- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفة مع آية
﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾
القرآن لم ينزل دفعة واحدة، وإنما نزل شيئاً فشيئاً، مع الأحداث والمواقف. لماذا؟ حتى يثبت المؤمنين، ويعلمهم كيف يسيرون خطوة خطوة في طريق الدعوة. الرسول ﷺ لم يستعجل، ولم يطلب النتائج بسرعة، بل تلا القرآن على الناس ﴿عَلَى مُكْثٍ﴾ أي نزل منجماً مع الوقائع والأحداث، ليُبنى به الإنسان المؤمن بناءً متيناً، وينشأ به المجتمع على بصيرة. وهذا النهج في نزول الوحي لم يكن عبثاً، بل لحكمة عظيمة؛ ليثبّت القلوب، ويهدي العقول، ويربي حملة الإسلام على القيادة وحمل الأمانة.
الرسول ﷺ لم يكن يبحث عن نتائج عاجلة، بل سلك طريق البلاغ الواضح والعمل المستمر، والتطبيق الملموس وكان يتلو القرآن على الناس في توقيتٍ دقيق، يعالج قضاياهم، يربطهم بالله، ويرفعهم على الجاهلية، حتى صاروا رجالاً قادوا العالم.
إن هذه الآية تضع بين أيدينا قاعدة عظيمة في التغيير الحقيقي، الذي لا يكون بالصراخ الموسمي، ولا بالهياج العاطفي، ولا بانتظار المعجزات، وإنما يكون بالثبات على الفكرة، والتفاعل الواعي مع الأمة، والصبر على طريق الدعوة، والعمل ضمن مشروع سياسي رباني واضح المعالم.
اليوم، والأمة تتخبط بين نظم الكفر، والحلول الترقيعية، والاستجداء من النظام الدولي، فإن أول ما يجب أن نعود إليه هو القرآن والسنة وما انبثق منهما من إجماع الصحابة والقياس المبني على علة شرعية؛ نعود للقرآن لا كألفاظ تُتلى في المحاريب فقط، أو آيات تتلى عند الموت، بل كمنهج يوجه خطواتنا، وكدستور يحكم حياتنا، وكقاعدة نبني عليها دولتنا.
إن بناء الأمة يكون بإيجاد الشخصية الإسلامية عقلية ونفسية، وتوجيهها نحو العمل الجاد لإقامة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي بها وحدها تُرفع المظالم، ويُطبق شرع الله، ويُعاد العدل، ويُنصر المظلومون في الأرض.
فكما صبر رسول الله ﷺ على حمل الدعوة في مكة، وثبّت أصحابه على الحق، وواجه الكفر والباطل بثقة، حتى مكّنه الله في المدينة، فإن علينا أن نسير على الخطا ذاتها؛ نحمل الإسلام رسالةً ونظاماً للحياة، ونعمل لإقامته في الواقع، مهما طال الطريق أو كثرت التضحيات، فهذا المنهج يعلمنا أن التغيير لا يكون بالعجلة ولا بالارتجال، وإنما بالثبات على الحق، وبالتربية على معاني القرآن، وبالعمل المنظم حتى يهيئ الله النصر.
واليوم نحن أيضاً بحاجة أن نسير على هذا الطريق: نقرأ القرآن بتأمل، ونفهم معانيه، ونحمله للناس بوعي، ونصبر كما صبر الرسول ﷺ، حتى يأتي وعد الله بالاستخلاف والتمكين، ويعود الإسلام ليقود البشرية بدولة الخلافة الراشدة.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ...﴾ فالوعد لا يتحقق بالأماني، بل بالعمل الصادق الذي سار عليه الأنبياء، وبه وحده تعود الأمة إلى موقعها الصحيح؛ قائدة لا تابعة، عزيزة لا ذليلة، عابدة لربها لا لأعدائها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مؤيد الراجحي – ولاية اليمن