الأربعاء، 19 جمادى الثانية 1447هـ| 2025/12/10م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-12-10

 

جريدة الراية: الوعي السياسي وأثره على التغيير

 

 

حين نتكلّم عن الوعي السياسي فنحن نتكلّم بالدرجة الأولى عن الوعي على الإسلام نفسه؛ لأنّ الإسلام بطبيعته سياسي، إذ تضمّن نظاماً للحياة والمجتمع والدولة، وأمر الله تعالى بأن تُرعى به شؤون الناس من خلال دولة تقام له، ما يعني أنّ الإسلام بطبيعته فكر سياسي. فبمجرّد أن تفهم الأمّة الإسلام بوصفه نظاما للحياة والمجتمع والدولة فهذه بداية الوعي السياسي.

 

ومن ضعف الوعي السياسي عند المسلمين اليوم أنّهم يتوهّمون أنّه بمجرّد أن يصل إلى الحكم شخص مسلم يصلّي ويصوم ويقرأ القرآن ويرفع شعارات الإسلام ويُدرج في خطابه بعض الآيات القرآنية فهذا يعني أنّ الدولة أصبحت إسلامية. ولا يلتفتون إلى الجانب الأهمّ الذي يتعلّق بهويّة الدولة - وهو الأساس الذي تقوم عليه الدولة لتكون إسلامية - أي العقيدة الإسلامية، وإلى الأنظمة والقوانين التي يجب أن تطبّقها، وهي أحكام الشرع. فتراهم مستعدّين لأن يعطوا ولاءهم لشخصِ الحاكم لمجرّد أنّ مظهره التديّن، بينما هو يحكم بغير ما أنزل الله. فحين ترى المسلمين يتعاملون مع السياسة ومع رجال السياسة ومع الدول ومع الأنظمة على هذا الأساس، أي ينظرون إلى الأحداث فقط من زاوية مَن الذي يحكمنا أهو مسلم أم هو علوي أم هو درزي؟ أهو يصلي أم هو لا ديني؟ فهذا يعني أنّه ما زال أمام الأمّة شوط بعيد كي تصل إلى الوعي السياسي.

 

إنّ الوعي السياسي إّنما يتحصّل بأن ينظر المسلمون إلى العالم كلّه من زاوية عقيدتهم الإسلامية، أي من زاوية الانتماء السياسي الذي يمليه عليهم دينهم، من زاوية التفكير بأن تكون للعقيدة الإسلامية السيادة في حياتهم، وبأن تصل الأمّة إلى استعادة سيادة الشرع في الأرض واستعادة زمام سلطانها في بلادها، ومن زاوية حمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، ومكافحة التيّارات المعادية للإسلام، ومكافحة خطط الاستعمار للهيمنة على أمّتنا وبلادنا وسائر البلاد... إذا أصبحت هذه النظرة يوما هي السائدة لدى المسلمين يمكن حينها القول إنّ الأمّة باتت على مستوى من الوعي السياسي.

 

إنّ نظرة فاحصة إلى سيرة النبيّ ﷺ ترينا أنّه منذ أن بُعث كانت عيناه تشخصان إلى يوم تكون فيه السيادة للإسلام، على خلاف ما يتوهّم كثير من الناس من أنّه ﷺ حمل الدعوة دون أن يهدف إلى إقامة سلطان للإسلام والمسلمين، وأنّ مسار الأحداث أوصله تلقائيا إلى أن تصبح له نصرة ودولة في المدينة المنوّرة من حيث لم يكن يقصد. بل إنّ النبي ﷺ كان منذ أن بعث يراعي في نهجه في الدعوة تغيير الرأي العامّ في مجتمع مكّة من أجل أن يتحوّل عن هويّته الجاهلية ويتحوّل إلى الهوية الإسلامية، لتقوم للإسلام دار وحياة إسلامية في مجتمع إسلامي. وحين وجد مجتمع مكّة متجمّداً في وجهه راح يبحث عن مجتمعات أخرى، إلى أن شرح الله سبحانه وتعالى صدور رهط من المدينة للإيمان، ثمّ توسّعت فيها الدعوة إلى أن أصبحت أوّل دار للإسلام وقامت فيها أوّل حياة إسلامية، لتقوم بعد ذلك بمهمّتها في تغيير وجه العالم كلّه. وكان يتصرّف بوصفه رجل دولة، حتّى قبل أن يكون رئيس دولة. وهكذا كان الخلفاء من بعده، سواء الخلفاء الراشدون أو حتّى من أتى بعدهم. فعلى الرغم من الانحراف الذي شهدته الدولة الإسلامية مع نشوء الملك العضوض لم يغب الوعي السياسي عن الحكم والوسط السياسي في الأمّة الإسلامية، سواء زمان خلفاء بني أميّة أو زمان بني العبّاس في عهودهم الأولى، ثمّ في زمان السلاطين الأقوياء من بني عثمان. بل كان التاريخ شاهدا لكثير منهم بالعبقرية السياسية والمناورات السياسية والتعامل مع الدول ومع الملوك من زاوية العقيدة الإسلامية وحمل الإسلام رسالة إلى العالم، وهذا ما أدّى إلى أن تكون الدولة الإسلامية أقوى دولة في العالم في معظم عهودها.

 

إنّ الوعي السياسي بالمعنى الذي ذكرناه واجب على كلّ مسلم، فالأمر لا يتعلّق بالمستوى الفكري المتفاوت بين إنسان وآخر. فمع أنّ الناس يتفاوتون في قواهم العقلية ومدى متابعتهم للأحداث السياسية ومدى قدرتهم على تحليل الأحداث السياسية، فإنّهم جميعاً معنيون ومخاطبون شرعا بأن يتعاملوا مع الأحداث السياسية من زاوية العقيدة الإسلامية. فلا يجوز مطلقا لأيّ مسلم مهما كانت قدرته الفكرية ومستواه الثقافي، أن يتعامل مع الأحداث السياسية من زاوية قُطرية، فينظر إلى الأحداث بوصفه لبنانياً أو سورياً أو فلسطينياً أو عراقياً. فهذا الأمر لا يتعلّق بمدى قدرة الإنسان، وإنّما يتعلّق بمدى فهمه ووعيه على الإسلام ومدى التزامه للإسلام، وبالتالي بمدى تقواه وورعه. ولا شكّ أنّ في كلّ مجتمع نخبة هي الأقدر على فهم مجريات الأحداث السياسية وعلى التحليل وعلى إدراك ما يجري. وهذه النخبة بقدر ما تكون متّصلة بالرأي العامّ تكون مؤثّرة فيه وناقلة وعيها إليه. وهذا التأثير واجب على الأفراد الواعين والجماعات السياسية والمعاهد والمدارس السياسية الواعية على الأحداث السياسية.

 

لقد أشارت مستجدّات سوريا مؤخّرا بوضوح إلى ضعف الوعي السياسي عند معظم المسلمين. فبمجرّد سقوط النظام الطائفي المجرم في سوريا رأى كثير من أهلها ومن أهل الأقطار المجاورة المتأثّرة بما يجري فيها أنّ الغاية قد تحقّقت، وأنّ الأزمة قد انتهت، وما عليهم الآن سوى أن يلتفتوا إلى بناء دولتهم لأنّهم صاروا يملكون دولة. ولم يلتفتوا إلى أنّ السلطة الجديدة في سوريا لم تحمل معها المشروع السياسي الإسلامي، بل لم تحمل لهم أيّ مشروع سياسي أصلا، لأنّ المشروع السياسي الذي ينفّذ الآن في المنطقة - بما فيها سوريا - هو المشروع الأمريكي، ولم يروا ضيراً كبيراً في الأمر ما داموا قد تخلّصوا من ذلك النظام الطائفي المجرم. وهذا يعني أنّهم حتّى الآن لم يدركوا مَهمّتهم من حيث هم أمّة جعلها الله تعالى الأمّة الوسط الشاهدة على البشرية، ولم يدركوا أيضا خطورة أن تكون بلادهم وطاقاتهم جزءاً من النظام الاستعماري الأمريكي العالمي، ولم يدركوا خطورة التعايش مع كيان يهود الذي يخطّط لدولة تمتدّ من الفرات إلى النيل وجعلته أمريكا أداة في يدها لإخضاع المنطقة، ولم يدركوا أنّهم جزء من أمّة وليسوا شعبا سورياً تحدّه حدود ملعونة رسمها الكافر المستعمر، وأنّ قضيّة الأمّة الإسلامية هي أن تكون أمّة واحدة تعلوها سيادة الشرع وتعيش حياة إسلامية وتُرعى شؤونها بشرع الله، وتحمل الإسلام رسالة إلى العالم. ولم يتفطّنوا إلى أنّ النظام الاقتصادي الذي يحلّ أزمتهم الاقتصادية ويقضي على مشكلة الفقر ويُخرجهم من الارتهان للنظام الرأسمالي العالمي هو النظام الاقتصادي الذي حوته شريعتهم.

 

وممّا يؤلم في هذا كلّه أنّ من يرسّخ هذا الضعف السياسي هم مُفتون معمّمون يهوّنون من خطيئة الحكم بغير ما أنزل الله - وهي عند الله تعالى منكر عظيم - ما دام الحاكم مسلماً مصلّيا، فهو ولي أمر تجب طاعته، ولو كان موالياً لأعداء الله ورسوله والمؤمنين!

 

 

 

بقلم: الأستاذ أحمد القصص

 عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع