- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
منظومة التعليم في بلادنا
بين التجهيل المتعمد والحاجة الملحة للإصلاح
في ركن غرفة مظلمة يجلس معلم مكسور الظهر مستندا إلى طاولة خشبية مهترئة عليها كتاب قديم مغبر، صاح قائلا: هنا دفنت عقولنا في زحام مناهج خاوية وأحلام ضائعة، هنا سجنت الأفكار وضاع نور المستقبل ونسفت أجنحة الإبداع حين تحول التعليم من رسالة إلى شهادة، والمعلم موظف مثقل بالهموم فاقد للدافع والرسالة، بلا إعداد تربوي كاف ولا امتيازات تحفزه ولا احترام مجتمعي يليق به.
أشار إلى النافذة وهو يعتصر ألماً، هناك يجلس شباب أنهكهم الانتظار في المقاهي يحملون شهاداتهم كما يحمل ساعي البريد عبئا لا يوصله لأحد.
أدرك أن الاستعمار لا يرحل تماما حين يخرج بجيوشه بل يترك وراءه خنجرا مغروسا في التعليم، فتعاد كتابة التاريخ ليصبح المستعمر منقذا والمقاوم متمردا، يفصله عن بعده الديني؛ فالطالب يتعلم الأحياء ولا يرى حرجا في تبني نظرية داروين، ويدرس الاقتصاد ويبرر الربا، ويشتغل بالقانون دون الرجوع للشريعة، خنجر شوه المنظومة التعليمية حتى غدت لا تشبه ثقافتنا ولا تاريخنا ولا ديننا، معتمدة على التكديس لا الفهم، فالطالب آلة تخزين مؤقتة يفرغها وقت الامتحان القائم على الحفظ لا على الإبداع ثم ينساها لاحقا، لا تدريبات عملية ولا مهارات تضاف، واختصاصات تدرس لا تحتاجها بلادنا، فتنتج عقلا خاملا لا يسأل ولا يفكر، بل يحفظ ويكرر، لا يحلل ولا يبدع، فيتخرج العاطلون أو المتعلمون غير المنتجين أو موظفون ليسوا أصحاب كفاية، أما من يسلط عليهم الضوء فهم نخب مرتبطة فكريا وثقافيا بالاحتلال وتلعب دورا في ترويج أفكاره وتقليص دور لغتنا العربية وتستبدل بها لغات مستعمرينا، وتشكك في صلاحية البديل الإسلامي الذي أثبت نجاحه عبر حضارات سطرت مجدها بعلمائها ونوابغها، فاختزلته في طقوس شكلية.
إن سياسة التجهيل التي تتبعها الدول الرأسمالية الداعمة للاحتلال بمساعدة أنظمتنا الخانعة الذليلة، بدت واضحة في الآونة الأخيرة في بلادنا؛ فهذه سوريا على سبيل المثال لا الحصر، عندما قامت الحكومة الجديدة بتقليص دروس الدين واستبدال الموسيقى بها، كأنها تبث رسالة مطمئنة للغرب، تؤكد فيها ولاءها لهم وأنها ضد التطرف وتهدف للاعتدال!
ولو سلطنا الضوء على ما يحدث في الضفة الغربية الآن من دعوات لتقليص أيام الدوام المدرسي إلى ثلاث أيام وإلغاء الكتب والاعتماد على ملزمات تعليمية مبسطة، وتهميش دور المعلم وإهماله وعدم إعطائه مستحقاته المالية، عندها نرى ما لا يرى.
تتجلى خطورة هذا الأمر في إيجاد جيل جاهل بتاريخه ولا يفهم معنى المقاومة، خاضع منزوع الهوية، يؤمن بالتفاوض لا بالجهاد. والمعلم الذي كان دائما حاملا للوعي ومربيا للصمود أصبح ملقنا بلا تأثير فكري أو أخلاقي، مجهول الرسالة.
ما يحدث هو معركة على وعي جيل، يراد له أن ينشأ بلا دين، بلا هوية، بلا مشروع، تحت سلطة تقدس الحاكم وتقدم الطاعة على القيم.
التعليم في الدول العربية بحاجة إلى ثورة، إلى مشروع نهضة لا إصلاح شكلي. لا بد من إعادة تعريف الغاية، وتصميم مناهج مرجعيتها القرآن والسنة، قائمة على الدمج بين العلوم الشرعية والعلوم الأخرى، تبني الهوية الإسلامية وتهتم بلغتها العربية، محققة غايتها في بناء إنسان قادر على إعمار الأرض بقيمه ومبادئه تحت رعاية معلم يكون قدوة، مربٍ للفكر والعقول، تم إعداده شرعيا لا مجرد أكاديمي، له هيبته ومكانته، لا ملقنا بل صاحب رسالة، وهنا تكون النتيجة جيلاً من العلماء والمجاهدين والمصلحين والمنتجين يعيدون بناء أمة عظيمة قوامها الدين وسلاحها العلم، ولن يتحقق هذا الأمر إلا بالعمل لإعادة الخلافة الراشدة القائمة على شرع الله.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
منال أم عبيدة



