الأربعاء، 04 رجب 1447هـ| 2025/12/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-12-24

 

جريدة الراية: صراع رواندا والكونغو

ومخطط ترامب لتسويته

 

 

 

تعيش منطقة البحيرات العظمى في أفريقيا واحدة من أعقد النزاعات في العالم، حيث يتجدد التوتر بين رواندا والكونغو الديمقراطية كلما تراكمت الأزمات العرقية والسياسية والاقتصادية القديمة. ويبدأ هذا الصراع تاريخياً من بعد الإبادة الجماعية عام 1994 وصعود المليشيات المسلحة وتنافس القوى الإقليمية على أضخم ثروات وهي المعادن النادرة. وفي ظل تصاعد العنف خلال عام 2025 نجد تدخل أمريكا بمبادرة وصفت بأنها قد تغير مسار الأزمة.

 

ولعلنا نلقي نظرة سريعة على جذور الصراع وتشابك المصالح مع المصالح الأمريكية بين احتمالات السلام أو الانفجار من جديد.

 

إن نقطة التحول هي الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، حيث فر مئات الآلاف من الهوتو إلى شرق الكونغو. وهذا النزوح الكبير أشعل توترات كبيرة بين النازحين وخصومهم مثل قوات منفيي رواندا في الكونغو (FDLR). حيث كانت أهم أسباب هذه المجزرة:

 

- الإرث الاستعماري، حيث استعمرت بلجيكا رواندا منذ عام 1916، وقد قام الاستعمار بزرع شرخ عرقي في الهوية، حيث اعتبر التوتسي عرقاً متفوقاً ومنحه السلاح والقوة والتعليم، وهمش الهوتو.

 

- التمييز السياسي والاجتماعي ضد الهوتو ثم التوتسي، ففي عام 1962 عند (استقلال) رواندا انقلبت السلطة إلى يد الهوتو وكانت هناك مواجهة عنيفة منهم ضد التوتسي، ما أدى إلى هروب آلاف منهم إلى أوغندا وبوروندي والكونغو. وفي أواخر الثمانينات تشكلت الجبهة الوطنية الرواندية، وفي عام 1990 شنت هجوماً على حكومة الهوتو، وحينها استغل النظام الحاكم الهجوم بتشكيل بيئة عامة للعداء العرقي، وفي 6 نيسان/أبريل 1994 أُسقطت الطائرة التي كانت تقل الرئيس هابيار يمانا، وأُشير للفاعل بدون دليل إلى الجبهة الوطنية بشكل خاص وللمتطرفين التوتسي بشكل عام.

 

ومع ضعف الدولة وفشل النظام الدولي الذي لم يتدخل ورفض تسمية ما يجري بأنه إبادة جماعية إلا بعد فوات الأوان، وترك التوتسي والسكان المعتدلين من الهوتو لمصيرهم أمام آلة القتل التي كانت نتيجتها مقتل نحو 800 ألف في 100 يوم.

 

وقد أنهى المجزرة تقدم قوات الجبهة الوطنية الرواندية ودخولها العاصمة وسقوط الحكومة التي قادت الإبادة وهروب الآلاف من منفذي المجزرة بمن فيهم السياسيون. وهنا تدخلت الأمم المتحدة كعادتها لركوب الموجة وليس لإنهاء المجازر.

 

وبدأت مرحلة إعادة بناء الدولة منذ عام 1994 إلى عام 2000 بسيطرة الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة بول كاغامي، وتم تشكيل حكومة وحدة وطنية وعودة مئات الآلاف من اللاجئين الروانديين (الهوتو والتوتسي) من أوغندا وبوروندي وتنزانيا، وتمت محاكمة المتورطين وتفكيك مليشيات الهوتو المسلحة وفر أغلبهم إلى الكونغو زائير سابقاً، ومن هنا تورطت رواندا في الحرب الكونغولية الأولى عام 1996 والثانية عام 1998، وفي عام 2000 أصبح بول كاغامي رئيساً لرواندا رسمياً.

 

ومن عام 2010 إلى عام 2022 بدأ نفوذ رواندا يتمدد إلى شرق الكونغو، وأصبحت علاقة رواندا بالحركات المسلحة في الكونغو كبيرة جداً، ودائماً كانت تتهم بالدعم غير المحدود لهذه الحركات مثل (M23 - مجموعة مسلحة تتنافس مع مليشيات الهوتو في الكونغو)، وطبعاً هذا التدخل يأتي لمنع عودة مليشيات الهوتو، وأيضاً فإن شرق الكونغو غني جداً بالذهب والكولتان والقصدير ومواد أساسية لصناعات إلكترونية.

 

وخلال هذه الفترة أصبحت رواندا من أهم دول أفريقيا صعوداً اقتصادياً واستمرار نظام مستبد، حيث إنه عدل الدستور ليسمح له البقاء حتى عام 2034 ومارس اغتيال المعارضين له.

 

ومع بداية عام 2022 سيطرت الجماعات المسلحة وخاصة M23 على مناطق التعدين المهمة مثل منطقة روبايا، وأصبح للحركة دخل ثابت من الضرائب على التعدين، وبعدها سيطرت على مدن رئيسية في شرق الكونغو منها غوما وبوكافو، وهنا نشأت تحركات دولية تتهم رواندا بتمويل M23 بالأسلحة والجنود مع رفض رسمي لهذه الاتهامات.

 

وهنا تأتي مبادرة ترامب في 27 حزيران/يونيو 2025، حيث وقعت رواندا والكونغو الديمقراطية اتفاقية سلام برعاية أمريكية عرفت باتفاقيات واشنطن، فقد دعا ترامب زعيمي البلدين إلى واشنطن لتثبيت الاتفاق وإضفاء بعد تاريخي عليه، حيث نصت بنود هذا الاتفاق على: (انسحاب القوات الرواندية من شرق الكونغو خلال مدة 90 يوما، وتأسيس إطار التكامل الاقتصادي بين البلدين، وإنشاء آلية أمنية مشتركة لتنسيق المسائل الأمنية وضبط السلاح وحل المليشيات غير الرسمية M23 وFDLR، وتسجيل دخول استثمارات دولية خاصة أمريكية في قطاع المعادن بالكونغو، وهذا البند هو مبتغى ترامب من هذا التقارب لوضع يده على مناجم التعدين كوسيلة لتقليل اعتمادها على الصين في المعادن الاستراتيجية).

 

وبحسب تصريحات ترامب ووصفه للاتفاق بالتاريخي ينهي حرباً لإحدى أطول الصراعات في العالم، حيث قال: "إنه يوم عظيم لأفريقيا ويوم عظيم للعالم... اليوم ننجح حيث فشل الكثيرون بإنهاء واحدة من أسوأ الحروب التي رأتها البشرية" (واشنطن بوست، 27 حزيران/يونيو 2025).

 

هل هذا الاتفاق يدوم ويحقق السلام؟ أم هو بداية انفجار الوضع من جديد؟

 

كونه فرصة للسلام، حيث يدعم ذلك أن لأمريكا رغبة بتحقيق السلام لإتمام سيطرتها على المعادن، وأيضاً فإن الناس قد تعبوا من تبعات هذه الحرب.

 

وأما ما يهددها بالانفجار فهو عدة عوامل منها:

 

- لا تزال حركة M23 تنشط في شرقي الكونغو وتتهم بأنها تلقت دعماً من رواندا.

 

- إن الدوافع الحقيقية ليست السلام بحد ذاته بل المواد الطبيعية والمعادن النادرة وفتح الباب أمام الشركات الأمريكية فقط.

 

- تفكيك المليشيات شرط سهل بالورقة والقلم وصعب جداً على أرض الواقع.

 

- حتى اللحظة ما زلنا نسمع عن مواجهات وهجمات في شرقي الكونغو.

 

- بعض المجتمعات المحلية في الكونغو ترى أن السلام مفروض عليها من الخارج ولم تحل المشكلة من جذورها بل بقي العمق العرقي قائماً وهو لا يُسمع ولا يُرى عند نشوب الأزمات العرقية.

 

إن صعود دور رواندا كقوة إقليمية صغيرة فهي اليوم تلعب دور الخنجر في وسط أفريقيا (كدور كيان يهود في فصل القارتين)، فلها جيش منظم وتداخلاتها كثيرة في كل من موزمبيق وأفريقيا الوسطى والكونغو ولها دعم أمريكي قوي، فهي تهيأ للعب دور يتجاوز حجمها الجغرافي والديموغرافي، وبها سوف تحافظ أمريكا على أمنها الجيواقتصادي ودخول كبرى الشركات الأمريكية، وسوف يكون دخول أمريكا شرعياً عبر اتفاقيات دولية، وسوف تحافظ أمريكا على بقاء الكونغو عملاقا ضعيفا دائما بحاجة لدعمها لنهب مواردها وقطع يد الصين ، وأي يد أخرى عن معادن الكونغو والموارد الكثيرة التي تملكها. أما حالة الاستقرار فسوف يحددها تحقيق المعادلة الأمريكية (سلام مضبوط + استثمار أمريكا + نفوذ راوندي = استقرار)

 

السلام الذي أبرم يمكن أن يستمر ولكن ليس مضموناً مطلقاً، وإن الصراع بين البلدين ليس مجرد مواجهة حدودية عابرة بل هو تراكم لعقود من التوترات الإثنية والتدخلات الإقليمية وصراع المصالح على الثروات التي تعد اليوم من أغلاها بل سلاح قومي وهي المعادن النادرة، فإن النجاح الحقيقي يتوقف على قدرة الأطراف على ترجمة الالتزامات السياسية إلى واقع ميداني، وهنا تكمن المعضلة لأن الحل لم يأتِ لينهي المسألة برمتها ويعالج جذورها بل لمصالح آنية.

 

وهنا يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتمكن رواندا والكونغو من تحويل لحظة السلام الأمريكي إلى مسار مستدام أم تبقى اتفاقيات على الورق وتبقى كأنها هدنة مؤقتة لحرب طويلة قد تستمر؟

 

 

بقلم: الأستاذ نبيل عبد الكريم

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع