- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هدف ترامب من اللقاء ببوتين؟
في مؤتمر صحفي بتاريخ 11/8/2025 قال ترامب: (ستكون قمة تمهيدية في الغالب... سأقول لبوتين قبل الاجتماع عليك إنهاء هذه الحرب يجب أن توقفها، ولن يعبث معي بعد الآن)، وأضاف مشيرا إلى أنه قد ينسحب من الدبلوماسية بشأن أوكرانيا (وقد أخرج بعدها وأتمنى حظا سعيدا وتنتهي القضية)، (وأنه لا يمكن تسويتها). وأشار أنه سيعرف خلال الدقائق الأولى من اللقاء ما إذا كانت هناك إمكانية للتوصل إلى سلام مع روسيا، كما أنه أعرب عن استيائه من تصريحات زيلينسكي التي أكد فيها أنه سيحتاج إلى موافقة دستورية بشأن القضايا الإقليمية، وأعلن أن اللقاء سيكون في 15/8/2025 في ولاية ألاسكا الأمريكية.
وقال مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف (سيركز الطرفان على مناقشة سبل تسوية طويلة الأمد للنزاع في أوكرانيا)، وأضاف أوشاكوف في تعليقه على مكان المحادثات (إن مصالح البلدين الاقتصادية تلتقي في ألاسكا والمنطقة القطبية الشمالية حيث توجد فرص لتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة)، وقال ترامب في البيت الأبيض في مؤتمره الصحفي (أنا أتعامل بشكل جيد مع زيلينسكي، لكني لا أوافق على ما فعله. أعارضه بشدة، لم يكن لهذه الحرب أن تقع، ما كان يجب أن تحدث)، وأضاف: (أقلقني بعض الشيء ما قاله زيلينسكي "أحتاج إلى موافقة دستورية" لم يكن يحتاج إلى موافقة لدخول الحرب وقتل الجميع، لكنه يحتاج إلى موافقة لتبادل الأراضي. لأنه ستكون هناك بعض عمليات تبادل أراض). وقال إنه سيتصل بزيلينسكي بعد لقائه مع بوتين مشيرا إلى عدم وجود خطط لدعوة زعيم نظام كييف إلى قمة ألاسكا، وقال (سأتصل برئيس أوكرانيا ومن ثم بقادة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو).
هذه تصريحات ترامب قبل قمة ألاسكا مع بوتين، ويتبين منها أن هناك هدفا معلنا وآخر مخفياً لا يدركه إلا السياسي المحنك، فهو اجتماع مهم بين زعيمي بلدين يتنافسان على المصالح والمنافع، على حساب شعوب ودول العالم بغض النظر عن المشاكل التي بينهما، فالمصلحة فوق كل اعتبار.
ماذا يريد ترامب من هذا الاجتماع؟ هل يريد فعلا وقف الحرب في أوكرانيا؟ أم أن هناك هدفا آخر يريد تحقيقه مع روسيا بعيدا عن حرب أوكرانيا؟ وما هو هذا الهدف غير المعلن عنه؟ للجواب على ذلك أقول:
أولا: مكان الاجتماع له دلالة سياسية عما سيبحث في هذا الاجتماع، فألاسكا اشترتها أمريكا من روسيا عام 1867 بعد خسارة ألكسندر الثاني إمبراطور روسيا حربه مع بريطانيا، والأمر الآخر أنها منطقة في بداية القطب الشمالي، وحينما جاء ترامب أمر باستغلال الموارد في هذه الولاية وأصدر أمراً بصناعة كاسحات الثلوج والتنقيب عن المعادن بكافة أشكالها، وهي منطقة مشتركة مع روسيا في القطب الشمالي، وعليه يريد ترامب أن يقول لبوتين وزيلينسكي إنه من الممكن التخلي عن الأرض بعد خسارة حرب وأن روسيا سابقا فعلت ذلك، فلا ضير من فعله مجددا، ويقول لزيلينسكي ها هم الروس تخلوا عن أرض بعد الهزيمة وأنت كذلك.
ثانيا: إن اجتماع القمة لن يخرج منه شيء عن الموضوع المعلن ألا وهو وقف الحرب في أوكرانيا، فهذه حرب معقدة لعدة أسباب:
1- موقف الروس ثابت لم يتغير ولا يريدون التنازل عما أخذوه من الأراضي (القرم وأربع مقاطعات في أوكرانيا) وهذا معلن غير مخفي وهو على ألسنة السياسيين الروس، وبالمقابل فإن زيلينسكي كما ورد في التصريحات آنفا لا يستطيع أن يتنازل، ولهذا نجد أن ترامب هاجمه وانتقده بشدة.
2- موقف الاتحاد الأوروبي موقف معارض لوقف الحرب، لأن ترامب أقصاهم وأصبحوا لاعبين صغاراً، فهم نكايةً في ترامب يدعمون زيلينسكي بقوة ويقولون له لا تتنازل، وبالذات الخبث البريطاني، وجاءت هذه المواقف على لسان مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وروسيا، وهذه بعضها: بيان للسفارة الروسية في لندن (المحاولات المستمرة من جانب لندن وبعض شركائها لعرقلة التسوية السلمية للنزاع من خلال القضاء على أسبابه الجذرية)، وأضاف: (يتضح ذلك من خلال الأنشطة التي قامت بها القيادة البريطانية) قبيل القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا، ويؤكد هذا الخط النهج الانتهازي للعواصم الأوروبية التي تقول علينا الاستمرار في استخدام أوكرانيا ضد روسيا، وأيضا إعلان أوروبا بشأن القمة المزمع عقدها في ألاسكا: (إن النجاح في تحقيق السلام في أوكرانيا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الضغط على روسيا والاستمرار في دعم أوكرانيا)، وأيضا تصريحات مارك روته الأمين العام لحلف الناتو (دعا إلى رفض الاعتراف القانوني بضم الأراضي الجديدة إلى روسيا)، وصرح الممثل الدائم لأمريكا في حلف الناتو ماثيو ويتكر في تعليقه على رفض رئيس أوكرانيا تقديم تنازلات إقليمية (إن على طرفي النزاع في أوكرانيا الموافقة على إنهائه)، وقالت زخاروفا تعليقا على بيان قادة الاتحاد الأوروبي (إنه ليس إلا أحد المنشورات النازية الدورية).
فنجد هنا تناقضا صارخا بين موقف أوروبا وأمريكا وموقف أوروبا وروسيا، فهذه تصريحات نارية لا توحي أن هناك حلا في الأفق لهذه الأزمة، وروسيا تعتبر أن أوكرانيا حديقتها الأمامية وهي خط الدفاع الأول عنها ولن تسمح بدخول حلف الناتو رسميا إلى أوكرانيا وإنشاء قواعد له وانضمام أوكرانيا للحلف، فأمام ترامب مهمة صعبة جدا في الجمع بين الأطراف، وأما التصريحات المتفائلة منه ومن نائبه ومن ستيف ويتكوف وأمين عام الناتو فكلها لا تعدو عن آمال، حتى إن بذور فشل القمة في هدفها المعلن موجود وهو استبعاد زيلينسكي واستبعاد الاتحاد الأوروبي وتصلب الموقف الروسي.
3- هناك سبب آخر ألا وهو وجود معارضة قوية في أمريكا وتيار يؤيد عزل روسيا وليس الانفتاح عليها، بل محاصرتها ومعاقبتها مثل ما فعلت إدارة بايدن، وهذا التيار موجود حتى بين أعضاء الحزب الجمهوري وفي الدولة العميقة، فهؤلاء لا يرون الانفتاح على روسيا بل خنقها، وبخاصة بعد انفتاح روسيا على الصين، فهذا التيار يريد تبني حرب أوكرانيا لإشغال روسيا وتهديد أوروبا وإبقائهم تحت السيطرة، ولكن ترامب له رأي آخر هو والدولة العميقة الجديدة أصحاب رؤوس الأموال الجشعين.
ثالثا: إذن ما هو الهدف الحقيقي من انعقاد القمة؟ إن الهدف من انعقاد القمة هو استغلال موارد القطب الشمالي بشكل مشترك، ولهذا أعلن ترامب أنه يمكن أن نعلن عن اتفاق، ولم يوضح ما قصده، فهو يقصد استغلال القطب الشمالي والإعلان عن اتفاق بينه وبين روسيا، ويقضي الاتفاق أن تقدم موسكو لواشنطن المساعدة في تطوير واستثمار الموارد في منطقة القطب الشمالي وفي المقابل سيدعم ترامب شروط روسيا التي سيتعين على زيلينسكي قبولها من أجل إنهاء الصراع في أوكرانيا، وهذا سيجعل أوكرانيا غاضبة جدا بسبب اتفاقية القطب الشمالي المرتبطة بالحل في أوكرانيا.
صرح رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديميترييف (أن روسيا وأمريكا قادرتان على التعاون بنجاح في القطب الشمالي)، وأضاف (القطب الشمالي بالغ الأهمية، يجب على روسيا وأمريكا إيجاد أرضية مشتركة لضمان الاستقرار وتنمية الموارد وحماية البيئة)، وختم قائلا (التعاون ليس خيارا بل ضرورة، العالم يراقب). إذن الموضوع اقتصادي واستثمار موارد في هذه القمة، وبيع أوكرانيا في مزاد علني، وكأن بريطانيا وأوروبا تعلم بهذا، ولذلك دعوا زيلينسكي إلى التصلب وعدم التنازل، ولا يملك ترامب أمام الروس إلا ورقة أوكرانيا ليأخذ مقابلها خيرات القطب الشمالي، فهل يا ترى ينجح في ذلك؟
سيعمل ترامب على توقيع اتفاق القطب الشمالي ويعطي الوعود لروسيا في أراضي أوكرانيا دون حل جذري، فهو معني جدا بالاتفاق القطبي ولتذهب روسيا إلى الجحيم، ولتبقى الحرب سنوات أخرى، وهذا ما عبرت عنه مجلة فورين بوليسي في مقال تحليلي قبل أشهر وكاتبه من الخبراء قال: (السياسة الأمريكية الرامية إلى زيادة عزلة روسيا يمكن أن تسرع التعاون بين روسيا والصين في القطب الشمالي)، وهذا ما هو حاصل الآن، فقد مكنت روسيا الصين من استثمار موارد القطب الشمالي، وهناك تقارير وإحصاءات تؤكد هذا القول، والذي دفع روسيا إلى هذا هو حرب أوكرانيا، والاتفاقيات التي وقعها بوتين مع الصين بلغت أربع اتفاقيات استراتيجية مكنت روسيا من الصمود في وجه الضغوط والعقوبات الغربية، وسال لعاب الصين على موارد القطب الشمالي، فلما جاءت إدارة ترامب تخلى عن سياسة عزل روسيا وأراد أن يفتح معها علاقات تجارية، وهو صاحب الصفقات والمنافع المادية، فأخذ برأي القائلين إنه لا يجوز عزل روسيا وإلجاؤها إلى الصين، وبدأ علاقة جديدة مع بوتين وفتح قنوات اتصال وبدأ بإقناع أوكرانيا بالموافقة على خططه، فالاتجاه اليوم عند الإدارة في هذه القمة إغراء روسيا وعزلها عن الصين والحيلولة دون تشكل تكتل ضخم مع موارد ضخمة لا تستطيع أمريكا الوقوف في وجهه، فالمتوقع استمرار ترامب في محاولاته فتح آفاق جديدة مع روسيا بالرغم من وجود عقدة أوكرانيا، ويمكن مستقبلا أن يفصل بينهما، فهذه الإدارة متوحشة تريد أن تستولي على خيرات العالم وتستخدم في سبيل ذلك أساليب متعددة، وحمل العصا والجزرة وشعار (لنجعل أمريكا عظيمة) وشعار (السلام بالقوة) هو شعارها وسيفها المسلط على العالم.
أما نحن فنقول ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾، فالنصر قادم وستقام دولة الخلافة وسيبلغ ملكها ما بلغ الليل والنهار، وستعمل على إفشال مخططات هؤلاء المتوحشين، وستفشل مساعيهم وتقف في وجههم بكل حزم واقتدار وشموخ، وسيزول بإذن الله رسم أمريكا من العالم وستنكفئ على نفسها وسنلاحقها إلى عقر دارها كما فعل سلفنا الصالح حينما دخلوا أبيض كسرى ودخلوا بلد هرقل مكبرين مهللين، فهو تحقيق لوعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ.
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سيف الدين عبده