الأحد، 13 ربيع الثاني 1447هـ| 2025/10/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

المكتب الإعــلامي
ولاية مصر

التاريخ الهجري    12 من ربيع الثاني 1447هـ رقم الإصدار: 1447 / 16
التاريخ الميلادي     السبت, 04 تشرين الأول/أكتوبر 2025 م

 

بيان صحفي

 

مصر بين سلاح العطش والفيضان!

ثمن عقود من الإهمال والتفريط

 

أزمة الفيضانات التي اجتاحت بعض قرى مصر، وأغرقت منازل عشرات الأسر، ليست إلا وجهاً من وجوه أزمة أعمق وأخطر، تتمثل في تفريط النظام في حقوق مصر المائية، وإهماله المزمن في رعاية شؤون الناس، وإدارة موارد البلاد بما يحفظ أمنها ومصالح أهلها. هذه الأزمة ليست وليدة لحظة، بل هي نتيجة تراكمات متتالية لسياسات فاشلة، أفرغت الدولة من أدوات الدفاع المائي، وفتحت الباب أمام إثيوبيا لتتحكم في شريان الحياة لمصر والسودان من خلال سد النهضة.

 

لقد مكّنت السياسات المصرية المتخاذلة إثيوبيا من امتلاك سلاح استراتيجي غير مسبوق في تاريخ المنطقة، يتمثل في التحكم في مياه النيل الأزرق الذي يمد مصر بأكثر من 80٪ من احتياجاتها المائية. فمنذ اللحظة الأولى للإعلان عن سد النهضة، تبنّت مصر نهجاً تفاوضياً هشّاً، قائماً على الاعتراف بالأمر الواقع، والركون إلى الوعود الدولية، بدلاً من اتخاذ مواقف حازمة تحفظ حقوقها وتحمي مصر وأهلها.

 

وبعد أن أنجزت إثيوبيا مراحل ملء السد الواحدة تلو الأخرى دون اتفاق ملزم، باتت تتحكم في تدفق المياه نحو مصر والسودان؛ تفتح وتغلق بواباته وفق مصالحها، أو كما يشير بعض المسؤولين الإثيوبيين، "وفق ما تراه أديس أبابا مناسباً"، أو وفق ما تمليه أمريكا. وبذلك تحوّل السد إلى سلاح ضغط سياسي واقتصادي وأمني يمكن توجيهه إلى مصر متى أرادت إثيوبيا وسادتها ذلك.

 

هذا السلاح يمكن استخدامه في الاتجاهين معاً؛ الأول العطش، حين تُغلق إثيوبيا السد أو تُقلل الإطلاقات المائية، وهو ما يُهدد مصر بعجز مائي فادح، يضرب الزراعة والصناعة ومياه الشرب. والآخر الفيضان، حين تُطلق كميات ضخمة من المياه في وقت قصير كما يحدث مؤخراً، فتغرق القرى وتنهار البيوت، ويتهدد السد العالي بخطر جسيم. فالتحكم في مياه النيل لم يعد بيد مصر، بل أصبح رهينة لإرادة خارجية، بسبب تفريط النظام في أوراق القوة، وتنازله طوعاً عن حقوق مصر المائية.

 

ما يجعل آثار الفيضانات الحالية أكثر فداحة هو أن مصر دمرت بنيتها التحتية المائية التي كانت قادرة على امتصاص أي فيضان محتمل. فقد كانت الترع والروافد والمصارف المائية تشكل شبكة طبيعية وهندسية متكاملة لتصريف الفائض المائي وتوزيعه، بما يحمي الأراضي الزراعية والقرى من الغرق. إلا أن هذه الشبكات تعرّضت على مدار العقود الماضية للإهمال الشديد، والردم المتعمد في كثير من الأحيان.

 

كما تشير تقارير رسمية إلى أنه تم تسجيل عشرات الآلاف من حالات التعدي وردم المجاري خلال العقدين الماضيين، فقد تم رصد أكثر من 18 ألف حالة اعتداء على النيل عام 2025 وحده، بالإضافة إلى أكثر من 20 ألف مبنى غير قانوني منذ عام 2021، شُيّدت داخل حرم النيل وعلى أراضي "طرح النهر". هذه الاعتداءات لم تحدث في الخفاء، بل كانت أمام أعين أجهزة الدولة، التي ترددت في إزالتها أو سمحت بها ضمنياً عبر الفساد أو المحاباة أو العجز الإداري.

 

بدلاً من أن توسّع الدولة مجاري النهر وتعيد فتح الروافد القديمة لاستيعاب الفيضانات والاستفادة منها في استصلاح أراضٍ جديدة، اختارت الطريق المعاكس: ردمت الترع والمصارف، وسمحت للبعض باستخدام مجرى النيل في الزراعة والبناء، ما قلل من قدرة النظام المائي على استيعاب أي فيضان مفاجئ.

 

لقد تحولت الأراضي التي كانت مخصصة لتصريف المياه إلى أحياء سكنية عشوائية أو أراضٍ زراعية غير مرخصة، ما جعلها في مرمى الخطر كلما ارتفع منسوب النيل. ومع غياب خطط إنذار مبكر فعّالة، وجد كثير من الأهالي أنفسهم أمام مياه ترتفع بسرعة، ومنازل تنهار، دون حماية حقيقية من الدولة.

 

هذا الإهمال ليس معزولاً عن تفريط أوسع في الزراعة المصرية؛ فبدل تطوير نظم الري، وصيانة شبكات الصرف، وتوسيع الرقعة الزراعية بما يحافظ على الأمن الغذائي، انشغلت الدولة بمشروعات شكلية لا علاقة لها بإحياء الأرض، بل على العكس، سمحت بتجريف الأراضي الخصبة لصالح مشروعات استثمارية أو سكنية، ففقدت مصر ملايين الأفدنة الزراعية خلال العقود الأخيرة، وتقلصت قدرتها على مواجهة أي نقص مائي.

 

إن المياه من أعظم مقومات الحياة التي أوجب الإسلام على الدولة حفظها وحسن إدارتها، فواجب الدولة استخدام كل طاقاتها وإمكاناتها للحفاظ على مصادر المياه وحماية الناس من المخاطر، سواء أكانت فيضانات أو جفافاً. والتفريط في هذا ليس مجرد خطأ إداري، بل خيانة للأمانة التي حمّلها الله للحاكم، وعقوبته في الدنيا والآخرة عظيمة.

 

كما أن الإسلام لا يقرّ التبعية أو الخضوع للضغوط الأجنبية، بل يوجب اتخاذ المواقف السياسية والعسكرية الحاسمة لصون مقدرات الأمة، وعدم السماح لأي دولة أن تمتلك زمام شريان الحياة للمسلمين. إن ترك سد النهضة يتمدد حتى أصبح "صنبور حياة" بأيدي إثيوبيا هو تفريط سياسي خطير يناقض واجب الحاكم في حماية مصالح الأمة.

 

والنتيجة أن مصر أصبحت مكشوفة أمام سلاح مائي خارجي، واليوم تقف مصر أمام معادلة قاسية:

 

  • بنية تحتية مائية متهالكة بفعل عقود من الإهمال والفساد.
  • مجرى النيل تم تضييقه وردمت روافده.
  • قرى وأحياء بُنيت داخل حرم النهر دون ردع.
  • دولة فقدت أوراق قوتها في ملف المياه وسلّمتها لإثيوبيا.

 

إن استمرار هذا الوضع لا يعني سوى مزيد من الفيضانات في مواسم الإطلاقات، ومزيد من العطش في مواسم الحجز، ومزيد من التبعية لإرادة خارجية تتحكم في النهر الذي أنعم الله به على أهل مصر.

 

إن الحل الحقيقي لا يكون عبر مفاوضات شكلية، أو انتظار المنح الدولية ووعود البنك الدولي، بل عبر تحمّل الدولة مسؤولياتها الشرعية كاملة، بإعادة بناء منظومتها المائية على أسس صحيحة، وتحرير قرارها السياسي من التبعية، واستعمال ما تملكه من وسائل القوة لحماية حقوق الأمة المائية، والقضاء على الفساد الإداري، وإعادة فتح الترع والمصارف، ومنع البناء على حرم النيل نهائياً، وتنظيم إدارة المياه بما يتوافق مع مصلحة كل الناس وليس مصلحة فئة محدودة، وهو ما لن يقوم به نظام يطبق الرأسمالية الفاسدة، بل يحتاج إلى دولة ترعى الناس حقا بالإسلام.

 

إن الإسلام يوجب أن تكون الدولة حارسة لمصالح الأمة، لا عالة على الخارج، وأن تُعيد بناء مشاريعها على قاعدة "السيادة للشرع والسلطان للأمة"، لا على إملاءات الدول المانحة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بنظام يحكم بالإسلام حكماً حقيقياً، يُعيد ربط السياسة بالمبدأ، ويجعل من رعاية شؤون الناس غايته الأساسية، لا مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي.

 

اللهم أعد لنا دولة الإسلام وسلطانه وشرعه لنستظل بظلها من جديد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة.

 

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير

في ولاية مصر

 

المكتب الإعلامي لحزب التحرير
ولاية مصر
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة
تلفون: 
www.hizb.net
E-Mail: info@hizb.net

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع