الجمعة، 02 جمادى الأولى 1447هـ| 2025/10/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الخديعة المالية الكبرى

 

 

نعيش اليوم حالة استثنائية وغير مسبوقة من الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية تجعل آفاق النمو الاقتصادي المستقبلي أمام تحديات عظيمة، ويتزامن ذلك مع ضعف الأدوات الدولية المالية برمتها، ما جعل الصراع بشكل عام ينتهك بشكل صارخ المعايير الإنسانية والأخلاقية، ما سوف يدفع لرفض عالم أحادي القطب، وهذا يتحقق بشكل صريح عند حدوث وتفكك العقد الاقتصادي الذي فرضته أمريكا كأداة تتحكم به في العالم حتى اليوم، وهذا كله جعل العالم اليوم على أبواب جحيم بحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، وهذا ما قد يدفع أصحاب المال الفيدرالي لمحاولة استرداد ديونهم من أمريكا عبر خديعة كبرى يحاولون نسج خيوطها هذه الأيام. وإن كانت قراءتي لهذا الحدث فيها نوع من الخيال الاقتصادي إلا أنهم يمتلكون عقولاً شيطانية ولا يهمهم من يخسر ما داموا هم الرابحين، وهي بمثابة قراءة فيها تحذير لتوخي الحذر للجميع.

 

وحتى أشرح ما يدور في ذهني سوف أتوسع في بعض الأمور حتى تفهم الفكرة.

 

هم يسعون إلى استخدام العملات الرقمية التي اعتبرها البعض ثورة مالية قادمة تواكب العصر التكنولوجي وسرعة هذا العصر، لذلك سوف أشرح نظام الكريبتو ونظام حماية البيانات المالية من التلاعب عبر تقنيات رياضية معقدة، وهو يعمل على ثلاث ركائز:

 

الأول: البلوك تشين وهي سلاسل من الكتلة الرقمية تسجل كل عملية تحويل أو تداول بشكل علني وشفاف ويحتوي على مجموعة بيانات هي بيانات العمليات (من أرسل؟ ولمن؟ وكم القيمة؟)، وتوقيع مشفر يثبت صحة ارتباطها بالكتلة السابقة لضمان عدم التلاعب بالسجل.

 

ثانيا: التعدين وهي عملية التحقق من المعاملات وإضافتها للبلوك تشين مقابل مكافأة من العمل نفسه وهي تتم باستخدام حواسيب قوية تحل معادلات رياضية معقدة.

 

ثالثا: اللامركزية أي لا يوجد بنك مركزي أو جهة واحدة تتحكم بالنظام بل يتم تشغيلها من آلاف الحواسيب حول العالم مثل (بيتكوين، الايثيريوم، الريبل، سولانا، كاردانو).

 

وهذا يعتبر انقلابا في مفهوم التحويلات العالمية في الاقتصاد حيث إن النظام المالي التقليدي هو عبارة عن نظام يعتمد على الورق أي النقد والبنوك كوسيط أساسي في كل المعاملات معتمداً على النقد الإلزامي الذي يعتمد على الثقة والإلزام والذي نشأ بعد نظام الذهب والفضة الذي انتهى في 15/8/1971، والتي سميت صدمة نيكسون وكانت تحولا جذريا في النظام النقدي العالمي من الذهب إلى العملات الإلزامية، وطبعا هي كانت صدمة لكل الاقتصاديات المرتبطة بالدولار.

 

والنظام المالي التقليدي قائم على الوسيط المالي المركزي أي البنك المركزي الذي يصدر النقود ويدير السياسة النقدية (الفائدة، التضخم، الطباعة...الخ) وتتصل مع المركزي بنوك تجارية تكون هي الوسيط بين الأفراد والشركات.

 

وفي هذا النظام يكون التحكم كاملاً من الدولة أي حركة المال تمر عبر مؤسسات خاضعة لرقابة صارمة ولديها صلاحيات تجميد الحسابات أو مصادرتها أو فرض عقوبات وهو اليوم يعتبر بطيئا في التحويلات الدولية وعمولاته كبيرة ودائما هناك وسيط مسيطر على البيانات ولا يمكن لصاحب المال تتبع ماله بنفسه دون العودة للبنك أو الحكومة، وهو يعتمد على الديون والقروض بشكل كبير جداً.

 

أما النظام الرقمي فهو كما أسلفنا تقنية رقمية تعتمد على (البلوك شين، الذكاء الصناعي، العملات الرقمية المشفرة، المحفظة الإلكترونية...الخ) فهو يلغي وجود الوسيط أي الشخص هو الذي يتحكم بكل العمليات عبر شبكة موزعة وكل العمليات مسجلة ويمكن للجميع رؤيتها وهناك صعوبة في التزوير والتلاعب، وهذه العملية تتم خلال ثوان أو دقائق لا قيود جغرافية ولا مصرفية والعمولة قليلة بالمقارنة مع التقليدي، وكل هذا يتناسب مع متطلبات اليوم والتطور التكنولوجي.

 

ومما سبق نجد أن الفرق كبير بين النظامين؛ فالنظام الرقمي مناسب للعصر وتطوراته ويواكب التقنيات الحديثة وحساس للاختراقات ولا رقابة عليه وهو متقلب حسب السوق وغير مسيطر عليه حكوميا ويمكن تجنب الربا واستبدال كود ذكي به ولكنه ضعيف في الأمان أي لا مرجعية له حتى اليوم (أي مالك الشيفرة هو صاحب المال في حال الخطأ في الإرسال ولا يوجد جهة رسمية تتبناه وتعوض الخسائر في حال حدوث أي شيء).

 

ولذلك نجد أن أغلب الاقتصاديات في العالم تحاول دمج النظامين بشكل يتناسب مع السيطرة والأمان الحكومي والحالة الرقمية، لذلك نجد أنه تم إقرار إنشاء DIGITAL MARKETS 50 رسميا في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2025 وهو مؤشر مالي جديد صادر عن تعاون بين شركة S&P GLOBAL وشركة DINARI المتخصصة في التوكنيزيشن. وهو مؤشر يجمع بين 15 عملة رقمية و35 شركة مدرجة في البورصة، وأسباب إصدار هذا المؤشر هي:

 

- طلب المستثمرين على التنويع في الأصول الرقمية.

 

- للتسهيل على المستثمرين استخدام البلوك تشين والعملات الرقمية بطريقة قابلة للتداول في الأسواق التقليدية في حزمة واحدة.

 

- وضع قواعد واضحة لتكوين المؤشر (أي وضع قوانين وشروط) مثل الأسهم التي تدخل في القائمة يجب أن يكون لها قيمة سوقية معينة، وأيضا العملات الرقمية يجب أن يكون لها حجم سوقي يتجاوز رقم معين.

 

- الاعتراف في أن الأصل الرقمي أصبح جزءاً أساسياً من الأسواق المالية.

 

وما سوف أذكره الآن هو السيناريو المحتمل نظرياً وأظنه يدور فعلاً في أذهان بعض الاقتصاديين والمحللين لأن فيه منطقا استراتيجيا خفيا يتناسب مع طبيعة أصحاب الدين الأمريكي (الفيدرالي) وهو كالآتي:

 

المرحلة الأولى: تقوم أمريكا بالتغلغل السري في سوق الكريبتو وقد تكون هذه مرحلة تمت فعلاً لأن العملات الرقمية كثيرة ولا نعلم من أنشأها أو من هم ملاكها، وتبدأ هذه العملات بالارتباط النسبي بالدولار الأمريكي ونظام التحويلات البنكية الأمريكية حتى تصبح أغلب التعاملات في السوق الرقمي مقومة بالعملة الرقمية المدعومة من طرفهم سراً أي أن تصبح أمريكا تتحكم بشريان السيولة الرقمية العالمية وتحرص على عدم ظهورها بأنها مسيطرة على هذه العملات الرقمية.

 

المرحلة الثانية: تفتح أبواب الاستثمار المؤسسة ما يجذب تريليونات من هذه العملة الرقمية إلى سوق الكريبتو ثم ترفع أسعار أغلب العملات الرقمية فينظر لها على أنها أصول استثمارية بديلة للذهب والسندات لأنها تحقق أرباحاً عالية وبذلك تتدفق السيولة من خارج أمريكا إلى السوق الرقمي من كل العالم.

 

المرحلة الثالثة: تستبدل أمريكا بأصول حقيقية لها قيمة اقتصادية ملموسة مهما كانت (عقار، ذهب...الخ) العملات الرقمية التي صنعتها وتتحكم بها وعندما تصبح هذه العملات في يد المستثمرين تكون أمريكا قد حصدت جزءاً من القيمة الحقيقية العالمية مقابل رمز رقمي بلا التزام قانوني، عندها تطلق تشريعات وضغوطاً تنظيمية بحجة حماية المستثمرين ومكافحة غسيل الأموال ما يؤدي إلى انهيار أغلب العملات الرقمية التي في سوق الكريبتو بنسبة 90%.

 

والنتيجة أن المستثمرين في العالم يخسرون مليارات أو تريليونات وأمريكا أي الفيدرالي يحصل على هذه التريليونات، وبعد تمام الانهيار تعلن أمريكا عن تنظيم للسوق وتصدر الدولار الأمريكي الرقمي الرسمي المدعوم جزئيا بالذهب وذلك بعد إعادة تقييم الرصيد الذهبي الذي كان مسعراً بـ42 دولارا للأونصة الواحدة بسعره الجديد حسب السوق تلك اللحظة ويعلن الفيدرالي أن هذا الدولار هو بضمانته.

 

وهذا الدولار الإلكتروني الجديد يديره الفيدرالي ويستخدم في التداولات الدولية ويصبح هو العملة الإلكترونية المضمونة في سوق كريبتو، وبذلك يكون الفيدرالي استعاد السيطرة على العالم بدولار جديد وأيضا استعاد دينه على حساب العالم أجمع.

 

والذي يدفع ملاك الفيدرالي إلى هذه الخطوة غير الأخلاقية هو الوضع الاقتصادي العالمي المنهار حيث إن الحالة الاقتصادية اليوم نراها تفقد تدريجياً بوصلتها السياسة النقدية، فإن معركة التضخم لن تحسم بالربا وحده وإن الحلول للوصول للتهدئة الاقتصادية بأساليب تقليدية متكررة لا تنفع في زمن متغير وسريع، وهذا أنتج أسواقاً ينعدم فيها اليقين والثقة، والسياسة النقدية عاجزة عن الخروج من قيود النموذج المالي التقليدي البطيء المثقل بالأعباء التي تفتقد للحلول.

 

ما جعل الدولار ينتقل من دور عملة احتياطية عالمية إلى أداة ضغط عالية على الجميع، فمنذ قدوم الرئيس الأمريكي ترامب وسياسته المالية والتجارية وحربه التجارية المعلنة والقاسية على العالم أجمع بحجة دعم الدولار نجد أنها تسببت في تصدير التضخم للعالم أجمع وسحب السيولة من الأسواق العالمية، وهذا جعل العالم يقع في مصيدة تسديد الديون المستحقة أو توفير تمويل عاجل للخدمات الأساسية، وهذا يهلك الاقتصاديات الناشئة ويحدث دماراً كبيراً غير مرئي حالياً، وهذا كله دون التكلم عن ردة الفعل المقابلة من الدل الأخرى.

 

إن النظام التجاري العالمي وقواعده نجده اليوم ينهار بشكل جلي:

 

* انتقال العولمة التي بنيت بعناية فائقة إلى تكتلات تجارية مغلقة وتوترات جيوسياسية أصبحت تجبر الشركات على التموضع ودفع الفواتير العالية جداً.

 

* غياب مؤشرات واضحة على تحول سريع في السياسات النقدية حيث تناقصت قدرة الأسواق على توليد سيولة طبيعية من التداول مع وجود عدم ثقة في ضخ سيولة عالية في أسواق الأسهم والسلع والعملات لوضعها غير المستقر.

 

إن الأحداث التي نمر بها اليوم هي انهيار قواعد الفلسفة الرأسمالية، وكنا سابقا تكلمنا عن الانهيار المالي فيخرج لنا من ينفي هذا التوقع، أما ما يحدث اليوم فيدل قطعا على أن الانهيار المالي العالمي قادم لا محالة بل ليس كأي انهيار فإنه لا يشبه أزمة الرهن العقاري عام 2008 ولا الحالة الاستثنائية لجائحة كورونا عام 2020، بل السقوط القادم هو من أعلى القمة إلى أسفل الهاوية. فقد دخلنا اليوم إلى حالة الركود وبعدها مباشرة حالة الانهيار ولا مفر من ذلك، وإليكم بعض المؤشرات:

 

# تحرك الولايات المتحدة لتخفيف حدة الركود القادمة عبر خفض تدريجي للفائدة ولكن نجد أن الشركات تعيد هيكلة خططها التوسعية بسبب انخفاض الاستهلاك على عموم العالم.

 

# الصين تخسر عنفوانها الاقتصادي بسبب تراجع الاستثمارات الخاصة والتباطؤ الشديد بسلاسل التصدير ناهيك عن الحرب التجارية والتغير الجيوسياسي وضعف الحصول على الطاقة.

 

# منطقة اليورو ففيها أكثر وضوح للركود حيث لم يتجاوز النمو 1% في عام 2024 ولم يتجاوز 1,2% لعام 2025 ونحن

 

 

على أعتاب نهايته، والحروب التي تلقي بظلالها على اقتصاد الاتحاد الأوروبي ومسألة التسلح وضعف وسائل الحصول على الطاقة مع التغيرات التي تطرأ على منطقة تصدير الطاقة.

 

# أما الأسواق الناشئة فهي تجني خيبات الأمل وتخوض معارك كبيرة لقلة السيولة وارتفاع التضخم لمستويات غير محدودة والدين الخارجي الذي يدفع بها سريعا للانهيار قبل غيرها.

 

# انعدام الثقة بالمؤسسات الحكومية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، والتي فقدت سيطرتها على تنفيذ ما نشأت عليه.

 

إن ما نعانيه اليوم ليس ناجماً عن سوء قراءة حالية أو عدم استقرار مرحلة أو سوء تنفيذ المتسلطين على النظام الاقتصادي بل هو حكاية انهيار نظام مالي رأسمالي ولد وهو يحمل بذور موته في ثناياه، حيث سيطر لسنوات عديدة بنظامه الجشع والنفعية البحتة وقادته قوانين غير إنسانية من الاحتكار والربا وغيرها.

 

نحن اليوم على أعتاب هاوية لا ترقيع لها بل موت كلي، والبحث عن نظام اقتصادي جديد، والحقيقة هي موت المبدأ الرأسمالي برمته ولم يبق سوى أن يظهر نظام عالمي جديد حتى يعلن وفاة الرأسمالية ويحضّر جنازتها للدفن الأبدي.

 

ولا يصلح لذلك سوى مبدأ الإسلام الذي ما فتئت الرأسمالية تحارب إمكانية ظهوره، فإن النظام الرباني وضع لتنظيم العلاقات البشرية، وهو يحتوي على نظام اقتصادي قائم على العدل والمساواة وحفظ النفس البشرية وليس فيه أدوات الغش والتدليس، وهو الوحيد الذي يعيد للعالم ولاقتصاده الاستقرار والثبات والثقة وذلك بالعودة إلى نظام الذهب والفضة.

 

وهناك رأي شرعي في هذه العملات الإلكترونية، ولا يسعني هنا إلا أن أورد بعضا من كلام أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة في جواب سؤال أصدره بتاريخ 18/12/2017 عن العملات الرقمية:

 

(والخلاصة، أنها سلعة مجهولة المصدر لا ضامن لها، عرضة لعمليات النصب والاحتيال، وهيمنة الدول الرأسمالية المستعمرة وبخاصة أمريكا لاستغلال هذه الأمور لنهب ثروات الناس... ولذلك فلا يجوز شراؤها للأدلة الشرعية التي تنهى عن شراء وبيع كل سلعة مجهولة، ومن الأدلة على ذلك:

 

- أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ».

 

وأخرجه كذلك الترمذي عن أبي هريرة... "بيع الحصاة" كأن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة... فالمبيع مجهول وهو منهي عنه... "بيع الغرر" أي المجهول غير المعلوم كبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن ونظائر ذلك، وكل ذلك بيعه باطل لأنه غرر...

 

ومنه يتبين تحريم بيع الغرر أو المجهول، وينطبق هذا على واقع البيتكوين، فهو سلعة مجهولة المصدر، ولا جهة رسمية أصدرتها تكون ضامنة لها، فعليه فلا يجوز بيعها ولا شراؤها). انتهى

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نبيل عبد الكريم

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع