الثلاثاء، 01 ربيع الثاني 1447هـ| 2025/09/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بالإسلام يُصهر أهل السودان في بوتقة واحدة

ويحيون حياة كريمة عادلة في ظل دولته

 

يبلغ عدد سكان السودان 49.4 مليون نسمة، بحسب مؤشرات صندوق الأمم المتحدة‏ للسكان عام 2024،  96% منهم مسلمون، وتضم السودان جالية نصرانية صغيرة وأفرادا يتبعون ديانات وثنية. ويتشكل المجتمع في السودان من قبائل تنحدر من أصول عربية وأفريقية ونوبية ترجع إلى أكثر من 500 مجموعة عرقية، ويعد العرب العرق السائد بنسبة 70%، إضافة إلى عرقيات أخرى منها البجة والنوبة والفلاتة والجبرتة والفور والمساليت وغيرها‏. وقد استغل المستعمرون هذا التنوع والاختلاف في إشعال الصراعات والحروب الأهلية وسخروه لتنفيذ مخططاتهم وعلى رأسها تمزيق السودان إلى دويلات بالعزف على وتر الحكم الذاتي وحق تقرير المصير وحقوق العرقيات الصغيرة، فَفُصِلَ الشمال عن الجنوب، والآن يجري الحديث عن فصل دارفور، ولسنا هنا بصدد التأصيل والتفصيل حول مكونات المجتمع في السودان، ولا بصدد الحديث عن آلية ومراحل تمزيق السودان، وإنما ما نحن بصدده هنا هو بيان أن الإسلام وحده القادر على صهر هذه المكونات المختلفة في بوتقة واحدة، وبيان أن دولة الخلافة وحدها الكفيلة بأن تتعامل معها من منطلق الرعاية والتابعية وتحقق لها العدل والمساواة والحياة الكريمة.

 

لقد جمعت أحكام الإسلام الشعوب والقبائل المختلفة بل والمتناحرة، ووحدت كلمتهم وساوت صفوفهم، فصنعت منهم أمة راقية؛ يعبدون رباً واحداً ويتجهون لقبلة واحدة ويسعى بذمتهم أدناهم ويفدي أحدهم أخاه بدمه بعد أن كان يسفك دمه، فالإسلام وحده المبدأ القادر على صهر الناس في بوتقة واحدة، فهو الذي صهر العرب والقبط والبربر والأتراك والنوبة وغيرهم وجعلهم أمة واحدة قبل أن تمتد يد المستعمر لتحيي هذه العصبيات والصراعات خدمة لمخططاته، فالإسلام لم يفرق بين الناس بناء على العرق أو اللون أو الجنس بل جعل محط نظره الإنسان من حيث هو إنسان، فالناس في نظره سواسية والتفاضل بينهم مبني على أعمالهم لا على أشكالهم وأجناسهم وأعراقهم، ومعيار التفاضل بينهم هو التقوى ومدى التزامهم بأوامر الله ونواهيه في حياتهم، وأما الأمور المختلفة بين الناس من عرق ولون وجنس فهي أمور طبيعية وهي من آيات الله وعلامات قدرته فلا ينظر إليها نظرة سلبية ولا تفضيلية، يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى. أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».

 

وقد جعل الإسلام الرابطة الصحيحة التي تصلح لأن تربط الإنسان بالإنسان هي الرابطة العقائدية التي ينبثق عنها نظام يعالج مشاكل الإنسان في حياته كلها وينظم علاقات الأفراد في المجتمع الواحد، ألا وهي رابطة العقيدة الإسلامية، لا الرابطة الوطنية أو القومية أو القبلية والعصبية الجاهلية حيث قال عنها ﷺ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، فأصبح بهذه الرابطة صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وأبو بكر العربي القرشي إخوة، وبهذه الرابطة ألّف الإسلام بين الأوس والخزرج بعد أن كانوا متناحرين ويحملون لبعضهم العداوة والبغضاء فتحولوا لإخوة متحابين وصاروا أنصار الدين وكان لهم فضل نصرة رسوله ﷺ وإقامة الدولة الإسلامية، قال تعالى: ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

 

إن هذه الأحكام التي جاء بها الإسلام بالتشريع، قد ضمنتها دولة الخلافة بالتنفيذ، فلا يوجد في دولة الخلافة وصف الأقلية والأكثرية كما هو معمول به اليوم، فالإسلام يعتبر الجماعة التي تحكم بموجب نظامه وحدة إنسانية، بغض النظر عن طائفتها وجنسها ولا يُشترط فيها إلا التابعية أي الإقامة فيها والولاء للدولة، فتنظر لجميع الناس باعتبار إنساني فقط وتعتبرهم رعاياها، ما داموا يحملون التابعية، والسياسة الداخلية للدولة الإسلامية هي تنفيذ الشرع الإسلامي على جميع الذين يحملون التابعية سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فكل من يحمل التابعية هو من رعايا الدولة الإسلامية سواء أكان مسلماً أم غير مسلم وله على الدولة من الحقوق وعليه لها من الواجبات ما يستحقه حسب الشرع، والدولة مسؤولة عنه، وعن كفالته، وحمايته وحماية أمواله وعرضه، وتوفير الأمن والعيش والرفاهية والعدل والطمأنينة له، بدون أي فرق بين مسلم وغير مسلم، فالكل أمام الدولة سواسية كأسنان المشط.

 

وقد جاء الإسلام بأحكام عدة لأهل الذمة، منها أنهم لا يفتنون عن دينهم ولا يكرهون على الدخول في الإسلام، بل يُتركون وما يعتقدون وما يعبدون وما يطعمون، وتفصل أمور الزواج والطلاق بينهم حسب أديانهم، ولا يكلفون بشيء من التكاليف التي يكلف بها المسلمون كالجهاد والزكاة، فلا يُكرهون على القتال، ولكن يجوز لمن شاء منهم أن يقاتل في جيش المسلمين باختيار منه، ويؤدي هؤلاء الذميون الجزية فقط، وهي مبلغ من المال يؤخذ من البالغين الذكور القادرين عليها لقوله تعالى ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾، فاليد كناية عن القدرة، ولا تؤخذ من النساء والأطفال، وإذا صار الذمي فقيرا سقطت عنه الجزية وتتولى الدولة الإنفاق عليه من بيت المال. ويُعامل أهل الذمة معاملة حسنة، ويُنظر لهم أمام الحاكم وأمام القاضي وعند رعاية الشؤون وحين تطبيق المعاملات والعقوبات كما يُنظر للمسلمين دون أي تمييز، ويخضعون لأحكام الإسلام كما يخضع لها المسلمون، فهم رعايا للدولة الإسلامية كسائر الرعية لهم حق الرعوية وحق الحماية وحق ضمان العيش وحق المعاملة بالحسنى وحق الرفق واللين، ولهم ما للمسلمين من الإنصاف وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف، فواجب العدل معهم كما هو واجب مع المسلمين. ولكل من يحمل التابعية، وتتوفر فيه الكفاية رجلاً كان أو امرأة، مسلماً كان أو غير مسلم أن يعين مديراً لأية مصلحة من المصالح، أو أية إدارة، وأن يكون موظفاً فيها، ولأهل الذمة أن يكونوا في مجلس الأمة من أجل الشكوى من ظلم الحكام، أو من إساءة تطبيق أحكام الإسلام.

 

وإذا ما نظرنا في تاريخ الدولة الإسلامية منذ أقامها النبي ﷺ نرى أن غير المسلمين عاشوا معززين مكرمين في ظل حكم الإسلام، وأنه كان ينظر لهم من منظور التابعية والرعاية، وأنه لم يكن في ظل دولة الإسلام تابعي درجة أولى وتابعي درجة ثانية، فقد ساد التنوع في الدولة الإسلامية الأولى التي أقامها النبي ﷺ في المدينة المنورة لحظة قيامها فقد وجد فيها المهاجرون والأنصار وكان من رعاياها العربي وغير العربي والمسلم وغير المسلم، ثم توسعت لتشمل جزيرة العرب كلها في حياة النبي ﷺ واستمر توسعها في عهد الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم في زمن الدولة الأموية والعباسية والعثمانية فازدادوا بذلك التنوع حيث دخل الناس في الإسلام أرسالاً من قبائل وشعوب شتى وخضع لسلطانها أصحاب أديان كثيرة لم تكن معروفة في جزيرة العرب، على ما في جميع هؤلاء من اختلاف في العرق واللون واللغة والثقافة والدين، وكان الغالب في العلاقة فيما بينهم وفي علاقتهم مع الدولة الانسجام والتوافق وحسن المعاشرة، والشواهد على إحسان الدولة الإسلامية للذميين كثيرة تشهد بها كتب التاريخ كقصة ابن عمرو بن العاص مع القبطي، ونتيجة لهذا الإحسان فضلوا العيش فيها ولجأوا إليها، بل إنهم انحازوا إلى صفها ضد بني جلدتهم، ففي الحروب الصليبية انحاز نصارى الشرق إلى المسلمين وقاتلوا معهم ضد الصليبين على الرغم من محاولة الصليبيين استمالتهم وإثارتهم ضد الدولة الإسلامية، إلى درجة أنهم أفقدوا الصليبيين إحدى الأوراق التي كانوا يعولون عليها في هزيمة المسلمين.

 

من هذا يتبين أن الإسلام وحده القادرة على صهر أهل السودان على اختلاف أعراقهم وأديانهم في بوتقة واحدة كما صهرهم من قبل. يقول الدكتور صلاح إبراهيم عيسى في كتابه "دخول الإسلام السودان وأثره في تصحيح العقائد": (لم يكن السودان المعروف اليوم بجغرافيته يمثل كياناً سياسياً أو ثقافياً أو دينياً موحداً قبل دخول المسلمين، فقد كانت تتوزع فيه أعراف وقوميات ومعتقدات مختلفة. ففي الشمال حيث النوبيون؛ كانت تنتشر المسيحية الأرثوذكسية كعقيدة، واللغة النوبية بلهجاتها المختلفة لغة للسياسة والثقافة والتخاطب. أما في الشرق، فتعيش قبائل البجة، وهي من القبائل الحامية، لها لغة خاصة، وثقافة منفصلة، وعقيدة مغايرة كتلك التي في الشمال. وإذا ما اتجهنا جنوباً نجد القبائل الزنجية بسحناتها المميزة، ولغاتها الخاصة، ومعتقداتها الوثنية. وكذلك الحال في الغرب، وقد أحدث دخول المسلمين السودان انقلاباً هائلاً في هوية هذه المنطقة، غير ملامحها دينياً وثقافياً، حيث أصبح الإسلام هو الدين الغالب لدى معظم شعوب المنطقة. وأصبحت لغة القرآن هي القاسم المشترك بينهم. فتكونت بذلك وحدة بينهم على الصعيد الديني والسياسي والاجتماعي، فبعد اتفاقية البقط بين المسلمين والنوبة عام 652 للهجرة، بدأ المسلمون يتسربون إلى السودان جماعات وأفراداً، حاملين معهم الإسلام واللغة العربية، ساعين وراء المرعى والتجارة واختلطوا بسكان البلاد الأصليين فظهر أثرهم واضحاً في تغيير ملامح المنطقة، وانتقل أهلها من النصرانية أو الوثنية إلى الإسلام، ومن المعتقدات الفاسدة إلى عقيدة التوحيد، ومن العجمة إلى العربية بفضل المسلمين)، ويتبين أن الخلافة هي النظام السياسي الكفيل بأن يحقق لهم الحياة الكريمة والعدل والاستقرار باعتبارهم رعايا للدولة دون أي تمييز أو تفرقة.

 

#أزمة_السودان           #SudanCrisis

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

براءة مناصرة

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع