الجمعة، 28 جمادى الثانية 1447هـ| 2025/12/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

هل عجزت اللغة العربية عن احترام المرأة!!

  • نشر في ثقافي
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1612 مرات

 

يقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾. جاء في التفسير: أنزلناه باللسان العربي الفصيح الكامل الشامل، ليكون بينا واضحا ظاهرا، قاطعا للعذر، مقيما للحجة، دليلا إلى المحجة.


هذه هي اللغة العربية من أكثر لغات العالم تأثيرا وتوسعا وانتشارا، ولكنها كذلك من أكثر اللغات تعرضًا للهجوم ومحاولات الإبعاد والتغييب عن الأذهان والعقول لأنها لغة الإسلام ولغة القرآن، لغة الاجتهاد ولغة الدولة الإسلامية، وبفهمها الصحيح ومزجها بالطاقة الإسلامية يُفهم الإسلام وأحكامه وتشريعاته بدون تحريف ولا تأويل ولا تلاعب، وهذا ما لا يريده أعداء الإسلام وأعوانهم لأنه إن فهم الإسلام جيدا استقام الفكر وصلحت الأعمال وسعى المسلمون إلى تحكيم شرعه بإقامة دولة الإسلام. فبعد سقوط دولة الإسلام تم هجر اللغة العربية وتم فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية، مما سبب الضعف الشديد في فهم الإسلام وأحكامه، لذلك كان لا بد من مزج الطاقتين معا ليصبحا واحدا وتكون لتلك اللغة القادرة على التأثير والتوسع والانتشار.. هذه الصفات المفقودة في اللغات الأخرى.. هذا التأثير الذي يجسد الواقع أو الحادث كأنما تراه حقيقة، فمثلا هناك سبعون اسما للأسد وهي ليست ألفاظا مترادفة بل تصوره في كل حالة هو فيها وكأنك ترى حركته في كل كلمة، وكذلك السيف وغير ذلك من ألفاظ ومفردات وأسماء.. وفي القرآن الكريم حين يصف جلّ وعلا نعيم الجنة وما فيها من خيرات، فكأنما ينقل السامع إلى تلك الجنة فيعيش في ظلالها.. وحين يصف عذاب جهنم، تقشعرّ جلود السامعين وكأنهم يحسون لهيبها.. وكذلك في كثرة الأفعال لتقريب الفهم وتجسيد الأمر. من مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾. نلاحظ هنا أن المُراد تقريب المفاهيم للذهن بالتشبيه لتجسيد الواقع في ذهن السامع ليثير فيه من الأحاسيس ما يدفعه للتفكير.


أما التوسع؛ ففيها التصريف والإعراب، والتشبيه والمجاز والحقيقة، والتعريب والنحت والاشتقاق وما إلى ذلك مما يجعلها بحرا زاخرا يتسع ويواكب ما يستجدّ من ألفاظ ومفردات ومعاني أشياء ووقائع وأحداث ومعالجات دائمة التجدد. وأما الانتشار؛ فإنها لاقترانها بالإسلام وكونها لغة القرآن ولا يُقرأ إلا بها، من البديهي أن تنتشر في كل قطر يصل إليه الإسلام.


ومن قوتها أنه لا يقدر أحد من التَّراجم على أن ينقل القرآن الكريم إلى لغة أخرى بنفس الألفاظ بقوتها ومعناها وتأثيرها، كما نُقِل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية وترجمت التوراة والزَّبور وسائر كتب اللّه عزّ وجلّ إلى العربية.. فمثلا سورة الفاتحة القصيرة تحتاج سبعين كلمة لترجمتها.. ولو جاءت الشريعة الإسلامية بغير اللغة العربية لاحتاجت إلى آلاف المجلدات لتعبر عن أحكامها جميعا بالتفصيل الذي وسعته العربية بقدرتها على البيان.


ورغم كل هذا نجد من يقول أن اللغة العربية غير متطورة وعاجزة عن إيجاد ألفاظ "تحترم المرأة"، أو أن المرأة مظلومة في اللغة العربية.. وقد انتشرت في مواقع الحوار بالإنترنت (حتى لو كانت على سبيل المزاح) مقالة مختصرة تصف اللغة العربية بظلم المرأة، وتستدل على ذلك بأن الرجل يوصف بأنه حي، ومصيب، ونائب، وقاضٍ، وهاوٍ، بينما مقابل هذه الصفات للمرأة هو أنها: حية، ونائبة، ومصيبة، وقاضية، وهاوية، وكل هذه الصفات منكرة، مذمومة مما يعد ظلماً، وتمييزاً ضد المرأة.


وهذه ليست جديدة، حيث كانت في مقال في مجلة الدوحة القطرية بذات الأمثلة والاستشهاد، ويبدو أنها صدى لمقالات حركة النسوية النوعية التي نظمتها البلاد الناطقة بالإنجليزية، وطالبت بأن تغير كلمة history، وتعني التاريخ إلى كلمة herstory، وتعني قصتها (her- story)؛ لأن الحركة ترى أن أصل الكلمة ينحاز للرجل، ويجعل التاريخ كله (قصته his - story)، بل ذهبت الحركة إلى أبعد من ذلك حينما قامت بطبع نسخة معدلة من الإنجيل تراعي مفهوم الجندر؛ فغيروا كلمة Man إلى Person، وSon إلى Child، وغير ذلك.. وكلمة (mankind) إلى (human-kind) وكذلك في الانجليزية تسمى الأنثى spindster (عانس)، على أساس أنها رهينة الخدمة والغزل والنسيج، بينما يطلق على الذكر الذي لم يتزوج بلفظ مخفف يحمل مسحة محببة bachelor (أعزب).


إن موضوع "الجنوسيّة" هذا مستحدث في الدراسات العربية، وكان د. عبد الله الغذامي قد سبق في تناول هذا الموضوع في صحيفة الحياة اللندنية، ولعله أفاد من دراسات "النسويات" Feminism - ككتاب (Dale Spender) الصادر سنة 1991 وهو تحت عنوان Man Made Language"" وقد قدمت فيه الكاتبة صرخة احتجاج بسبب تحيز اللغة الإنجليزية للذَّكر، هذا التحيز الذي ينتقل تدريجيًا إلى الحياة التطبيقية وترجمته دار الطليعة تحت عنوان "المرأة المدجنة". وقد تطوعت بعض المستَعبدات للغرب والمضبوعات بثقافته بترجمة هذه الأفكار إلى الواقع العربي مثل الكاتبة الأردنية زليخة أبو ريشة التي حاولت في كتابها "اللغة الغائبة: نحو لغة غير جنسوية" عام 1996، أن تقدم تحليلاً للغة الجنسوية Sexism، وهي ترى أن كتابها هذا هو الأول من نوعه في المكتبة العربية من حيث الدعوة إلى المساواة بين الجنسين على الصعيد اللغوي التطبيقي.. واستكملت بعد ذلك عام 2009 ما بدأته بكتابها الجديد الصادر عن دار نينوى السورية بعنوان "أنثى اللغة: أوراق في الخطاب والجنس"، والذي تبحث فيه في المنطقة المعتمة من اللغة، التي فيها يحدث التعاقد الخفي على شحن اللغة المستخدمة بشحنة مضادة لكل ما هو أنثويّ، لصالح سيطرة وهيمنة ذكوريتين بامتياز.


ولو عدنا للغة العربية والقرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، فلا نجد أي فرق بين المرأة والرجل عند الله إلا بالتقوى والعمل الصالح، قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾..وقال عز وجل: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون﴾.. وقال سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.. وقال سبحانه: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾..


فالمرأة مكلفة مثل الرجل تماما، ومن هذا ما يظهر في قوة اللغة العربية لغة القرآن الكريم من أن كلمة إنسان تطلق على الذكر والأنثى سواء بسواء، فلا يقال في اللغة العربية إنسانة وإنما إنسان فقط، ومثل ذلك كلمة زوج فالرجل زوج المرأة والمرأة زوج الرجل.. وكذلك فإن اللغة العربية لم تظلم المرأة في المخاطبة بصيغة التذكير للجمع بين الناس وفيهم رجال ونساء، حتى لو كانت الأكثرية نساء وفيهم رجل واحد فقط! لأن هذا يحمل على أنهم جميعا (أشخاص) ومفردها شخص، وجميعنا يعلم أنها تُطلق على المذكر والمؤنث بلا تفريق ولا تمييز، فالكلمة مشتركة وليست صيغتها تخص جنسا دون الآخر. فاللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، والإسلام كرم المرأة ولم يُكرمها أحد سواه فكيف بمن أكرمها أن يظلمها بهذه اللغة التي تتميز عن غيرها من اللغات بتاء التأنيث التي تسهل التفرقة في نوع الجنس. فإن فهمنا اللغة العربية جيدا نرى أنها لم تظلمها أبدا، وكما قال الشاعر:


فما التأنيث لاسم الشمس عيب *** ولا التذكير فخر للهلال


وأختم بما جاء في تفسير ابن كثير لقوله تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين﴾، قالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر الْعَتَكِيّ حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن عَبَّاد الْمُهَلَّبِيّ عَنْ مُوسَى بْن مُحَمَّد عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابه فِي يَوْم دَجْن إِذْ قَالَ لَهُمْ «كَيْف تَرَوْنَ بَوَاسِقهَا؟» قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ تَرَاكُمهَا قَالَ: «فَكَيْف تَرَوْنَ قَوَاعِدهَا؟» قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ تَمَكُّنهَا قَالَ: «فَكَيْف تَرَوْنَ جَرْيهَا؟» قَالُوا مَا أَحْسَنه وَأَشَدّ سَوَاده قَالَ: «فَكَيْف تَرَوْنَ رَحَاهَا اِسْتَدَارَتْ؟» قَالُوا مَا أَحْسَنهَا وَأَشَدّ اِسْتَدَارَتْهَا قَالَ: «فَكَيْف تَرَوْنَ بَرْقهَا أَوَمِيض أَمْ خَفْق أَمْ يَشُقّ شَقًّا؟» قَالُوا بَلْ يَشُقّ شَقًّا؟ قَالَ: «الْحَيَاء الْحَيَاء إِنْ شَاءَ اللَّه» قَالَ: فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَفْصَحك مَا رَأَيْت الَّذِي هُوَ أَعْرَب مِنْك قَالَ فَقَالَ: «حُقَّ لِي وَإِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآن بِلِسَانِي وَاَللَّه يَقُول: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيّ مُبِين﴾».

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم صهيب الشامي

 

 

إقرأ المزيد...

وداوني بالتي كانت هي الداءُ! دعوة حسن الدغيم للاستعانة بعملاء الاستعمار ونهجه المسموم

  • نشر في سياسي
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 926 مرات


دعا السيد حسن الدغيم في مقاله المعنون "حتى لا تغرق السفينة" [1]، دعا حركة أحرار الشام إلى تبني ميثاق مجلس قيادة الثورة ودعم المجلس بقوة وتقوية العمل على إنجاحه كمشروع مصيري، كما دعا الحركة إلى "...السعي الجاد مع المجلس لبناء تحالف إقليمي صلب ومتماسك يساعد في انتصار الثورة وإراحة الشعب وإسقاط النظام وكف عادية الشرور الدولية عن طريق العلاقات المتماسكة مع شركاء الإقليم والأخذ بكل الأسباب الممكنة والوقائية لحماية الثورة من التصنيفات والتهم الملصقة المؤدية للاستهداف الخارجي وتجنب شره". وحذر الحركة "ممن يحاول إبعادكم عن المشروع الواقعي والجهاد المحدود الممكن ضمن حدود الوطن السوري وتشتيت أهدافكم في الدخول بصراعات إقليمية تهدر فيها الطاقات وتضيع فيها الحقائق...".


فالسيد الدغيم يدعو إلى الجهاد المحدود ضمن حدود الوطن السوري الذي صنعه الاستعمار الفرنسي، والذي اعتمد علمه مجلس قيادة الثورة المذكور في ميثاقه...


ويدعو الدغيم إلى الاستعانة بتحالف إقليمي يضم دول الجوار والتي يحرص كل نظام فيها على محاربة الإسلام والمسلمين والحيلولة دون عودة دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة التي أوجبها رب العالمين على المسلمين جميعا. ولعل أصدق ما يعبر عن دعوة الدغيم هذه هو القول: وداوني بالتي كانت هي الداءُ!


يا سبحان الله! يريدنا الدغيم أن نستجير برمضاء قوى الاستعمار من شرور نار صنيعتهم بشار، فمن الذي حمى نظام بشار وأبيه غير أمريكا؟ ومن الذي فكك أمتنا وجزأها غير فرنسا وبريطانيا؟ ومن الذي يتواطأ على قتل أمتنا وأهلنا في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق غير الدول الإقليمية التي يدعونا للاستنجاد بها؟


لعل السيد الدغيم لم يسمع بعدوان يهود على غزة!! أو أنه لم ير ماذا صنعت أمريكا بثورة مصر!! ألم تسلط على شعب مصر عميلها السيسي ليذيقهم أصناف البلاء ويسومهم سوء العذاب؟ أوَلم يسمع بالحرب الضروس التي أشعلت سعارها أوروبا وأمريكا في ليبيا للاستئثار بثرواتها؟ أم إنه لا يسمع قرقعة السلاح في اليمن السعيد الذي يحوله الغرب عبر أدواته المحلية إلى جحيم؟!


ثم بعد هذا كله يدعونا إلى الاستعانة بالدول الإقليمية؟!


على حساب ماذا؟؟ على حساب الإعراض عن منهج الله... فالمسلمون أمة واحدة، ولكنهم في نظر الاستعمار الصليبي بضعة وستون دويلة وبضعة وستون شعبا (؟؟)


فالسيد الدغيم يدعونا إلى الاعتصام بحبل الاستعمار الغربي والتمسك بـ"المشروع الواقعي والجهاد المحدود الممكن ضمن حدود الوطن السوري"، فهو الجهاد الممكن... أي الذي تسمح به عواصم الاستعمار، وهي الحريصة على إبقاء قبضتها وهيمنتها على بلاد المسلمين والحيلولة دون عودة الإسلام بعد أن بذلت جهودا مضنية في هدم دولة الخلافة سنة 1924م.


فما الذي يختلف في دعوة الدغيم عن دعوات قادة الصليبيين من كاميرون وبلير إلى بوش وأوباما إلى هولاند وميتران إلى بوتين ومدفيديف؟ وكلهم قد كشفوا عن مكنونات أنفسهم الاستعمارية بالتصريح جهارا نهارا بأنهم لن يسمحوا بتطبيق الشريعة... إن من المسلَّم به أن الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا لا يريد فلاحا لهذه الثورة المباركة، بل هو يخطط لتدميرها والقضاء عليها، مستعينا بأدواته الإقليمية.


فعلى المسلمين القبول بالرقص ضمن (السيرك) الاستعماري ضمن "حدود الوطن" الذي صنعه الاستعمار، ثم يدعونا السيد الدغيم إلى الالتحاق بركب مجلس الثورة، وتبني ميثاقه الداعي إلى تبني عَلَم الاستغلال (وليس الاستقلال) الفرنسي، والإعراض عن رفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله التي فيها عزنا وكرامتنا ومرضاة ربنا في الدارين... فالاعتصام بحبل الله، عند السيد الدغيم، هو مشروع غير واقعي، فالواقع الاستعماري يسمح لنا أن نبقى عبيدًا ضمن المنظومة الاستعمارية، فمتى قَبِلنا بسمّ أمريكا المسمى بالحل السياسي، فعندها نغنم السمن والعسل بزعمهم الفاسد، ونحصل على دريهمات معدودة، ومناصب فخرية على شاكلة الوزارة والجمهورية، والدولة المدنية التي يباركها الغرب الاستعماري في الوقت نفسه الذي تفتح سجونها السرية للبطش بأبناء الإسلام المجاهدين (راجع تقرير التعذيب الصادر عن مجلس الشيوخ الأمريكي والذي لا يشكل أكثر من رأس جبل جليد المكر الاستعماري الغربي)...

 


أما نحن في حزب التحرير...


فندعو إخواننا في حركة أحرار الشام، كما ندعو جميع الثوار الصادقين، أن يعتصموا بحبل الله، ويعضوا على شريعة ربهم بالنواجذ، ويحذروا مكر أمريكا وأذنابها من الدول الإقليمية وتابعيهم من رسل السوء (بعمائم ولحى أو بدونها) الذين يروجون لسموم المكر الغربي...


إن ثورةً ربُها الله القوي العزيز وقائدُها محمد صلى الله عليه وسلم، وأهلُ الشام رجالُها، ومن ورائهم أمة الإسلام التي تتوق لأن تعود خير أمة أخرجت للناس لمنصورة بإذن الله رغم أنف الحاقدين والمخذلين والمرجفين؛ ولكن لا بد دون ذلك من بذل وعطاء وتضحيات... لا بد دون ذلك من وعي كامل على ما يحاك ضدنا من مؤامرات... لا بد دون ذلك من نبذ كل ناعقٍ خبيث ممن يحاولون تسويق سم الحل الأمريكي المسمى بالدولة المدنية. لا بد دون ذلك من يقين أن خلاصنا بأيدينا لا بأيدي أعدائنا... لا بد من الالتفاف حول مشروع سياسي إسلامي واعٍ ومخلص يقدمه لهم رائد لا يكذب أهله.. لا بد من فهم صحيح لقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.


فندعوهم إلى تبني ميثاق الخلافة ليكون مشروعهم ومشروع الأمة الجامع، والعمل على إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فنكون بذلك قد صنعنا مستقبلنا بأيدينا بعيدا عن مكر الغرب ومؤامراته، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.


فالصبرَ الصبرَ، والثباتَ الثباتَ يا أهل الشام.. فنصرُ الله آتٍ آتٍ بإذن الله،


قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 



[1] (انظر ورقة حزب التحرير السياسية الثانية لأهل الشام المؤمنين المرابطين: معاً لإسقاط طاغية الشام وإقامة حكم الإسلام «خلافة على منهاج النبوة»)

 

إقرأ المزيد...

الانتقال الديمقراطي في تونس: من (الأخونة) إلى (الدعشنة)

  • نشر في سياسي
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 788 مرات


إنها الديمقراطية وما أدراك ما الديمقراطية! إنها العصا السحرية التي ستحل مشاكل الشعوب شرقا وغربا إذا ما دانوا لها وخرّوا لها ساجدين، وهي البلسم الشافي والدواء الكافي الذي ما إن تركه القادة والساسة إلا وأصابتهم لعنة البيت الأبيض حتى يعتنقوا هذا الدين الجديد ويُلزموا أتباعهم بممارسة حقهم وواجبهم الانتخابي واختيار أحد مرشحي السفارات الأجنبية ممن رضي الغرب عنهم...


هذا هو لسان حال أدعياء الحداثة والتنوير بل لسان حال شقّ من الإسلاميين في بلادنا استطاع الغرب ترويضهم وإدخالهم إلى حظيرة الانتقال الديمقراطي لينهلوا من بحور المعرفة التكنوقراطية ويسبحوا بحمد الديمقراطية بأذكار توافقية تخلط الحابل بالنابل، وتتماهى فيها العلمنة مع الأخونة بدعوى "التكتيك"، وتُؤخَذ فيها الصُّور للذكرى، لتعيد الأجيالُ تكرار الأخطاء نفسها، وما زواج المتعة الذي أفتى بوجوبه البعض بين الإسلام والعلمانية في فترة ما بعد الثورات إلا نموذج إصلاحي جديد ومُجدّد لتجربة عبده والأفغاني ومن قبلهما "التكنوقراط" خير الدين باشا مُخمِد ثورة "محمد علي بن غذاهم" التي أُطلقت بدورها من سيدي بوزيد.


ولكن، بعد أن قطع الغرب شوطا في مسار تحييد خصومه وإخماد كل نفس ثوري يقوم على أساس الإسلام ويقطع مع الموروث الفكري والحضاري الذي أرساه بورقيبة في تونس اقتداءً بمجرم هذا العصر مصطفى كمال، وبعد أن استطاع عبر مَخابره ومُخابراته ابتكار إسلام معدّل جينيا يمتص غضب أبناء الأمة تجاه منتجات الرأسمالية في بلاد العالم الإسلامي من عولمة وعلمنة وهيمنة تغتصب إرادة الشعوب صباح مساء وتمارس عليها كل أشكال القذارة السياسية، بعد هذا كله انتقل أرباب الرأسمالية في العالم إلى مرحلة هي أشد خطورة على الناس من سابقتها، حيث تأكد لهم أن الإرهاب هو أربح قطاع يمكن الاستثمار فيه، فلم يعد يكفيهم دمقرطة الإسلام وصهره في بوتقة العلمانية ولا المراهنة على الإسلام المعتدل وانبطاح دعاته لضرب المشروع السياسي للإسلام وبيان فشله في رعاية شؤون الناس، بل وصلوا في عصر صراع الحضارات وسخونة الوضع في منطقة الشرق الأوسط إلى استحداث نسخة جديدة من الإسلام استلهاما مما وصلت إليه تجارب الأنظمة العميلة في العراق والشام. وقد تم توزيع هذه النسخة في كامل أنحاء العالم عبر كبرى وكالات الأنباء، ضمن اسطوانة مشروخة تحمل شعار: باقية وتتمدد.


إننا إذن في عهد جديد، هو عهد الدين المغشوش، وخلافة على منهاج العبوة، تنسف معارضيها باسم الإسلام، وتطبق على مخالفيها حدّ الردة وتحكم كل بلد إسلامي أراد الغرب أن تشمله نظرية الفوضى الخلاقة عبر "خليفة" مسردب متخفّ عن أتباعه.


إننا في عهد الانتقال من (الأخونة) إلى (الدعشنة)، ومن الإسلام المعتدل إلى الإسلام المتطرف، والقاسم المشترك، أن كلا المصطلحين هما صناعة غربية تريد الانتصار على عدو وهمي بقصد إنعاش المنظومة الرأسمالية القائمة على مبدأ الديمقراطية، ولنا في العراق وأفغانستان خير دليل ومثال على طرق إحلال هذه الديمقراطية.


نعم، إنها الديمقراطية وما أدراك ما الديمقراطية، دين الدجال الجديد، وأداة تركيع العبيد، إنها سبيل استهواء القلوب وفن تضليل الشعوب، إنها حكم الأقوياء على الضعفاء وإقناعهم طوعا أو كرها بأن العيب فيهم لا فيها وأنها المنزهة المقدسة سبحانها لا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها، لا يُجزى بها إلا من عمل من أجلها وناضل من أجل تعبيد الخلق لأحكامها وطاعة جندها وحكامها، المهم أن تفرض على الشعوب وحدها دون سواها. وإذا سلّمنا جدلا بالمقولة الحداثية لـ"جورج برنارد شو" من كون الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل لأن أغلبية من الجاهلين ستحدد مصيرك، فلا يسألن بعدها أحد عمّن فرعن فرعون وهيمن هامان وقَوْرن قارون إذا كان هؤلاء قد احتكروا العلم والمال والقوة واعتبروا شعوبهم من الجاهلين.


أما الخلافة التي فرضها الشرع كتابا وسنة وإجماعا لدى الصحابة الذين قدّموا بيعة أبي بكر رضي الله عنه على دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أجمعت على وجوبها المذاهب الأربعة واعتبرها ابن خلدون في مقدمته تاج الفرائض، فهي في نظر أتباع "فوكوياما" سراب خادع مضلل وعودة بالبشرية إلى ما قبل التاريخ والذي سيقف في نظرهم طبعا على الديمقراطية الغربية، ولذلك كان لا بد من تمييعها وتشويه صورتها عبر استغلال الإسلام المتطرف، ما دام الإسلام المعتدل قد فشل في استقطاب جمع من الناس.


والسؤال المطروح الآن على أمثال هؤلاء: من يعيش في السراب ويدفع بالبشرية نحو الخراب: من أراد تحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، أمّن أعاد كتابة التاريخ وفق هواه ليجعل السلطة والهيمنة لأرباب المال، وأنسى الناس المفهوم الأصلي للديمقراطية من كونها حكم الأقوياء على الضعفاء منذ نشأتها في بلاد الإغريق قبل ميلاد المسيح عليه السلام (أي قبل ظهور الإسلام)، وأن السلطة فيها للشعب (الديمقراطية: ديموس(الشعب) - كراتوس (السلطة)) باعتبار أن الشعب أو المجتمع آنذاك كان بطبيعته عسكريا ينشأ أبناؤه بصفة أساسية على القتال، ومن لا يتقن القتال لا يعتبر من فئات المجتمع، وإنما هو من فئة العبيد بل يرمى من حافة جبل "تاجتوس" منذ ولادته إذا كان معاقا أو مريضا لا يصلح لاحقا للتجنيد؟


صحيح أن أقوياء هذا العصر هم أرباب النظام الرأسمالي العالمي وليست الجيوش التي ضعفت قوتها عبر العصور أمام سلطة المال، ولكن جنبات التاريخ كفيلة بمد العقلاء بالإجابة ليجدوا أن الحروب العالمية التي أنتجها النظام الرأسمالي خلال قرن ليست سوى نسخة حديثة من الحروب البيلوبونيسية أو الميسينية في بلاد اليونان أثناء حكم ديمقراطية تجري من تحتها أنهار من دماء البشرية منذ بداية التاريخ. تلك هي حقيقة الديمقراطية وما خفي كان أعظم.


قال تعالى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وسام الأطرش - تونس

 

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع