الأحد، 08 رجب 1447هـ| 2025/12/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخوف الحقيقي للغرب: عالم مسلم موحد

 

في مقابلة أجراها مؤخراً مع شون هانيتي على قناة فوكس نيوز، أعاد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إحياء الخطاب المألوف عن "الإسلام المتطرف" والخلافة التوسعية والتهديدات التي تواجه الغرب. لم تكن تعليقاته تعكس فقط رسائل عقدين من الزمن بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، بل كشفت أيضاً عن شيء أعمق، وهو الخوف الكامن من عالم إسلامي موحد وقوي.

 

صاغ هانيتي أسئلته في سياق مبدأ "أمريكا أولاً" الذي دافع عنه ترامب. لفهم رد روبيو، لا بد من التذكير بعصر المحافظين الجدد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت السياسة الخارجية الأمريكية تدور حول الغزوات وتغيير الأنظمة وبناء الدول ونشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وقد تم ذلك وما زال تنفيذه مستمراً تحت ستار تعزيز النظام الليبرالي، بينما كان الهدف في الواقع هو توسيع النفوذ الأمريكي العالمي وتأمين المشروع الصهيوني وهيمنته الإقليمية.

 

أنفقت أمريكا تريليونات الدولارات في العراق وأفغانستان، لتواجه في النهاية مأزقاً وإذلالاً وسمعة عالمية مشوهة بسبب حرب لا نهاية لها. ومع ذلك، فإن خطاب "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا" الحالي، على الرغم من ادعائه رفض نزعة المحافظين الجدد في عهد بوش، يعكس المنطق نفسه؛ الخوف من الإسلام، والخوف من الكيانات الإسلامية "التوسعية"، والحديث عن أسلحة الدمار الشامل، وتشويه صورة المنافسين الجيوسياسيين، وتصنيع الدعم العام للتدخل. اللغة المستخدمة مؤخراً بشأن فنزويلا والتي تربط حكومتها بـ"الإرهابيين تجار المخدرات" المتحالفين مع "الإسلام المتطرف" هي مثال مثالي على رسائل المحافظين الجدد التي أعيد إحياؤها تحت علامة تجارية مختلفة ولكن بالطموحات الإمبريالية نفسها.

 

يثير روبيو المخاوف من "الإسلام المتطرف" باعتباره قوة ثورية عازمة على الهيمنة العالمية، فيقول: "لن يكتفوا أبداً بخلافتهم الصغيرة... إنهم يريدون التوسع... والسيطرة على المزيد من الأراضي... لديهم مخططات للغرب، وللولايات المتحدة، ولأوروبا..."، ومع ذلك، فهو أعمى عن نفاق الإمبريالية الأمريكية التي تحتفظ بأكثر من 750 قاعدة عسكرية في جميع أنحاء العالم، وآلاف الجنود في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وإيطاليا والبلاد الإسلامية، وتواصل دعم التوسع الإقليمي للكيان الصهيوني الذي يعمل أساساً كقاعدة عمليات أمريكية متقدمة في قلب البلاد الإسلامية.

 

في جميع أنحاء البلاد الإسلامية، تركزت معارضة السلطة الأمريكية بشكل مستمر على سياستها الخارجية التي تثبت أو تدعم الأنظمة الاستبدادية، وتدبر الانقلابات، وتحتل وتقصف الأراضي الإسلامية، وتفرض العقوبات الاقتصادية، وتتدخل في الحكم، وتفرض العلمانية، وتعارض الإسلام. ويمكن رؤية الأثر التراكمي لهذه السياسات في أفغانستان والعراق وليبيا وباكستان وفلسطين والصومال والسودان واليمن وغيرها. فقد قُتل الآلاف، ونزح الملايين، ودُمرت البنية التحتية، وانهار الاقتصاد، وهذه ليست مجرد أفكار مجردة، بل هي حقائق معاشة. إن تصوير معارضة مثل هذه النتائج على أنها عداء لـ"الحرية" هو مجرد تضخيم وهمي للذات.

 

معارضة الخلافة

 

لأكثر من قرن، عارضت العقيدة الاستراتيجية الغربية باستمرار عودة ظهور سلطة سياسية إسلامية موحدة تجسدها الخلافة. ولا ترجع هذه المعارضة إلى مجرد عدم الارتياح الثقافي أو المخاوف من التطرف، بل إنها مدفوعة بالواقع الجيوسياسي والاقتصادي والفكري. لقد عملت الخلافة تاريخياً كقوة عظمى، وأدى إلغاؤها إلى هيمنة الغرب على البلاد الإسلامية. وتشكل إقامتها تهديداً للنظام العالمي الحالي من خلال موقعها الجغرافي الاستراتيجي ومواردها الهائلة وحجم سكانها واستقلالها المبدئي.

 

الأنظمة الاستبدادية في البلاد الإسلامية هي جزء من خطة الغرب لمنع إقامة الخلافة. الغضب الشعبي ضد الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية لا ينبع من تطرف مجرد، بل من التجربة التي عاشتها هذه الشعوب تحت الحكم الاستبدادي المدعوم بالسيطرة الاستعمارية الأجنبية.

 

في مثل هذه السياقات، فإن النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها قوة مدمرة ليس نتاج تلقين متطرف، بل هو تعبير عقلاني عن اضطهاد مستمر. تكشف تعليقات روبيو عن هذا الخوف العميق من أمّة متحدة حقاً. فهي تكشف عن القلق من التآكل التدريجي للهيمنة الأمريكية واحتمال أن ترسم كتلة حضارية كبرى مسارها الخاص. من الضروري فهم هذا الأمر. وإن الترويج للخوف من "الإسلام الراديكالي" والتهديدات الأمنية في هذا السياق لا يتعلق بحماية المواطنين أو حتى الخوف من الدين، بل يتعلق بالحفاظ على الإمبراطورية.

 

حزب التحرير وتوحيد الأمة

 

إن إقامة الخلافة ليست "إسلاماً متطرفاً"، بل هي جزء من الإسلام الحقيقي. فالخلافة هي القيادة السياسية للأمة الإسلامية في العالم أجمع التي تطبق الإسلام. وهي واجبة وليست اختيارية. وغيابها هو إثم. يقول الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: "وَأَجْمَعُوا (العلماء) عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْبُ خَلِيفَةٍ، وَوُجُوبُهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ".

 

لقد كان حزب التحرير على مدى عقود في طليعة الجهود المبذولة لإقامة الخلافة وتوحيد الأمة. ويتميز حزب التحرير بكونه حزباً سياسياً إسلامياً عالمياً يتسم بثبات رؤيته وعمق أسسه الفكرية. ومنذ تأسيسه في عام 1953 في القدس، ظهر حزب التحرير بهدف واحد ووضع مواد مفصلة تحدد هيكل الخلافة وآلياتها الإدارية وأنظمتها الاقتصادية والقضائية والسياسية ومشروع دستور.

 

لم تكن هذه الأعمال بمثابة دراسات أكاديمية أو تأملات فلسفية، ولا مجرد دفاع عن الإسلام في مواجهة منتقديه، بل كانت تهدف إلى توفير إطار عملي لتنفيذ واضح ومنظم. ويعكس هذا التوجه العملي رؤية مستقبلية، لا حنيناً إلى الماضي، بل ثقة في قدرة الإسلام على تقديم حلول للحاضر والمستقبل. إن رؤيتنا هي إحياء نظام عالمي جديد قائم على العدالة والمساءلة والهداية الإلهية، نظام يتجسد في عودة الخلافة الراشدة، إن شاء الله.

 

اليوم، يعمل حزب التحرير كحزب سياسي عالمي يمتد من أمريكا إلى أستراليا. عبر بيئات ثقافية وسياسية متنوعة، حافظ الحزب على ثبات رؤيته وانضباط منهجه. وعلى الرغم من مواجهة الاضطهاد والقيود والتهميش الإعلامي في أجزاء كثيرة من العالم، استمر الحزب في التعبير عن رسالته بإصرار وعزم، من خلال وسائل فكرية وسياسية غير عنيفة لإقامة الخلافة في البلاد الإسلامية.

 

وعلى مدى عقود، ساهم حزب التحرير بشكل كبير في الارتقاء بالخطاب داخل الأمة الإسلامية، لا سيما من خلال إعادة تركيز الفكر السياسي حول غاية إقامة الخلافة. ولا يكمن إرثه في المواقف التي اتخذها فحسب، بل في إصراره على أن يفكر المسلمون بما يتجاوز السياسات التفاعلية والحلول الآنية، نحو رؤية شاملة متجذرة في الإسلام نفسه. وفي عالم يبحث عن بدائل للنظام العالمي الحالي الفاشل، يواصل حزب التحرير تقديم دعوة متماسكة ومبدئية ومستندة إلى أسس فكرية لإعادة تشكيل العالم نحو مستقبل عادل وكريم للأمة والإنسانية كلها. قال رسول الله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» (مسند أحمد)

 

 

التاريخ الهجري :1 من رجب 1447هـ
التاريخ الميلادي : الأحد, 21 كانون الأول/ديسمبر 2025م

حزب التحرير
أمريكا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع