الإثنين، 21 ذو القعدة 1446هـ| 2025/05/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الانهيار الأمريكي العظيم ومقالة توماس فريدمان

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الانهيار الأمريكي العظيم ومقالة توماس فريدمان

 

 

الخبر:

 

حذر الكاتب الأمريكي البارز توماس فريدمان في مقاله الأسبوعي بصحيفة نيويورك تايمز، من أن ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية لن تصيب نجاحا في السنوات الأربع المقبلة. (الجزيرة)

 

التعليق:

 

تضمنت مقالة توماس فريدمان عدة نقاط مهمة ينبغي الوقوف عليها، ونذكر أبرزها:

 

1- سياسات ترامب تفتقر إلى التماسك، بل إنها مدفوعة بمظالم شخصية، وسعي للانتقام، وعقلية الولاء السائدة بين أفراد إدارته.

 

2- ترامب لم تكن لديه رؤية متماسكة لمجريات الأمور في عالم اليوم، وكيفية توافق أمريكا معها على أفضل وجه حتى يتحقق الازدهار المنشود في القرن الحالي.

 

3- عاد ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض حاملا في جعبته هواجسه وغبنه القديم نفسيهما إزاء تلك القضايا، وعزز إدارته بعدد غير عادي من الأيديولوجيين الهامشيين الذين استوفوا معيارا أساسيا واحدا وهو الولاء الدائم له ولأهوائه قبل الدستور والقيم التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية أو القوانين الأساسية للاقتصاد.

 

4- مزيج غريب من رسوم جمركية تُفرض ثم تنقض لتفرض مرة أخرى، ومساعدات تُقدم لأوكرانيا ثم توقف وتستأنف من جديد، وإدارات حكومية وبرامج داخلية وخارجية تقلص ثم يرجع في ذلك ثم تقلص عبر مراسم متضاربة ينفذها الجميع وزراء وموظفون في الحكومة يجمعهم الخوف.

 

5- السياسة الجمركية على الأعداء والحلفاء وكان الأصل به أن يقوم بزيادة الرسوم الجمركية المستهدفة على بكين، بالتنسيق مع حلفاء أمريكا الذين يتعين عليهم فعل الشيء نفسه، معتبرا هذه هي الطريقة التي تجعل الصينيين يتحركون.

 

هذه أبرز النقاط التي ذكرها توماس فريدمان في مقاله، من أن ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية لن تصيب نجاحا في السنوات الأربع المقبلة، وللعلم هي نقاط ذات نظرة عميقة ودقيقة جدا فهو يؤكد مثلا على افتقاد ترامب لاستراتيجية متماسكة بل مدفوعا برغبته بالانتقام، وهي معتمدة على وثيقة ضخمة وتفصيلية "مشروع 2025" وصدرت عن مؤسسة هيريتاج الأمريكية اليمينية بمشاركة حشد كبير من المفكرين وأصحاب الرأي من 100 منظمة يمينية أمريكية، وهذه النظرة تعتبر العدو الداخلي هو التهديد الأكبر حالياَ لأمريكا، وهذه لن تلغي الانقسام الحاد في أمريكا بل ستجعل العرق الأبيض يسيطر على الأمور بشكل تام ولو اقتضى الأمر سفك الدم حيث قال اليميني كيفن روبرتس، رئيس مؤسسة هيريتاج: "إننا على وشك تجربة الثورة الأمريكية الثانية، والتي ستبقى غير دموية إذا سمح اليسار وبدأ الطرف المقابل بالتململ" فهي استراتيجية قائمة على الأحقاد وسيطرة عنصر على آخر ولو اقتضى الأمر حمل السلاح، هذه نظرتهم لبعضهم بعضا فكيف تكون نظرتهم لغيرهم؟ والعالم كله يراقب هذا.

 

أما مسألة الرسوم التجارية فترامب يفرض الرسوم الجمركية على مختلف دول العالم، ويهاجم الدول الصناعية والتجارية بأنها تسرق بلاده عبر خلل الميزان التجاري لصالح تلك الدول، ويطالب هذه الدول بمعادلة ميزانها التجاري مع أمريكا ولا يفرق بين عدو وحليف وبين ند وتابع. ويرى توماس أن النظرة الأدق هي أن تقوم الولايات المتحدة مع حلفائها بتبني سياسة موحدة تجاه الصين وليس سياسة استعداء الجميع وجعلهم جميعا عدواً له. وفعلاً إن الأمور جعلت من الحلفاء يقفون ضد توجهات ترامب وسياساته وهذا الأمر جعل أعداء أمريكا كثراً، فكيف تقود العالم خاصة ما يسمى العالم الحر حيث صرحت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في منشور على منصة إكس: "اليوم، أصبح من الواضح أن العالم الحر يحتاج إلى قائد جديد، والأمر متروك لنا، نحن الأوروبيين، لقبول هذا التحدي".

 

وذكر توماس فريدمان في مقال له "إن أفعال ترامب وماسك تعادل إلقاء قنبلة في قلب جهاز الأمن القومي، وفي نهاية المطاف ستنفجر هذه القنبلة ولن يكون هناك ملاذ آمن يمكن للولايات المتحدة الاحتماء فيه".

 

فضلاً عن اعتماد ترامب على شخصيات يمينية شرطه الأول لهم الولاء التام له والتوافق التام مع آرائه وتصريحاته وليس ولاء لكيان سياسي فضلاً أن يكون الولاء للمبدأ الذي تخلت عنه إدارة ترامب وجعلت من الاستعمار غاية بحد ذاته وانقلبت على كل السياسيات الأمريكية التقليدية.

 

وختاما: يذكر المؤرخون أن أسباب انهيار الإمبراطوريات يعود لجملة من العوامل سواء الاقتصادية أو النزاعات والانقسامات الداخلية وغياب الخطة السياسية المحكمة والضعف العسكري ووجود قوى كبرى مناوئة له فضلاً عن وجود رجال في الحكم والإدارة لا يتمتعون بعقلية رجل الحكم، وهذه الأمور كلها اليوم مجتمعة في الولايات المتحدة ولعل أخطرها هو غياب العامل المبدئي وتمتع رجل السلطة بعقلية الحكم فكيف بعوامل أخرى وهي تستعدي العالم كله وفتح اليمين الأمريكي المعركة على مصراعيها مع التيار الليبرالي واليسار في أمريكا ذاتها.

 

إن تراكم هذه العوامل يؤدي إلى الضعف والتراجع عالمياً وتكالب الدول ضدها وعدم قدرتها على الإمساك بزمام الأمور ما يؤدي إلى الانهيار الذي إما أن يكون سريعاً وعاصفاً وإما هادئاً وبطيئاً. وهذا ما حدث لبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وروما وبلاد فارس... ثم الولايات المتحدة التي ركبت سكة السقوط.

 

وقد قيل "في حلبة مصارعة الثيران لا يستطيع المصارع ضعيف البنية الانتصار على الثور الضخم الهائج في بداية الجولة، وإن وقف أمامه فهو مقتول لا محالة، ولكن النزيف المستمر بسبب السهام الصغيرة يجعل هذا الثور بقرونه الطويلة يخر راكعا في النهاية ثم يموت".

 

ولعل البعض يظن أن هذه الأمور تخيلات واهم أو أحلام راغب بما تريده النفس ولكننا نقول لهم:

 

أولاً: هذه قراءة لواقع وأسباب ومسببات وعوامل انهيار وهي محايدة وجدت في أغلب الإمبراطوريات التي اندثرت.

 

ثانيا: هذه شهادة شاهد من أهلها يعتبر من المفكرين الكبار عند القوم - وليس وحده للعلم - وليس شهادة خصم أو عدو.

 

ثالثا: لقد آن للولايات المتحدة أن تسقط، بل لقد تأخر سقوطها لعدم وجود بديل حضاري، أو دولة ذات إرادة سياسية حقيقية، فقد نخرها السوس واعتلى أمرها من هو وصمة عار عليها امتطى على غير هدى فتاهت.

 

﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حسن حمدان

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع