المصالح. وأبلغ شاهد على ذلك مأساة إخواننا في غزة - عجّل الله بنصرهم وفرّج كربهم - حيث يتكشف نفاق الغرب. ترامب، بتركيزه على إنهاء الحرب بسرعة، لا يهدف إلى حماية الشعوب، بل إلى تخفيف الأعباء الاقتصادية عن أمريكا وصقل صورته الانتخابية. وأوروبا، بدعمها الظاهري لأوكرانيا، لا تعدو أن تكون مدفوعةً بخوفها على أمنها الطاقي والاقتصادي والعسكري، لا التزاماً بمبادئ أخلاقية.

 

إن استعداد زيلينسكي للتفاوض على تبادل الأراضي، وموافقة الكرملين المحتملة على لقاء ثنائي، يكشفان عن منطق المنفعة البحتة التي تحكم القضايا الإنسانية. أين هي القيم التي يتشدق بها الغرب (الحرية، العدالة، حقوق الإنسان) عندما تُدار الأراضي والشعوب كسلعٍ في سوق؟ إن هذا النهج ليس سوى امتدادٍ لروح استعمارية، تستغل الأزمات والشعوب لتعزيز النفوذ والهيمنة.

 

ورغم هذا الشتات، يجد الغرب في عدائه للإسلام أرضيةً مشتركة لتوحيد صفوفه مؤقتاً. ففي أوقات الأزمات، يتفق على استهداف الأمة الإسلامية بالحروب المباشرة أو الحملات الإعلامية والاقتصادية. لكنه ما إن تتصادم مصالحه حتى تتكشف تناقضاته، وتنهار أوهام وحدته. إن هذا التناقض يؤكد عجز الغرب عن تقديم نموذجٍ حضاري حقيقي، لأنه يفتقر إلى الأسس العقائدية والأخلاقية التي تجمع الأمم.

 

إن هذا الاجتماع، بما حمله من دلالات، يعري حقيقة الغرب: قلوبٌ شتى، ومصالح متصارعة، وتجردٌ من القيم التي يدّعي الدفاع عنها. كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾، يجمعهم العداء للإسلام والنفعية، وتفرقهم الأنانية والصراع على السيطرة. وفي مقابل هذا التفكك، تقف الأمة الإسلامية مدعوةً لإحياء دولتها الراشدة، التي ستكون بإذن الله منارة عدلٍ وكرامة، تجمع شتات المسلمين وتتفوق على الغرب بقوتها العقائدية ووحدتها. إن عودة الخلافة على منهاج النبوة ليست مجرد حلم، بل هي وعدٌ إلهي سيهيمن به المسلمون على أعدائهم، ويعيدون للإنسانية نور العدل والرحمة، ليشهد العالم أجمع أن الإسلام هو وحده القادر على قيادة الحضارة وإنقاذ البشرية من ظلمات النفعية والتفكك.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

خديجة صالح

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع