- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-12-24
جريدة الراية: سباق التسلح
بين الصين وأمريكا
لقد شاع استخدام مصطلح سباق التسلح خلال حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. ويمكن تعريفه بأنه: "علاقة تنافس وعداء موجودة بين دولتين أو مجموعة من الدول، بهدف زيادة كمية السلاح ونوعيته".
كانت الصين تدرك خطورة جرها لسباق تسلح جديد وترفض الدخول فيه. وقد أوضح المتحدث باسم وزارة دفاعها، الكولونيل قنغ يان شنغ، أن إنفاق الصين على الدفاع معقول ومناسب، مؤكداً أن بلاده لا تسعى إلى الهيمنة ولا تنوي أبداً الدخول في أي سباق تسلح عالمي.
كما أكدت الصين أنها لن تسعى إلى سباق تسلح نووي، وتعارض نشر الولايات المتحدة صواريخ هجومية في آسيا، وذلك وفقاً لأحدث كتاب أبيض أصدرته بكين بشأن السياسة النووية. وتتضمن الوثيقة التي تحمل عنوان "ضبط الأسلحة ونزع السلاح ومنع الانتشار في الصين في العصر الجديد" تحديثاً للنسخة السابقة الصادرة عام 2005.
وذكرت بكين أنها "حافظت باستمرار على قواتها النووية عند الحد الأدنى المطلوب للأمن الوطني"، مشيرةً إلى تأكيدها سياستها النووية القائمة على عدم الاستخدام الأول، وتعهدها بالامتناع دون قيد أو شرط عن استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية أو في المناطق الخالية من الأسلحة النووية. وأضافت أن الصين طورت الصواريخ وأنظمة الدفاع الصاروخي لحماية نفسها، لافتة إلى أن هذه القدرات تهدف إلى حماية السيادة والحفاظ على الأمن وردع الحرب، وليست موجهة إلى أي دولة أو منطقة أخرى، نظراً لمساحتها الشاسعة وبيئتها الأمنية المعقدة.
ولقد سعت أمريكا إلى إدخال الصين في سباق تسلح جديد، كما فعلت سابقاً مع الاتحاد السوفيتي، ولتحقيق ذلك قامت بعدة إجراءات:
1- تضخيم التهديد الصيني: تدّعي أمريكا أن لدى الصين أكثر من 1500 رأس نووي، بل أكدت عام 2021 أن الرؤوس النووية الصينية سوف تصل إلى 3000 رأس نووي بحلول عام 2035. ولتعميق الخوف منها، تقول إنها تمتلك صواريخ باليستية يصل مداها إلى 12 ألف كيلومتر، وإنها ستنتج، بدءاً من عام 2025، قاذفة عملاقة "الجناح الطائر" يمكن أن تتفوق على القاذفة الأمريكية "بي 52".
2- حث الحلفاء الآسيويين على التسلح: عملت أمريكا على حث الدول الآسيوية، خاصة حلفاءها وشركاءها، على تعزيز قواها العسكرية وتقوية قدرات الضربات بعيدة المدى. ويتم تحقيق ذلك عن طريق:
- تطوير الصواريخ وزيادة الإنفاق العسكري: حدث هذا بعد إزالة جميع القيود الدستورية والقانونية التي تمنع هذا التوجه، كما حدث مع اليابان. ففي التاسع والعشرين من آب/أغسطس 2022، أصدرت وزارة الدفاع اليابانية طلب الميزانية للعام المالي 2023، سعياً للحصول على رقم قياسي بلغ نحو 40 مليار دولار، بالإضافة إلى مبالغ غير محددة للعديد من الأنظمة، بما في ذلك صواريخ طويلة المدى قادرة على مهاجمة الأهداف البرية. وتخطط الوزارة أيضاً لتطوير طائرات مسيرة تستخدم للمراقبة وشن الهجمات، وستبني اليابان سفناً مجهزة بنظام مضاد للصواريخ البالستية.
- شراء الأسلحة وعقد الصفقات: ويظهر ذلك في صفقة الغواصات النووية الأمريكية مع أستراليا. وقد ذكر مسؤول دفاعي أسترالي أن برنامج أستراليا للغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بالتعاون مع أمريكا وبريطانيا سيتكلف ما يصل إلى 245 مليار دولار على مدى الثلاثين عاماً المقبلة، ليصبح بذلك أكبر برنامج دفاعي في تاريخ أستراليا. كما تم اتخاذ إجراءات مماثلة مع كوريا الجنوبية والفلبين وتايوان، وشرعت أمريكا كذلك في تقوية الهند وضمها لسياسة الاحتواء.
3- إجبار الصين على التغيير: أجبرت هذه الإجراءات الصين على دخول سباق التسلح رغماً عنها، ولم تستطع المحافظة على سياستها القائمة على عدم الانجرار إليه.
- ذكرت شبكة سي إن إن أن صور الأقمار الصناعية تُظهر علامات على أن أكثر من 60% من 136 منشأة مرتبطة بإنتاج الصواريخ أو بالقوة الصاروخية للجيش الصيني، التي تتحكم في الترسانة النووية الصينية، خضعت للتوسعة. وقالت إن تلك المواقع، التي تحتضن شركات ومراكز أبحاث واختبار، توسعت بأكثر من مليوني متر مربع من المساحة المبنية بين بداية عام 2020 وأواخر عام 2025، مشيرةً إلى ظهور أبراج ومخابئ وحواجز جديدة في هذه المواقع المتنامية.
- وفي تصريحات لنائب وزير الخارجية الصيني، سون وي دونغ، أشار إلى أن أمريكا تشكل "أكبر خطر أمني في بحر الصين الجنوبي"، موضحاً أن انتشارها العسكري في المنطقة "يزج بها في دوامة سباق تسلح". وقال سون إن تحرك أمريكا لنشر أنظمة صاروخية متوسطة المدى هناك "يجر المنطقة إلى دوامة سباق التسلح، ويضع منطقة آسيا والمحيط الهادي بأكملها في دائرة الصراعات الجيوسياسية".
تهدف أمريكا من سباق التسلح إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
أولاً: استنزاف القدرات الاقتصادية: الهدف المرحلي هو استنزاف القدرات الاقتصادية الصينية وجرها إلى حروب وهمية، مثل حروب الفضاء.
تكشف أرقام الإنفاق العسكري عن الفارق الهائل الذي يجب على الصين أن تتجاوزه:
|
النسبة المئوية من الإجمالي العالمي |
الإنفاق الدفاعي المقدر لعام 2024 |
الدولة |
| حوالي 37% | 997 مليار دولار أمريكي | الولايات المتحدة |
| زيادة بنسبة 6% عن العام السابق | 313 مليار دولار أمريكي | الصين |
هذا الإنفاق الضخم يعكس التزام أمريكا بالحفاظ على هيمنتها العسكرية. في هذا الجو المشحون، ستقوم الصين بتقديم الكثير من إمكاناتها وتبديد الكثير من ثرواتها في سبيل التسلح والانخراط في سباق محموم سعياً وراء هدف تحقيق أمنها، على حساب القوة والوفرة الاقتصادية لديها. هذا السباق سوف يلتهم الوفورات والإنجازات الاقتصادية، ويشغل الصين بتطوير أسلحة لن تُستخدم (كما هو الحال في الأسلحة النووية).
ثانياً: تحقيق مصالحها عبر دول الجوار: نجحت أمريكا من خلال سياسة تضخيم قدرات الصين في بث الرعب والخوف لدى كل جيرانها الذين يتسابقون الآن لعقد اتفاقيات دفاع مشترك مع أمريكا، وشراء مزيد من السلاح الأمريكي.
ختاما: لقد جعلت أمريكا، خاصة في عهد ترامب، الصين عدواً وقامت بشيطنتها، من أجل تحقيق أهدافها المتعلقة بسياسة "القيادة من الخلف"، وذلك بتقوية خصوم العدو ودفعهم لزيادة الإنفاق العسكري وبناء القدرات، أو شراء تلك الأسلحة وعقد الاتفاقيات الدفاعية معها. هذا يضمن تقديم دول الجوار لاحتواء الصين وإشغالها بمشاكل وصراع إقليميين، لتقوم دول الحلفاء بتحقيق مصالح أمريكا بعيداً عن تدخلها المباشر في الحرب واستنزاف قدراتها الذاتية.
بقلم: الأستاذ حسن حمدان
المصدر: جريدة الراية



