برقيات- الإستدلال بالكتاب والسنة يتوقف على معرفة اللغة العربية
- نشر في ثقافية
- قيم الموضوع
- قراءة: 846 مرات
من حقق النظر، وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمتها في أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه، لأن مدحهم إياه، إن كان بحق وبلغه مدحهم له، أسرى ذلك فيه العجب، فأفسد بذلك فضائله، وإن كان بباطل فبلغه فسره، فقد صار مسروراً بالكذب، وهذا نقص شديد. وأما ذم الناس إياه، فإن كان بحق فبلغه، فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه، وهذا حظ عظيم، لا يزهد فيه إلا ناقص، وإن كان بباطل وبلغه فصبر، اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر، وكان مع ذلك غانماً، لأنه يأخذ حسنات من ذمه بالباطل، فيحظى بها في دار الجزاء، أحوج ما يكون إلى النجاة بأعمال لم يتعب فيها، ولا تكلفها، وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا مجنون. وأما إن لم يبلغه مدح الناس إياه، فكلامهم وسكوتهم سواء، وليس كذلك ذمهم إياه، لأنه غانم للأجر على كل حال، بلغه ذمهم أو لم يبلغه. ولولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء الحسن ذلك عاجل بشرى المؤمن لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل، أكثر من رغبته في المدح بالحق، ولكن إذا جاء هذا القول، فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل، فإنما تجب البشرى بما في الممدوح لا بنفس المدح.
ابن حزم
وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَىْ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ
حياكُم الله مستمعينا الكرام وأهلاً ومرحباً بكُم في الحلقةِ الخامسةِ منْ برنامجِ بينَ الحقيقةِ والسرابِ ...
هذه المرةُ لنْ أقفَ على برنامجٍ بعينِه بلْ سنتطلَّعُ على قناةٍ بأكملِها لنرَى حجمَ التَّعتيمِ والتَّزييفِ الذِي يسعى الإعلامُ لنشرهِ بينَ الناسِ، مستمعينَ كانُوا أم مشاهدينَ أم قراء ..
لقدْ تعددتِ الفضائياتُ وكثرَتْ على شاشاتِ التَّلفزةِ ، فقدْ أصبحَ التلفازُ يحوِي ما لا يقلُّ عنْ ألفِ قناةٍ كلُّها مسخرةٌ لضربِ الإسلامِ ، حتَّى تلك التي تزينَتْ برداءِ الإسلامِ لتخدعَ أبناءَ الأمةِ بكلامِها المعسولِ.
ومنْ بينِ تلكَ الفضائياتِ قناةُ ساهُورالفضائية السُّودانيَّة:
قناةٌ لتعظيمِ الرسولِ _عليهِ الصلاةُ والسلامُ_ ؟؟!!
حيثُ انطلقتْ تلكَ القناةُ السودانيةُ المتخصصةُ بتعظيمِ المصطفَى _صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم_ في يونيو 2007، منْ مدينةِ 6 أكتوبر بجمهوريةِ مصرَ العربية عبرَ القمرِ الصناعيِّ نايل سات، ويتمُّ تمويلُها عنْ طريقِ استقطابِ الدَّعمِ والهباتِ والتبرعاتِ منَ الأفرادِ والهباتِ الحكوميةِ والشعبيةِ والخيِّرين ،ومنْ أكبرِ مموِّليهَا الرئيسُ السودانيُّ المشيرُ عمرُ البشير.
وقدِ احتفلَتِ القناةُ بقاعةِ الصداقةِ بالخرطومِ بعيدِها الأوَّلِ في يونيو 2008 تحتَ رعايةِ عمر البشير، وبِمشاركةِ عددٍ منَ الفنانينَ والممثلينَ المصريين، أعلنَ ذلكَ الأستاذُ عبدُالله الطاهرِ مديرُ قناةِ ساهور الفضائية في منبرِ وكالةِ السودانِ للأنباءِ، موضِّحاً أهدافَ القناةِ المتمثلةِ في زيادةِ محبةِ وتعظيمِ النَّبي _صلَّى الله عليهِ وسلمَ_ في قلوبِ أبناءِ العالَمِ الإسلاميِّ بجانبِ قيامِها بالتَّعريفِ بتفاصيلِ سيرتهِ الزكيةِ العطرة، وذلكَ عنْ طريقِ المدائحِ النبويةِ والدراما والبرامج، حيثُ تبثُّ القناةُ يومياً قرابةَ المئتي مديحاً منْ أنواعِ المدائحِ النبويةِ ومُدَحِ الصحابةِ والعلماءِ والأولياءِ وآلِ البيت، كمَا أنَّ قناةَ ساهُور تعتبرُ أولُ قناةٍ متخصصةٍ في سردِ مزايا النبي _صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ_ إلى جانبِ تقديمِها لتجربةٍ نوعيةٍ في نشرِ المدائحِ السودانيةِ باعتبارِها إضافة أخرَى خارجَ السودانِ، والتي وَجدَتِ القبولَ منْ عددٍ منَ الفنانينَ العرب والمصريين، خاصةً مدائحُ الشيخِ البرعي وحاج الماحي ،وصارَتْ تُقدَّمُ بعيونٍ غير سودانيَّة،وكشفَ الطَّاهرُ عنْ أعمالٍ دراميةٍ جديدةٍ للقناةِ بمشاركةِ فنانينَ وممثلينَ سودانيينَ ومصريينَ ،وهي غزوةُ بدرٍ الكُبرى بقيادةِ الفنان أحمد ماهر والمخرجُ حمدِي النَّبوي ، وقال إنَّ قناةَ ساهور تُبَرمجَ على طلباتِ المشاهدينَ وقدْ تَمَّ إجراءً استبيانٍ لنصفِ مليون منَ المشاهدينَ ،نتجَ عنهُ أنَّ 60% منهُم يرغبُونَ في تقديمِ مدائحَ نبويةٍ عنْ طريقِ الموسيقى و40% عنْ طريقِ الطَّار.
هذا تبيانٌ بسيطٌ لوضعِ القناةِ، ولنْ أتوقفَ كثيراً عندَ حالِها فقدْ باتَ واضحاً لكُم أنَّها قناةٌ شبيهةٌ بالقنواتِ الغنائيةِ ، فبينَ المدحةِ والأخرى هناكَ مُدحة وهَذا حَالُ القنواتِ الغنائيةِ بينَ الأغنيةِ والأخرَى هناكَ أغنية.
ولمعرفةِ سببُ الإقبالِ على هذهِ القناةِ ومثيلاتِها عندَ النَّاسِ، نرى أنَّ السببَ قديمٌ منذُ سقوطِ دولةِ الخلافةِ الرَّاشدةِ سنة 1924 م ،فالأمةُ حينَها عانَتْ انحطاطاً فكرياً مؤلماً، ومنْ أسبابِ هذَا الانحدارِ انتشارُ الفلسفاتِ الدخيلةِ عَلى الإسلامِ، منهَا الفلسفةُ الهنديةُ والفارسيةُ واليونانيةُ التي خرجَتْ منهَا الصوفيةُ وتعظيمُ الرَّسولِ _عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ_ ،بالزُّهدِ عنِ الدُّنيا والظُّهورِ في المجتمعِ على شكلِ دراويش لا عقلَ لَهُم ، ومنذُ توسُّعِ الدَّولةِ ودخول الناسِ منْ شتَّى البلادِ في الإسلامِ أفواجاً، والتِي عجزَ علماءُ المسلمينَ وقتَها للتَّصدِّي لَها عَلى أساسِ العقيدةِ الإسلاميةِ، فاختلطَ الحابلُ بالنابلِ وغطتِ المفاهيمُ الفاسدةُ علَى المفاهيمِ الإسلاميةِ النقيةِ ، والطرقُ الصوفيةُ ما هيَ إلا امتدادٌ لهذهِ الفلسفاتِ العقيمةِ التي ضللَتِ المسلمينَ وحادَتْ بِهم بعيداً عنِ الإسلام، وعندَما يُصبحُ الفكرُ ضعيفاً تتحكمُ العواطفُ والمشاعرُ في الإنسانِ، ويقعُ فريسةً للخرافاتِ والخزعبلاتِ فيُصدِّقُها ويتأثرُ بِها ثُمَّ يعملُ بِهَا.
ومثالُ ذلكَ عبادةُ الهنودِ للبقرِ وتدحرجُ قساوِسَتُهم عَلى الأرضِ بدلاً منَ المشيِ لأنَّ الرجلَ قدْ رأى شيخَهُ أو إلههُ يأمرُه بذلكَ منْ خلالِ منامٍ رآه، وأمثلةُ الترَّهاتِ كثيرةٌ فمنهُم منْ يظنُّ أنَّ الروحَ تُفصلُ عنِ الجسدِ، والرُّوحُ هيَ الخيرُ والجسدُ وشهواتُه هوَ الشرُّ فيعذِّبُ جسدَهُ بالضربِ حتَّى تسموَ روحُه وترتفعَ إلى السَّماءِ..
وهؤلاءِ المداحونَ في قناةِ ساهُور يتبعونَ طرقَ شيوخِ الصوفيةِ، حيثُ يصلُ الشيخُ منهُم لدرجةِ القولِ أنَّ الصلاةَ قدْ رُفِعَتْ عنهُ لأنَّه لايأتِي بأيِّ فاحشةٍ أو منكرٍ، فقناةُ ساهُور ترسِّخُ تلكَ المفاهيمَ والأسوءُ منْ ذلكَ تصبغُها بالإسلامِ العصريِّ أو المتحضرِ حتَّى يتمَّ تضليلُ المشاهدينَ تماماً.
واضحٌ أنَّ القناةَ تروجُ لدينٍ كهنوتيّ، بعيداً عنِ الإسلامِ الحقيقيِّ فهي تصرفُ أموالاً طائلةً لتعميةِ البصائِرِ، بدلَ أنْ تبيِّنَ للناسِ أنَّ تعظيمَ الرَّسولِ _صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ_ ، يكونُ بتطبيقِ شرعِ الله وسنةِ نبيهِ، لا بالغناءِ والمدائحِ التي لا طائلَ منْ ورائِها..
كما رأيتُ خِلالَ مشاهدتِي لتلكَ القناةِ مدائحَ تجمعُ بينَ الرجالِ والنِّساءِ، يتناوبونَ في قولِ المدحةِ حيثُ تقولُ إحداهنَّ كلاماً ويردُّ رجلٌ بكلام، فإلَى أصحابِ العقولِ أقول :ما الفرقُ بينَهُم وبينَ الغناءِ الثنائِيِّ المشهورِ بينَ المغنِّينَ العاديِّينَ وهوَ ما يطلق عليهِ (الدّويتُّو)؟؟
نساءٌ متبرجاتٌ وأصواتٌ رنانةٌ فلا فرقَ إذاً ،لكنْ ما يُحزن قولُ بعض مشايخِ هذهِ الأيامِ أنَّ في الكلامِ فرقٌ، متغاضينَ عنِ الاختلاطِ والمحرماتِ التي تحدثُ ، وكم نجدُ منَ الناسِ من يتبع فتاوى أمثال هؤلاء المشايخ لا لشيءٍ إلا ليجدَ له شريكاً في الإثمِ ..
أموالُنا تُهدرُ وثقافتًنا تًقتلً وعَلى يدِ مَنْ ، عَلى أيدِي أبناءِ الأمةِ الذينَ يتغلغلونَ في جسدِها كالمرضِ العضالِ الذي لا فكاكَ منهُ إلا باجتثاثِه كلياً، فلا علاجَ إلا بالاستئصالِ نسألُ الله أنْ تكونَ االدولةُ قريبةٌ بإذنِه تعالَى لتستأصلَ كلَّ منْ يُحيك للإسلامِ والمسلمينَ مؤامراتٍ تُوقعُ بِهم وتزيدُ في جهلِهم..
أستودعُكم لله الذي لا تضيعُ ودائعُه وتصبحونَ على بيعةِ خليفة وقيامِ الخلافة ..
خنســــــــــــاء