السبت، 29 جمادى الثانية 1447هـ| 2025/12/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
صدى الإمبراطورية: القرصنة الأمريكية قبالة سواحل فنزويلا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

صدى الإمبراطورية: القرصنة الأمريكية قبالة سواحل فنزويلا

 

(مترجم)

 

الخبر:

 

في 10 كانون الأول/ديسمبر 2025، احتجزت أمريكا ناقلة النفط سكيبر قبالة سواحل فنزويلا، وصعدت على متنها، وحوّلت شحنتها التي تبلغ نحو 1.8 مليون برميل من النفط الخام الفنزويلي إلى عهدتها بموجب أمر قضائي أمريكي بفرض عقوبات كانت على وشك الانتهاء. وأكد مسؤولون أمريكيون أن هذا الإجراء يهدف إلى معاقبة انتهاكات العقوبات المفروضة منذ فترة طويلة والمرتبطة بشحنات نفطية غير مشروعة مزعومة. وأدانت الحكومتان الفنزويلية والكوبية هذه الخطوة ووصفتاها بأنها سرقة سافرة وقرصنة، ووصفتها كوبا بأنها إرهاب بحري يؤثر على إمداداتها من الطاقة. وقد تسبب هذا التعطيل في بقاء أكثر من 11 مليون برميل من النفط الفنزويلي عالقة في البحر، حيث تعيد ناقلات النفط والتجار تقييم مخاطر نقل النفط الخام الفنزويلي، ما يفرض تخفيضات أكبر وإعادة التفاوض على العقود مع مشترين رئيسيين مثل الصين.

 

التعليق:

 

إن احتجاز أمريكا لناقلة النفط سكيبر - والذي شمل سيطرة خفر السواحل والقوات العسكرية الأمريكية على شحنة نفط فنزويلية في المياه الدولية - ليس إجراءً لإنفاذ القانون، بل هو انعكاس لتأكيد محسوب للسلطة الأحادية على شريان الحياة الاقتصادية لدولة ذات سيادة، مبرر ظاهرياً بالعقوبات، ولكنه في الواقع آلية للضغط الجيوسياسي. تاريخياً، اتسمت العلاقات بين واشنطن وكاراكاس بفترات من التعاون والهيمنة مدفوعة بمصالح النفط. فمنذ مطلع القرن العشرين، أثرت مصالح أمريكا في النفط الفنزويلي على السياسة، بدءاً من دعم هيمنة شركات النفط الأمريكية وصولاً إلى الاستجابة لعمليات التأميم والأزمات في قطاع النفط الفنزويلي. وتُظهر وثائق السياسة الأمريكية أن ضمان الوصول إلى إمدادات النفط كان هدفاً استراتيجياً أساسياً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه فنزويلا.

 

ويأتي احتجاز سكيبر عام 2025 في أعقاب سنوات من الضغوط المتصاعدة، والتي تشمل عقوبات شاملة فُرضت منذ عام 2019 على شركة النفط الحكومية الفنزويلية "PDVSA" وشركائها التجاريين. أدت هذه العقوبات باستمرار إلى تقييد قدرة كاراكاس على المشاركة في أسواق النفط العالمية، حتى مع منح استثناءات غير رسمية للحفاظ على تدفقات محدودة. وقد أدى التأثير التراكمي للعقوبات بالفعل إلى تآكل قدرة فنزويلا على إنتاج النفط وقاعدة إيراداتها؛ وزادت عملية احتجاز ناقلة النفط سكيبر من هذا الضرر من خلال تعطيل الصادرات وتجميد حركة ناقلات النفط تماماً. وردّ التجار بتعليق الشحنات والمطالبة بخصومات كبيرة، ما أدى فعلياً إلى معاقبة وجود فنزويلا في أسواق النفط الخام الدولية.

 

وبينما تُصوّر إدارة ترامب هذه الإجراءات على أنها تستهدف الشبكات غير المشروعة أو أنها جزء من استراتيجية مكافحة المخدرات، فإن النمط الأوسع للاستعراض العسكري ومصادرة الموارد يُبرز أن الهدف يتجاوز بكثير عزل الجهات الإجرامية. ففي الأشهر الأخيرة، عززت الولايات المتحدة بشكل كبير وجودها العسكري في جنوب البحر الكاريبي ونفذت ضربات على سفن تزعم أنها مرتبطة بتجارة المخدرات وهي إجراءات أثارت مخاوف حتى بين فقهاء القانون بشأن طبيعتها خارج نطاق القضاء وانتهاكها المحتمل للمعايير الدولية. وتتزامن هذه العمليات مع مناقشات أوسع نطاقاً داخل دوائر السياسة الأمريكية حول الإطاحة بحكومة مادورو أو على الأقل إضعاف قبضتها على السلطة. تسيطر كاراكاس على واحدة من أكبر احتياطيات النفط الخام المؤكدة في العالم، ويُهدد تحالفها السياسي - لا سيما شراكتها مع دول مثل الصين وروسيا وكوبا - نفوذ واشنطن فيما تعتبره فناءها الخلفي. ولذا، فإن القرصنة والقتل الأمريكي في منطقة الكاريبي يُؤديان إلى تردد مُتعمد من جانب شركات ناقلات النفط الدولية في تحميل النفط الخام الفنزويلي، خوفاً من المزيد من عمليات المصادرة، ما يجعل القوة البحرية الأمريكية فوق الحقوق التجارية للدول المنتجة ذات السيادة، بهدف إعادة تشكيل أنماط التجارة لصالح واشنطن.

 

تكشف هذه التطورات مجتمعةً أن الدافع الكامن وراء احتجاز ناقلة النفط سكيبر والإجراءات المرتبطة بها لا يقتصر على فرض العقوبات فحسب، بل هو جزء من حملة استراتيجية تهدف إلى انتزاع تنازلات اقتصادية وسياسية من خلال فرض سيطرة مباشرة على صادرات النفط الفنزويلية، وبالتالي إضعاف استقلالية حكومة مادورو. في الواقع، تستخدم واشنطن الحرمان الاقتصادي والضغط العسكري كأدوات للتأثير، وهو ما يُذكّر بالتدخلات التاريخية التي استغلت فيها القوى المهيمنة اعتماد الدول الأضعف على مواردها لتشكيل سياساتها الداخلية.

 

عملياً، يعني هذا أن الشعب الفنزويلي - الذي ترتبط سبل عيشه وبنيته التحتية الوطنية ارتباطاً وثيقاً بعائدات النفط - يتحمل تبعات صراعٍ تُصبح فيه ثروة بلاده الطبيعية ورقة مساومة في مناورات جيوسياسية. فبدلاً من حماية السيادة أو القانون الدولي، يُعزز احتجاز سكيبر نظاماً عالمياً تُعيد فيه الدول المهيمنة تفسير الأطر القانونية من جانب واحد لتبرير إجراءات تخدم مصالحها الاستراتيجية، بينما تُقوّض في الوقت نفسه الحقوق السيادية للآخرين. إنّ هذا النهج الأحادي يُزعزع استقرار الأسواق الإقليمية، ويُفاقم المصاعب الاقتصادية، ويُقوّض المعايير التي ينبغي أن تُنظّم التعايش السلمي بين الدول، لكن المعيار الوحيد الذي تُقدّره أمريكا هو ترسيخ مصالحها على حساب أي مصلحة أخرى.

 

ما نشهده من قرصنة أمريكية في منطقة الكاريبي ليس إلا امتداداً آخر لسيطرتها الدموية على شعوب العالم التي تعتبرها مزرعتها الخاصة التي تستغلها كيفما تشاء مهما كانت التكاليف البشرية.

 

﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. عبد الله روبين

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع