بسم الله الرحمن الرحيم
تحذير توم براك لبنان من عودته إلى أصله جزءاً من بلاد الشام!
اعتراف أمريكي ضمني أن مشروع وحدة الأمة بإقامة الخلافة هو المنافس الحقيقي الوحيد للمشروع الأمريكي في المنطقة
في 2025/7/12م، ومن خلال حواره مع صحيفة عرب نيوز، أطلق المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط توم برّاك سلسلةً جديدة من التصريحات التي تُعرّي المشروع الأمريكي في المنطقة، وتؤكّد على عمق المأزق الذي تمرّ به الإدارة الأمريكية في صعوبة تطبيق مشروعها لـ"الشرق الأوسط الجديد"... فقد كشف برّاك أن الولايات المتحدة سهّلت محادثات سرية بين لبنان وكيان يهود الغاصب "الولايات المتحدة سهلت محادثات خلف الكواليس بين لبنان (وإسرائيل)... الأمور تسير بوتيرة متسارعة"!، ومثلها وأسرع منها بين النظام الجديد في سوريا ويهود "لاحظت أن سوريا تتحرك بسرعة البرق لاغتنام الفرصة التاريخية التي أتاحها رفع العقوبات... استثمارات من تركيا والخليج، وتواصل دبلوماسي مع الدول المجاورة"! وأنه في حال لم يتحرك لبنان باتجاه الحل الأمريكي، فسيعود إلى بلاد الشام!، ملوِّحاً بورقة الحدود والانتماء السياسي، ومحذِّراً من مصير جديد للبنان إذا لم يسلك درب التطبيع والاستسلام "ترامب كان شجاعاً بمنح سوريا فرصة، وما حدث منذ تدخل الغرب وسايكس بيكو لم يكن جيداً..."!، و"إذا لم يتحرك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام"!. وبالنسبة لحلفاء أمريكا من الأقليات، والذين عقدت لهم بالأمس القريب المؤتمرات، ومنَّتهم هنا وهناك بالدويلات، فها هي تنقلب عليهم وتقول لهم على لسان مبعوثها نفسه: "وأكّد الموقف الأمريكي الرافض للفيدرالية في سوريا، مشدّداً على أن البلاد يجب أن تبقى موحّدة، بجيش وحكومة واحدة"، متابعاً: "لن تكون هناك ست دول، ستكون هناك سوريا واحدة، مستبعداً إمكانية إقامة كيانات مستقلة كردية أو علوية أو درزية"، و"أوضح المبعوث الأمريكي أن الولايات المتحدة لا تملي شروطاً، لكنّها لن تدعم نتائج انفصالية: "لن نبقى هناك إلى الأبد كجليسة أطفال"!. وفي رسالة دبلوماسية ذات فجاجة سياسية لا تقيم وزناً لوعود ولا لعهود، راح يتبجّح (بالعفو والصفح) عن منظماتٍ كانت بالأمس القريب تُصنّف عنده أنها (إرهابية)، فرفع عن هيئة تحرير الشام هذا التصنيف، وفتح أبواب التسوية أمام حزب إيران على سلاحه الثقيل رغم بقائه على لائحة (الإرهاب)! بل وأدار ظهره لـ"قسد" التي خدمته سنوات، مخيِّراً إياها بين الخضوع والاستبدال قائلاً: "لسنا مدينين لهم بحق إقامة حكومة مستقلة داخل الدولة... نعم نحن مدينون لك بواجب معاملتك بشكل معقول... إذا لم تكن معقولاً فإن بديلاً آخر يأتي إلى جدول الأعمال"! هذا هو منطق السياسة الأمريكية: الوظيفة مقابل البقاء، والاستسلام مقابل الرضا الأمريكي!... وهذه هي أمريكا التي لا عهد لها ولا ذمة.
أيها المسلمون في لبنان خاصةً وبلاد الشام عامةً: إننا نعلم أن أمريكا لا تهتم بمصير لبنان ولا سوريا، ولا ترى في شعوب المنطقة سوى أدوات ومطايا لصفقاتها وتحالفاتها، بل إنها فقط تهتم بدمج كيان يهود في نسيج المنطقة، وتطبيع وجوده كـ(شريك طبيعي)، في الوقت الذي تعمل فيه على تفتيت ما تبقى من روابط الأمة، وسرقة خيراتها، خاصة في ظل السباق الدولي على الغاز والمعادن الاستراتيجية، وصراعها الاقتصادي مع الصين... وإنّ ما قاله برّاك عن عودة لبنان إلى بلاد الشام، ليس زلّة لسان، بل هو تصريحٌ ذو بعد استراتيجيّ، يكشف أن أمريكا تتخوّف من عودة الأمة إلى أصلها، وإلى وحدتها، وإلى مشروعها السياسي الإسلامي، فهو تصريحٌ يحمل في طياته تهديداً واعترافاً في آنٍ معاً؛ تهديداً لمن يرفض الحل الأمريكي بالتطبيع والاستسلام أن يُعاد إلى أصله! واعترافاً بأنّ هذا الأصل - وحدة بلاد الشام، بل الأمة الإسلامية - ما تزال حيةً في الوعي، متجذرةً في الأرض، قائمةً في النفوس، رغم كل سني التغييب ومحاولات طمس الهوية الحقيقية لهذه البلاد، وهذا ما يشير إلى أن الأمة ما تزال تملك في داخلها جذوة النهضة الإسلامية، وأنّ مشروع الخلافة المعبِّر عن وحدة الأمة وليس فقط بلاد الشام والذي تحاربه أمريكا ويهود، ما يزال هو الخطر الأكبر على هيمنتها ومصالحها في المنطقة. وإنّ هذا التهديد يستعمله برّاك وإداراته كفزَّاعة لجعل (الأقليات) تخشى على مصيرها من هذا البديل، وبالتالي الارتماء في أحضان المشروع الأمريكي، حتى ودفعها إلى اعتباره مشروعها.
ونحن في حزب التحرير في ولاية لبنان لا يسعنا إلا أن نعتبر أنفسنا المعني الأول بمثل هذه التصريحات والرد عليها بكل اطمئنان:
- إنّ صعيد الصراع الحقيقي في المنطقة هو صراع حضاري بين الأمة الإسلامية والغرب العلماني الكافر، وهو صراع قِيَم ومفاهيم حضارية، وإنّ الغرب لم يتوانَ لحظة عن الكيد لهذه الأمة والبطش بها، وقد بدأ استعماره لها بهدم دولة الخلافة، وأتبعها بالتقسيم والشرذمة. وإننا نعلن أن نهاية هذا الاستعمار وزواله في منطقتنا لن يكون إلا بإقامة الخلافة الراشدة التي بشر بها رسول الله ﷺ أنها ستكون بعد هذا الحكم الجبري الذي نعيش في نهاياته اليوم، إن شاء الله تعالى.
- إنّ هذه التصريحات، رغم ما تحمله من تهديد وغطرسة، تعكس حقيقةً واحدةً، وهي أنّ المشروع الإسلامي الذي يسعى لوحدة الأمة، والذي يُعَبَّرُ عنه بإقامة الخلافة على منهاج النبوة هو ما بات يقلق دوائر صنع القرار في واشنطن ويعيد رسم حسابات الهيمنة والنفوذ في المنطقة، وعند يهود كذلك الذين عبَّروا بكل وضوح على لسان نتنياهو عن مخاوفهم من إقامة الخلافة على شواطئ المتوسط، بل وأبدَوا استعدادهم لضربها في أي مكان تقوم فيه.
- إنّ لعبة (الأقليات) التي يلعبها الغرب اليوم، والتي لعبها ضد الدولة الإسلامية من قبلُ لهدمها، إنما هي موجهةٌ إلى غير المسلمين ممن يعتبرهم المسلمون من رعايا الدولة الإسلامية، (لهم ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما عليهم من الانتصاف)، وهؤلاء عاشوا من قبل ولم يعانوا من أي ظلم، وقد سُجِّل للكثير منهم أقوال في مدح الحكم الإسلامي لهم... ولو نظرنا إلى ما صرح به توم برّاك مهدداً "قسد" وغيرهم ممن يعتبرهم (أقليات) من أنهم إذا لم يسيروا بحسب ما يدعوهم إليه فستكون عاقبته عليهم وخيمة، نرى بأنه يفضح دولته أنها تستعمل هؤلاء لمصالحها وليس لمصالحهم كما تدعي!... ونرى الفارق الشاسع بين تعامل الإسلام والمسلمين مع هؤلاء وبين تعامل أمريكا والغرب معهم، والتاريخ أكبر شاهد وأكبر فاضح.
أيها المسلمون، إنّ المشروع الإسلامي المتمثل بوحدة الأمة، أي بالخلافة على منهاج النبوة ليس فزّاعةً كما تحاول أمريكا ومبعوثوها أن تصوّره، بل هو مشروع الحياة الكريمة والعزة والعدل، وقد كشف برّاك - من حيث درى أو لم يدرِ - أن هذا المشروع الإسلامي السياسي؛ الخلافة على منهاج النبوة، هو المنافس الحقيقي الوحيد للمشروع الأمريكي، وأن الخوف الحقيقي في واشنطن وعند يهود هو من عودة الخلافة التي توحّد الأمة وتنهي التبعية.
أيها المسلمون، إننا في حزب التحرير/ ولاية لبنان، ندعوكم إلى أن تكونوا أنتم من يصوغ مستقبلكم بأيديكم، لا بأيدي الغرب، ولا عبر مؤتمرات تآمرية، ولا عبر تهديدات وتصريحات السفراء والمبعوثين؛ كونوا كما أرادكم الله أمةً واحدةً، لا شرقيةّ ولا غربيةً، تقود ولا تُقاد، وتحكم بالإسلام، لا بأنظمة سايكس-بيكو، تعيدون بأيديكم لبنان إلى أصله من جديد، جزءاً من بلاد الشام، بل بلاد المسلمين، فتكونوا الأمة الوسط التي وصفكم الله سبحانه وتعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.
التاريخ الهجري :20 من محرم 1447هـ
التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 15 تموز/يوليو 2025م
حزب التحرير
ولاية لبنان