الحوار الحي- الشركات في الاسلام -ج1
- نشر في اقتصادية
- قيم الموضوع
- قراءة: 1058 مرات
هناك مشهد لطيف ورائع تشرأب له أعناق الصغار والكبار، وتشد إليه أنظارهم بشيء من السرور والبهجة تصاحبهما صيحات معبّرة عن الدهشة والاستغراب، لتعجبهم مما يرون. ذلك بأن المشهد غير مألوف، وأبطاله ليسوا من البشر، وإنما من الكائنات غير العاقلة، تقوم بأعمال وحركات عجيبة وغريبة ليست في العادة من أعمالها وحركاتها. كالعزف على الآلات الموسيقية مثلا، أو الرقص على أنغام الموسيقى، أو قيادة الدراجات أو أي لعبة أخرى تبهر المشاهد.
وأثناء هذا العرض ومتابعة الأعمال التي تقوم بها تلك الحيوانات المُرَوَضَة تقفز إلى أذهان البعض أسئلة من مثل : كيف لهذا الحيوان غير العاقل أن يعمل هذه الأعمال ويؤدي هذه الأدوار بإتقان..؟ أو كيف له أن يكتسب هذه القدرة على محاكاة أفعال الإنسان..؟ أو كيف له أن يتجاوب مع الإنسان سلبا وإيجابا، ويفهم عنه ما يأمره به..؟ وكيف له أن يدرك كذلك أن جمهور المشاهدين يصفقون له فيقوم بدوره برد التحية عليهم..؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تخامر الذهن أثناء مشاهدة هذه المناظر. وهذا يدل على أن اللوحة الأمامية للمشهد، أي الحيوان وأعماله. هي التي شدت انتباه المتسائل وحجبت عنه من كان وراءها وسببا في تشكيلها. وأخفت عنه المبدع الذي أتقن إخراجها وتقديمها لجمهور المشاهدين. ألا وهو المُرَوِضْ صاحب الخبرة في ترويض الحيوانات الأهلية والوحشية. لأن العروض التي نشاهدها هي في الحقيقة من صنع المروضين وإنجازهم وليست من صنع الحيوانات وإنجازها، وإن كانت هي التي تقوم بأدائها على الوجه المطلوب منها. إذ الحيوان لا يدرك ماذا تعني هذه الأعمال، ولا يفهم مضمونها، ولا يعي ما المقصود منها، أو ما قيمتها في نظر المشاهد. ولا يعلم كذلك أنه مورد رزق لمن يملك رقبته ويستخدمه في مثل هذه العروض الشيقة. فهو (أي الحيوان) يؤدي هذه العروض استجابة لمروضه، أي للإنسان المميّز عنه بالعقل. الذي استطاع به - أي بهذا العقل - أن يكسب المهارة والقدرة على التحكم في هذه الكائنات غير العاقلة. إما بالترويض وإما بالتدجين. ويجعلها خاضعة لسلطانه وتسير وفق إرادته. فصاحب هذه الصنعة، يدرك أن هذه الكائنات لا تعقل ولا تفكر مثله، وأنها تسير في هذا الوجود بحسب غرائزها. فاستغل فيها هذا النقص، أي غياب العقل، وقام بترويضها وتدريبها كيفما شاء.
وعليه فإن عمل المروض حين ترويضه للحيوانات يختلف عن عمل المدرس في حصة تدريسه للتلاميذ. إذ المدرس في عمله يعول على الطاقة العاقلة في تلاميذه. فيقوم بتفعيل هذه الطاقة فيهم وتنشيطها. وذلك عن طريق التلقين والتعليم والاختبار. إلى أن يُنمِّي فيهم القدرة على التفكير وربط المعلومات ببعضها. وأما المروض فإنه لا يعول على هذه الطاقة في عمله لأنها معدومة في الحيوان. وإنما يعول على ما فيه من غرائز وحاجات عضوية. فيقوم باستغلالها لحظة ترويضه لها إلى أن يصير الحيوان خاضعا له ومنفذا لأوامره ومتقيدا بإشاراته. وذلك من أجل إشباع حاجة عضوية أو غريزية فقط ليس أكثر. أي مطواعا للمروض ومنقادا له من أجل الحصول على الطعام. كالفواكه والمكسّرات واللحوم.
فعملية الترويض إذا مرتبطة في الأصل بالناحية الغريزية والعضوية في الحيوان وليست مرتبطة بالعقل. وخلاصة القول، إن هذه المشاهد اللطيفة والمبدعة التي نستمتع بمشاهدتها هي من صنع الإنسان العاقل الذي استطاع أن يجعل لنفسه سلطانا على هذا الحيوان غير العاقل. وأما الحيوان وإن كان هو الذي يؤدي هذه الأدوار ويقوم بهذه الأعمال الرائعة، فإنه يبقى دائما وأبدا من البهائم والأنعام البكماء الصماء التي لا تعي ما يصنع بها هذا الإنسان.
هذا فيما يخص ترويض الحيوانات بصنفيها الوحشي والأهلي. وأما فيما يتعلق بعملية تدجين الحيوانات. أي جعلها تتأقلم مع البيئة البشرية وتألف العيش إلى جانب الإنسان. فإنها لا تختلف كثيرا في مضمونها عن عملية الترويض. إلا أنها أقل جهدا وعناءً منها. لكونها لا تتطلب خبرة عالية، ولا فنا خاصا. فمن السهل علينا جميعا تدجين الحيوانات التي تسمى بالأهلية. كالدجاج والحمام والماعز والبقر وغيرها. هذا هو حال الحيوان الذي سخّره الله للإنسان. ليدجّنه أو يروضه كيفما شاء. ولكي يستعمله في أشغاله وأعماله. كالأسفار وحمل الأثقال والحرث والحصاد والسقي والصيد والحروب. ولكي يتغذى بألبانه ولحومه. ولكي يتخذ من ريشه وأصوافه وأوباره وجلوده أثاثا ولباسا يقيه الحرّ والبرد. قال تعالى : {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}[المؤنون: 21/22]. وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ }[النحل: 80]. أمّا الإنسان فإن حاله يختلف عن حال الحيوان. ذلك بأنّ الله كرّمه وشرّفه وفضّله على سائر مخلوقاته. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: 70]. يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: " َيُخْبِر تَعَالَى عَنْ تَشْرِيفه لِبَنِي آدَم وَتَكْرِيمه إِيَّاهُمْ فِي خَلْقه لَهُمْ عَلَى أَحْسَن الْهَيْئَات وَأَكْمَلهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان فِي أَحْسَن تَقْوِيم " أَنْ يَمْشِي قَائِمًا مُنْتَصِبًا عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَأْكُل بِيَدَيْهِ وَغَيْره مِنْ الْحَيَوَانَات يَمْشِي عَلَى أَرْبَع وَيَأْكُل بِفَمِهِ وَجَعَلَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَفُؤَادًا يَفْقَه بِذَلِكَ كُلّه وَيَنْتَفِع بِهِ وَيُفَرِّق بَيْن الْأَشْيَاء وَيَعْرِف مَنَافِعهَا وَخَوَاصّهَا وَمَضَارّهَا فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة ". ويقول الطبري: " يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم } بِتَسْلِيطِنَا إِيَّاهُمْ عَلَى غَيْرهمْ مِنْ الْخَلْق، وَتَسْخِيرنَا سَائِر الْخَلْق لَهُمْ { وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ } عَلَى ظُهُور الدَّوَابّ وَالْمَرَاكِب". هذا هو الفارق بين الحيوان والإنسان. وهذا ما هو مشاهد ومحسوس في الواقع. وهنا نقف لنتساءل فنقول: هل هذا الإنسان الذي كرّمه الله بالعقل وشرّفه على سائر مخلوقاته من الممكن هو الآخر ترويضه وتدجينه. أي نحن الكائنات العاقلة هل من الممكن إخضاعنا لعمليات الترويض والتدجين. ويفعل بنا ما يفعل بالكائنات غير العاقلة؟ فإن كان هذا ممكنا، ورأينا نواصي بعض البشر بأيدي البعض الآخر يجرونهم بها جرّا حيث ما أرادوا، فهل هذا الأمر تم بسلطان أم بغير سلطان؟ وللجواب على هذا ينبغي علينا أن نتحول من هذا المشهد إلى مشهد ثان من مشاهد القرآن الكريم، لنرى ما جاء فيه عن هذا الأمر.
عودنا سياسيو دولة يهود على الاهتمام بكل يهودي على وجه الأرض، وهم يلاحقون حتى الرفات لجلبها إلى الأرض المغتصبة لدفنها فيها ولو كان بعد عشرات السنين من فقدان أصحابها أو موتهم، فمنذ أكثر من عشرين عاما ً وهم يلاحقون ويسألون عن طيار لهم فقد فوق أرض لبنان على حسب زعمهم، وكم أفرجوا عن أسرى لقاء رفات جنود لهم ماتوا أو قتلوا في أرض المعارك.
وبالأمس القريب قام العدو الغاصب بالإفراج عن عشرات الأسرى من أبناء فلسطين، أتدرون لماذا؟
إنه ليس لقاء الإفراج عن أسرى أو إرجاع رفات لتدفن في أرض الوطن حسب رأيهم وإنما لقاء دقيقة تسجيل مصور على شريط فيديو يظهر فيها الأسير شاليط حيا ً يرزق وبصحة جيدة. هذه الدقيقة المسجلة على الفيديو للأسير تساوي في عرفهم الإفراج عن عشرات الأسرى من أبناء فلسطين.
وهكذا ترى مدى اهتمام الأعداء بأبناء شعبهم وأبناء جلدتهم ودينهم فهم يبذلون الغالي والرخيص للحفاظ على أبنائهم بل وحتى على رفاتهم والاطمئنان على صحتهم ووجودهم وأن أسراهم يعاملون معاملة طيبة في الأسر عند أعدائهم.
أما إن نظرنا حولنا في عالمنا العربي والإسلامي نرى غير ما ذكرنا من اهتمام الأعداء بشعوبهم وأفرادها أينما كانوا. إننا نرى أن حكامنا وساستنا لا يهتمون بأمر رعاياهم وأفرادها وإنما ينزلون بهم أشد أنواع العذاب إرضاء لسادتهم الكفار المستعمرين، فإذا ذهبنا إلى باكستان نرى أن حكامها العملاء المجرمين يقومون بتل أبناء الشعب المسلم إرضاء لأمريكا الصليبية، ويتبع ذلك هدم للبيوت والمساجد والمدارس وتشريد للملايين إلى العراء حيث يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويقفون صفوفا ً طويلة منتظرين حسنة من محسن يتفضل عليهم بحفنة من أرز أو طحين، نعم هذا ما يقوم به ساسة باكستان وجيشها الذي وظفه الساسة المجرمون لقتل إخوة لهم في العقيدة والدين والتابعية، كما وأن هؤلاء الساسة يصدرون أوامرهم بملاحقة أبناء الشعب في الجبال والسهول في البراري والقفار بحجة محاربة الإرهاب الذي ابتدعته ساسة أمريكا الصليبيون حجة لقتل المسلمين ومحاربة الإسلام الذي ترى فيه أمريكا العدو اللدود لها ولاستعمارها وصلفها وغرورها وجشعها الذي يدفعها لإعلان الحرب على الأبيض والأسود من الناس وحصوصا ً المسلمين منهم ذوي العزة الذين لا يقبلون الذل أو الركوع لغير الله - سبحانه وتعالى-. هؤلاء المسلمون الذين ترى أمريكا أنهم التهديد المباشر لها ولاستعمارها ولطريقة عيشها الفاسدة التي تخالف الفطرة ولا يقبل بها عقل عاقل.
أما ساسة أفغانستان فإنهم رضوا على أنفسهم أن يكونوا مطايا للجيوش الصليبية الغازية التي احتلت اليلاد وأعملت القتل في المجاهدين الذين أبوا أن يرضخوا لجيوش الاحتلال وأخذوا يقاومونهم وينزلون بهم أشد الخسائر حتى أصبح الهروب من أفغانستان هو المصيطر على أذهان المحتلين وقادتهم، ولقد قتل هؤلاء المحتلون الآلاف المؤلفة من الشعب البائس المسكين الذي باعه ساسته للأعداء الصليبيين بأرخص الأثمان كرسي من خشب يحرق كل من جلس عليه، وقد أخذ هؤلاء الساسة على أنفسهم العهد أن يحافظوا على هذا الكرسي بكل السبل المتاحة مشروعة كانت أم غير مشروعة محاطين ومحروسين ومحفوظين بحراب الجيوش الصليبية المحتلة.
أما أبناء الشعب فلا بأس أن قتلوا بالغارات الخاطئة أو بالقصف الخاطىء أو على أيدي الجنود الجبناء والذين من جبنهم أصبحوا لا يفرقون بين عدو وصديق، أو بين مقاتل ومدني مسالم، فيخبطون خبط عشواء يقتلون الصديق قبل العدو ويهدمون البيوت على رؤوس أصحابها، وحكام أفغانستان يتفرجون ولا يحركون ساكنا ً ما دامت الأحداث لا تهدد كراسيهم وتبقيهم للحفاظ على الفساد والإفساد.
أما دول الخليج فإن سجونهم ومعتقلاتهم مملوءة بالمخلصين من أبناء الشعب والذين يرون الفساد ولا يسكتون عليه، يرون الإفساد فيقاومونه، والكل يعلم كم من أبناء العشب قتل وكم مات تحت التعذيب، ولقد ابتلعت رمال الربع الخالي المتحركة الآلاف من المعارضين والأدهى من هذا وأمرّ أنهم فتحوا البلاد للجيوش الغازية لاستعمالها ضد إخوان لهم في العراق وغير العراق حتى أصبحت البلاد محتلة من قبل الأعداء الصليبيين، وفي آخر المطاف يسمون أنفسهم حكاما ً وتعزف الموسيقى السلام الوطني لهم، وما دروا أنهم عبيد وأدنى من عبيد عند السادة المحتلين الذين لا يقنعون بالقليل وإنما بتسخير البلاد والعباد والثروات لخدمتهم.
وفي العراق أقدم الخونة على جلب الجيش الأمريكي الكافر ليحتل البلاد ويقتل العباد حتى كان القتل بمئات الآلاف وتشريد الملايين، وكل ذلك حتى يتمكن الكافر المحتل من نهب ثروات العراق والاستئثار ببترول العراق الذي لا ينضب، ولقد تمت سرقة ملايين البراميل من البترول وآلاف الأطنان من خامات اليورانيوم وغيره من المعادن حيث كانت تنقله طائرات المحتل صباح مساء.
وفي بلاد الشام فالسجون والمعتقلات ملأى بالشرفاء ذوي العزة والإباء والعقيدة الصافية الواضحة حتى أن السجين في بعض البلاد لا يعرف مكانه إلا بعد سنوات طويلة، ويمكث السجين عشرات السنين دونما محاكمة أوسؤال، وكم من أبناء الشعب مات تحت التعذيب أو تحت الأنقاض دونما محاكمة أو سؤال؟ وكم من أبناء الشعب مات تحت التعذيب أو تحت الأنقاض التي نتجت عن تهديم المنازل والمساجد التي قصفت بالمدافع وكانت المساجد هي جبهة الجولان الهادئة التي لم تطلق فيها رصاصة واحدة منذ احتلالها من قبل العدو الغاصب أو على الأصح سلمت لأرذال الخلق يهود وغيرهم؛ سلم البلاد والعباد للعدو الغاصب فأصبح الجميع أسرى لدى العدو يسومهم سوء العذاب يقتلهم ويعتقل الآلاف منهم.
أما الشمال الأفريقي فأجهزة أمنهم جلاوزة لا يرقبون في مؤمن إلا ً ولا ذمة، معتقلاتهم أمكنة عذاب وموت وسجونهم مقابر وحراسهم غلاظ شداد ينفذون أمر الحاكم الخائن دونما تفكير لقاء دريهمات معدودات.
هذا هو واقع الحال عدو يهتم بمواطنيه ويفديهم بالغالي والرخيص، وحكام نصبهم الكافر على المسلمين يسومونهم سوء العذاب حتى وصل الأمر بالكثير منهم أن يرفض استقبال أبنائهم الذين وقعوا أسرى غوانتانامو الرهيب والذين لا ذنب لهم إلا مقاومة الكافر وعملائه، فحكامنا صدق فيهم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم: " ألا إنه سيؤمر عليكم أمراء إن أطعتموهم أذلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم"، فهؤلاء هم شرار الأمراء الذين نبغضهم ويبغضوننا ونلعنهم ويلعنوننا، فمتى سيمن علينا رب العزة بأئمة خيار نحبهم ويحبوننا ونصلي عليهم ويصلون علينا عسى أن يكون ذلك قريبا ً وما ذلك على الله بعزيز.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أبو محمد الأمين
من أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها واستحقاق الفضائل بأسرها فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه أعاننا الله على الإتساء به بمنّه آمين.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ ". رواه أبو داود في سننه.
جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود( قوله صلى الله عليه وسلم ( رَدْغَة الْخَبَال ) : قَالَ فِي النِّهَايَة هِيَ طِين وَوَحْل كَثِير. وَقَالَ فِي الْأَصْل الْفَسَاد، وَجَاءَ تَفْسِيره فِي الْحَدِيث أَنَّ الْخَبَال عُصَارَة أَهْل النَّار.)
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:[فإن الحكم بين الناس يكون في الحدود والحقوق وهذا قِسمه الأول ويجب إقامته على الشريف والوضيع والضعيف ولا يحل تعطيله، لا بشفاعة ولا بهدية ولا بغيرهما ومن عطّله وهو قادر على إقامته فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً وهو ممن اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً، ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا بد من إمارة برة كانت أو فاجرة. فقيل: يا أمير المؤمنين هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة؟قال: يُقام بها الحدود وتؤمّن بها السبل ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء].
إن حكام هذا الزمان بعدم حكمهم بما أنزل الله وهم قادرين على ذلك، وبتعطيلهم إقامة الحدود الشرعية وهم قادرين على ذلك، وبتعطيلهم الجهاد في سبيل الله وهم قادرين على ذلك، وبرفضهم نصرة دين الله وهم قادرين على ذلك، استحقوا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، واستحقوا خلعهم عن سدة الحكم فهم لا يُقيمون إلا الحدود المصطنعة بين المسلمين، ولا يقاتلون إلا المسلمين الذين عصم الله دماءهم ولا يُؤمّنون السبل إلا للكفار يعيثون في البلاد والعباد الفساد، يستأثرون بالثروات والمليارات وشعوبهم جياع وكأن تلك المليارات من كدّهم وكدّ آبائهم وأمهاتهم، إن هؤلاء الحكام الخونة اللصوص لن يُطيح بهم إلا العمل الجاد مع العاملين لإقامة دولة الخلافة والتي تُقيم الحدود وتُؤمّن السبل وتجاهد في سبيل الله لحمل الإسلام رسالة إلى الناس كافة.
نعيش أياماً مباركة ،،أيام عشر ذي الحجة أقسم بها رب العزة حيث قال : {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} الفجر . وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم ، ايام قال بها أيضا عز وجل : {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } ( سورة الحج : الآيتان 27 -28 ) . حيث أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية قوله : " عن ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات أيام العشر. سماها بالأيام المعلومات لعظيم فضلها وشريف منزلتها،
أيام نرى من الواجب أن نقف فيها مع أنفسنا لنغرف من فضائلها ولا نجعلها تمر علينا مروراً عابرا فهي أيام أيام شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها افضل أيام الدنيا حبث قال : عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء ) ( أبو داود)
أيام فيها يوم عرفة ، يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً، وإن فيها يوم النحر والذي قال بها المصطفى عليه الصلاة والسلام (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر(، رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.ولا ننسى أن فيها اجتماع أمهات العبادة ،وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها.
أخواتي وإخوتي الكرام ،، كيف نستقبل تلك الأيام المباركة ؟ وكيف نستفيد من كل دقيقة فيها ؟
لنبدأها بالتوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة،{وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31].،، او لنغتنم هذه الأيام بعمارتها بالأعمال والأقوال الصالحة، ونقرن ذلك بالبعد عن المعاصي فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه ؛؛ فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فأحذر الوقوع في المعاصي وجاهد هوى نفسك ..قال الرسول صلى الله عليه وسلم : :-أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه.
وعلينا بالتقرب إليه سبحانه بمزيد من العبادات والنوافل كالصيام وقد خص النبي صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبين فضل صيامه حيث قال :
(صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده) [رواه مسلم]. ، وكذلك الصلاة وهي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، فعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، وقد قال النبي فيما يرويه عن ربه: ) وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه) [رواه البخار]. واجعل لسانك دائماً رطباً بذكر الله وأكثِر من التكبير والتحميد والتهليل والذكر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: -( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) [رواه أحمد]. وقال البخاري : كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها. وقال: وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به بمفرده.
تأكد من القراءة والقيام فيها - وروي عنه أنه قال:(لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر) كناية عن القراءة والقيام.
ولا ننسى الصدقة وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث الله عليها :{يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون} [البقرة:254]، وقال رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم : (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) رواه الترمذي ..وإلى القادرين نقول عليكم بتطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } وفيها ثواب عظيم بإذن الله تعالى منها ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبُّ إلى الله من إراقة الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها، وأظلافها، وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً)
إذن اجعلوا من هذه العشر منعطف خير في حياتكم , , وكونوا أقرب إلى الله عند نهايتها منكم عند بدايتها , ولا تجعلوها تمر بدون استغلالها لفلاحكم في الدنيا والآخرة ،، فلا تضيعوها في أمور الدنيا الفانية ، وأنتِ أختي الفاضلة لا تضيعيها في الأسواق وصنع الحلويات وتزيين البيوت ،، لا نقول اهملي بيتك ونفسك ، ولكن لا تجعليها وتجعلي الدنيا أكبر همك ومبلغ علمك ،،
اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ؛وتقبل منا برحمتك ياأرحم الراحمين .
وتقبل الله الطاعات ، وكل عام وأنتم من الله أقرب ,,