الأربعاء، 04 رجب 1447هـ| 2025/12/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الذباب الإلكتروني والوعي المقاوم: حرب في الخفاء على منصات التواصل

 

تدار في عالم السويشال ميديا معركة خفية وطاحنة، ليست مجرد صراع على المحتوى، بل معركة مستقبل الفكر السياسي والوعي المجتمعي، أطرافها قطبان متناقضان؛ قوى الظلام، والوعي المقاوم، ساحتها عالم تسيطر عليه التكنولوجيا، ولكل منهما أسلحته الخاصة وأهدافه واستراتيجيته المحكمة، إلا أن النتيجة النهائية محسومة، قال تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾.

 

في هذه المقالة، أود استعراض طرفي الصراع في هذه المعركة الأشرس، والأكثر تأثيرا في وقتنا الحاضر. قامت قوى خفية ترغب بالسيطرة على المشهد الإعلامي تشمل حكومات معروفة بتدخلها في شؤون الدول الأخرى، وأجهزة استخباراتية وجهات سياسية، بخلق ظاهرة جديدة عرفت "بالذباب الإلكتروني" أي تكوين جيوش من الحسابات المزيفة كأداة استراتيجية للتحكم في الرأي العام وتضليله من خلال تشويه الحقائق ونشر الأخبار الكاذبة والشائعات لخلق عدم ثقة في وسائل الإعلام المعتمدة، وتحريض فئات بعضها على بعض وزرع الفرقة لخدمة أجندات خارجية أو داخلية أو لتعزيز مصالح معينة على حساب المصلحة العامة، علاوة على ذلك فهي تسعى لخلق أزمات مصطنعة وزعزعة الثقة بين الشعوب وتحريف النقاشات الوطنية والدولية، وتعمل على توجيه التحركات الشعبية لاستغلال نتائج ثوراتها، فتضعف قدرة الشعوب على التمييز بين الحقيقة والباطل وتفكك النسيج المجتمعي والسياسي من الداخل، وقد نجحت نسبيا في هدفها من خلال التنسيق في نشر رسائل مضللة وأخبار زائفة والهجوم على الخصوم ومحاولة تشويه سمعتهم وخلق الانقسامات المجتمعية والسياسية وتضخيم الخلافات وتوليد مشاعر الكراهية وتشتيت الانتباه عن قضايا أساسية.

 

ففي انتخابات أمريكا عام 2016، انتشرت حملة ضخمة من حسابات الذباب الإلكتروني المرتبطة بمصالح أجنبية، خاصة من روسيا، تهدف إلى التأثير على نتيجة الانتخابات عبر نشر معلومات مضللة، وشائعات عن المرشحين.

 

 وفي مصر أثناء ثورة عام 2011 وما بعدها، تم توظيف الذباب الإلكتروني لتشويه صورة الثوار والمعارضين، ونشر الفوضى عبر حسابات مزيفة تدعو للعنف وتفريق صفوف المحتجين، والترويج للنظام.

 

وكذلك الأمر في سوريا حيث تم نشر حملات ضخمة عبر وسائل التواصل الإلكتروني من أطراف مختلفة، منها النظام والمعارضة، لنشر الأكاذيب عن الأوضاع، وتحريض الطوائف بعضها ضد بعض، وكذلك تشويه سمعة المجاهدين وتلميع وتبرير تصرفات الحكومة الجديدة التي لا ترتقي لمستوى التضحيات.

 

وما شهدته الهند بعد أحداث شغب أو انتخابات حيث انتشرت حملات تروج لخطاب الكراهية ضد العرقيات الصغيرة وتضليل الرأي العام عبر حسابات وهمية تروج لأخبار مزيفة لصالح جماعات معينة.

 

وما نراه اليوم في اليمن خلال الحرب الأهلية من حملات تركز على دعم فصائل معينة أو تشويه سمعة الأطراف الأخرى، مستعملة الأكاذيب والإشاعات كوسيلة حرب نفسية.

 

ولعل لعملية طوفان الأقصى، الدور الأكبر في تعرية وكشف هذا الذباب الإلكتروني الذي يخدم كيان يهود من خلال تشويش وتضليل الرأي العام، بنشر معلومات مغلوطة وأخبار كاذبة حول الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ما يشتت انتباه الجمهور ويضعف الدعم الشعبي للمقاومة والعمل على خلق انقسامات داخل فلسطين والدول العربية عبر نشر محتوى يثير الفتن بين الفصائل أو الجماهير، بهدف إضعاف تماسك الصفوف، وتشويه صورة المقاومة والفصائل عن طريق الترويج لأخبار كاذبة عنهم وعن أفرادهم بهدف التقليل من مصداقيتها وتشويه صورتها أمام الرأي العام العالمي، وإظهار المقاومة كأداة للدمار وإهلاك الشعوب والمناداة بالسلم والتطبيع كحل جذري للقضية.

 

ويبقى السؤال من هم الذباب الإلكتروني ومن يقف وراءهم؟

 

الذباب الإلكتروني هو شبكة من الحسابات والأشخاص المدربين أو المستأجرين الذين يعملون بتنظيم دقيق لخدمة أهداف سياسية أو استخباراتية، وغالبا تمولهم وتنظمهم جهات رسمية، مثل أجهزة المخابرات، ووزارات الإعلام، وأحيانا شركات علاقات عامة تعمل لصالح دول أو كيانات معينة، أو شركات تسويق إلكتروني تقوم بتوظف موظفين أو متطوعين لنشر محتوى موجه بتقنيات متقدمة. أو مجموعات مستقلة، تتبع خططا سياسية أو فكرية معينة، بعضهم يدفع أموالا وبعضهم يعمل بدافع الانتماء، وفي الواقع ليس كلهم يهود، بل قد ينتمون لأعراق وجنسيات مختلفة وقد يكون بعضهم موظفين مباشرين لدى مخابرات يهود أو يعملون لصالحها عبر عقود، أما البعض الآخر فهم عملاء غير رسميين أو مجندون يتلقون توجيهات أو تحفيزات، ويسهل التعرف عليهم من خلال وجود نشاط مكثف ومتزامن على منصات التواصل ينشر الرسائل أو المواضيع نفسها في وقت واحد ويستخدم حسابات جديدة أو وهمية (بروفايلات بدون معلومات شخصية وعدد متابعين منخفض مقابل كمية كبيرة من المشاركات)، تجد لغتهم مشحونة وأسلوبهم تحريضي يروج سياسات محددة.

 

ولمواجهة جيوش الظل، ظهر نهج الوعي المقاوم، الطرف الآخر في المعركة، الذي أدرك أنه لا يمكن الانتصار في المعركة ما لم ندرك أولا أننا مستهدفون. وأن التوعية هي الحصن الأول، فبدأ بكشف وجود الذباب الإلكتروني وأهدافه، وتعليم الناس مهارات التحقق من المعلومات وعدم الانجرار وراء العناوين الزائفة، وعمل على تعزيز الرقابة الذاتية من خلال جعل المسؤولية فردية وجماعية، فكل مستخدم يجب أن يكون خط دفاع عن مجتمعه، يبلغ عن الحسابات المشبوهة، ويشارك فقط ما تأكد من صحته، ويساهم في بناء شبكات موثوقة لتداول الأخبار. ولم يكتف هذا الوعي بالدفاع بل هاجم بالحق وصنع محتوى توعويا صادقا بأسلوب ممنهج ومؤثر واستخدمه كسلاح للمقاومة الحقيقة في الفضاء الرقمي.

 

إن الوعي المقاوم هو السبيل الوحيد لكشف هذه الألاعيب، فهو يتحقق من مصادر المعلومات، ويعمل على تثقيف النفس والمجتمع، وتعزيز دور الصحافة الحرة والنزيهة.

 

 إلا أن التضييق على أصحاب المحتوى الواعي هو أحد أكبر التحديات التي تواجه الوعي المقاوم، لكن هذا لا يعني الاستسلام، بل على العكس، يجب استخدام أساليب مبتكرة مثل التشفير، والحسابات البديلة، ونشر المحتوى في أوقات وبأشكال مختلفة، كما يمكن بناء شبكات دعم بين صانعي المحتوى، ونقل الرسائل عبر قنوات متعددة، ما يصعب السيطرة عليه، والعمل على تعزيز الوعي الجماهيري، فكلما زاد وعي الجمهور، زادت الضغوط على الجهات التي تحاول التضييق. وهذا يتطلب الصبر والاستمرارية، فالوعي الحقيقي لا يأتي بين ليلة وضحاها، بل هو نتيجة صبر وجهد مستمرين، حتى لو واجه تضييقات، فالتضييق ليس نهاية الطريق بل هو حافز للابتكار والتمسك بالموقف، وإيجاد طرق جديدة للوصول إلى الجمهور وإحداث التأثير، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.

 

ولأن المعركة في ساحات التواصل لا تقل أهمية عن ساحات الميدان، فإن وعي الجماهير وتحصينهم بالمعلومات الصحيحة هو الدرع الأقوى لصد هذا المد المظلم. فلا بد للوقوف صفا واحد لكشف الأكاذيب وفضح الأهداف الخفية، واستخدام قوة المعرفة كالسيف الذي يقطع أوهامهم، لأن النصر الحقيقي يبدأ من الوعي المقاوم والفهم العميق لما يحدث خلف الشاشات.

 

ختاما، لا ينسى المؤمن أن النصر بيد الله وحده، وأن الواجب عليه أن يرفع سلاح الوعي والإيمان، ويحصن قلبه وعقله بالعلم واليقين. قال تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ﴾، فلتكن هذه الآية نبراسنا في معركتنا مع الذباب الإلكتروني، ولنعلم أن الصدق والثبات هما درعنا وأسلحتنا في وجه أعداء الحق، فكل كلمة صادقة وكل موقف رشيد هو جهاد بحد ذاته. فلنستيقظ ونتحد ونحمل راية الوعي المقاوم، وندعو الله أن يثبتنا وينصرنا في معركتنا هذه، لتحقيق غايتنا الكبرى وهي إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

منال أم عبيدة

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع