- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
الأقصى قضية شرعية وليست إرثا إنسانيا
الخبر:
نقلت بوابة الأهرام الثلاثاء 16/9/2025م، تأكيد الدكتور نظير عياد، مفتي مصر ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، خلال كلمته في الدورة الاستثنائية لتحالف الأمم المتحدة للحضارات في أستانة، أن المواقع الدينية جزء أصيل من التراث الإنساني يجب الحفاظ عليه للأجيال المقبلة، مشيراً إلى أن الحروب والجهل والتطرف أبرز ما يهدده، وانتقد المفتي انتهاكات يهود في القدس وغزة والضفة واعتبرها مخالفة صارخة للقانون الدولي والاتفاقيات الأممية، متسائلاً عن غياب دور المؤسسات الدولية. وأوضح أن حماية المواقع الدينية تتطلب تعزيز الحوار بين الأديان وترسيخ قيم السلام والتسامح والتصدي للتطرف مع تفعيل القوانين الدولية وإشراك المؤسسات الدينية والمجتمعات، وأشار إلى أن التجربة المصرية بقيادة السيسي قدّمت نموذجاً ملهماً في حماية التراث وصون المواقع الدينية عبر مبادرات الترميم الوطنية والمشاركة في الجهود الدولية. وختم بالتأكيد على أن هذا الاجتماع منصة لتعزيز التعاون العالمي من أجل حماية المقدسات، باعتبارها مسؤولية دينية وإنسانية مشتركة.
التعليق:
عند النظر إلى كلمات المفتي بظاهرها، يخيّل للمرء أنّها دعوة كريمة لحماية المقدسات، لكن الحقيقة أنّها منسجمة تماماً مع الحضارة الغربية ومنفصلة انفصالاً تاماً عن الإسلام وما أوجبه على المسلمين في قضاياهم المصيرية. فهي تنطلق من منظومة القيم الغربية التي أسستها الأمم المتحدة، ومن مرجعية القانون الدولي وحقوق الإنسان، متجاهلةً أن للمسلمين مرجعيةً شرعيةً مستقلةً كاملة، هي الوحي من قرآن وسنة، وما أرشدا إليه.
لا ينطلق المسلمون في معالجة قضاياهم من مقررات الأمم المتحدة ولا من القانون الدولي، لأنهما من صنع الغرب الاستعماري الذي صاغها لتكريس هيمنته على العالم. أما نحن فإننا محكومون بقوله تعالى: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾. قال الشافعي رحمه الله: "لا يحل الحكم إلا بكتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع الأمة". فهذا أصل قاطع في أن الاحتكام يجب أن يكون للشرع وحده، لا لمواثيق الأمم ولا لقوانين الغرب.
حين يركّز الخطاب الرسمي على أن انتهاكات كيان يهود للمسجد الأقصى وللمقدسات الإسلامية هي خرق للقانون الدولي أو انتهاك لحقوق الإنسان، فإن هذا الطرح يحرف القضية عن مسارها الشرعي. فقضية فلسطين ليست قضية حقوق إنسان ولا نزاعاً بين حضارات، بل هي قضية أرض إسلامية محتلة يجب تحريرها بالجهاد، قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾. وقد أجمع العلماء على وجوب دفع المحتل. قال ابن قدامة: "إذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين صار الجهاد فرض عين على أهل ذلك البلد وعلى من قَرُبَ منهم". وهذا الحكم الشرعي يقطع الطريق على كل التفاف يراد به تحييد الأمة عن واجبها، سواء بتسويق لغة "التعايش" أو باستدعاء المؤسسات الدولية.
إن حديث المفتي عن "القيم الإنسانية الخالدة" و"الإرث المشترك للبشرية" يعكس انغماسه في الثقافة الغربية التي تُقدّس الإرادة الإنسانية وتعتبرها مصدراً للقيم. بينما عقيدة الإسلام تقرر أن مصدر القيم هو الوحي وحده، وأن التشريع هو لله تعالى لا للبشر: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، ولذا فإن أي خطاب يجعل "السلام العالمي" أو "القانون الدولي" هو المظلة التي يجب الاحتكام إليها، فإنه يتعارض مع أصل العقيدة.
إن المسجد الأقصى وسائر المقدسات الإسلامية ليست مواقع دينية إنسانية بل هي مساجد لله تعالى، لها حكم شرعي يوجب حمايتها بالجهاد لا بالمناشدات الأممية. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾. ووصايا الخلفاء الراشدين في الحروب، وعلى رأسها وصية أبي بكر رضي الله عنه، أكّدت النهي عن هدم الكنائس ودور العبادة، لكن ذلك لم يكن تأسيساً على حقوق الإنسان، بل على حكم شرعي في التعامل مع غير المسلمين. أما إذا اعتدى عدو محتل ككيان يهود، فإن الواجب الشرعي هو حمل السلاح وردعه لا الشكوى لمجلس الأمن!
إن أخطر ما في هذا الخطاب هو تضليل الأمة عن قضيتها المصيرية. فبدل أن يوجّه الخطاب إلى جيوش المسلمين بوجوب تحركها لتحرير فلسطين، فإنه يغير عقيدتها القتالية وقضيتها المصيرية وإغراق الناس في لغة القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة. وهكذا تُحرف البوصلة عن الواجب الشرعي الذي فرضه الله على الأمة.
إن الأمة الإسلامية مأمورة بأن تتحرك على أساس الشرع، وأن تعمل لإقامة دولة الخلافة التي توحّد طاقاتها وتحرر مقدساتها. أما انتظار حلول من مجلس الأمن أو مبادرات التعايش والسلام فليست إلا وهماً وتمييعاً لقضية الأمة الأولى والمصيرية.
قال النووي: "إذا دخل الكفار بلدة للمسلمين تعيّن على كل مكلفٍ من أهلها قتالهم، وعلى من قَرُب إعانتهم"، وقال الماوردي: "الجهاد فرضٌ على الكفاية إلا عند نزول العدو ببلد، فيكون فرض عين" ما يؤكد أن الحديث عن "الجهل والتطرف" كخطر على التراث، دون ذكر الاحتلال الذي يدنّس المسجد الأقصى، هو قلبٌ للحقائق وإخفاءٌ للواجب الشرعي، فالموقف الشرعي هو أن قضية فلسطين قضية إسلامية بحتة، وحكمها هو الجهاد لتحريرها من يهود. ولا يصح بحال من الأحوال أن نربطها بالقانون الدولي أو بمواثيق الأمم المتحدة، لأنها أدوات استعمارية لم تجلب للأمة إلا الويلات. قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾. وهذا هو الطريق الشرعي لتحرير فلسطين وحماية المقدسات: قتال المحتلين حتى يزول سلطانهم، لا التوسل لمؤسساتهم الاستعمارية.
إن الأمة اليوم بحاجة إلى علماء صادقين يذكّرونها بواجبها الشرعي، لا إلى أصوات تزيّن لها القانون الدولي وتسوّغ لها الخضوع للمنظومة الغربية. وإن الأمل معقود على المخلصين من أبنائها، وخاصة في جيوشها، أن يتحركوا لنصرة دينهم وتحرير أرضهم، امتثالاً لقول رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ».
إن واجب علماء المسلمين، هو حث الأمة وجيوشها على تحرير فلسطين وإزالة كل ما يحول بين الجيوش وبين هذا الواجب من أنظمة الخيانة والعار التي تحمي كيان يهود وتضمن بقاءه حتى صارت قبته الحديدية الحقيقية.
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر