الإثنين، 02 رجب 1447هـ| 2025/12/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

إضاءات على تاريخ الدولة الإسلامية- سيرة أبو بكر الصديق

  • نشر في من الصحابة والسلف
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1635 مرات


وتمضي المسيرة ويظهر الله الإسلام، ويحقق الله وعده بتحقيق نصره للمسلمين ويدخل الناس في دين الله أفواجا فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتدين العرب بالإسلام، ثم يُقْبضُ رسول الله.


صحيح أن موت رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب جلل بل هو أعظم خطب ألم بالمسلمين، كيف لا وقد انقطع الوحي من السماء. ولكن هل بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم تنتهي المسيرة، ويختفي نور الإسلام، وتعود الجزيرة العربية إلى شركها وضلالها، لا وألف لا. فلقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرين لن نضل ما تمسكنا بهما: كتاب الله وسنة رسوله وقد ترك وراءه صلى الله عليه وسلم كتلة الصحابة رضوان الله عليهم وهي أنقى كتلة عرفتها البشرية في تاريخها كله، فماذا حدث بعد ذلك تعالوا معنا نلقي بعض الإضاءات على سيرة أبي بكر في تدبيره لأمور المسلمين.


يتولى أبو بكر أمر المسلمين بعد بيعة الانعقاد في السقيفة وبيعة الطاعة في المسجد ثم يقف خطيباً في المسلمين إذ نعى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تالياً قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144) ثم قال: أيها الناس من كان يعبد محمداًَ فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت. ثم بين بإيجاز بليغ بعض سياسته في الرعية بقوله: "وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم" ثم يتولى دفن رسول الله.


يتولى أبو بكر الخلافة بعد رسول الله الذي كان يقوم بجميع الأعباء فكان عليه السلام يتلقى الوحي من الله كما كان يقوم بأعباء الحكم والقضاء ولم يكن أحد يبت في أمر إلا بعد الرجوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يستطيع أبو بكر أن يملأ الفراغ الذي تركه رسول الله؟ لا شك إنه يستحيل على رجل أن يملأ الفراغ الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي وأما غيره فلا يتنزل عليه وحي ولكن أبا بكر قام بأعباء الحكم خير قيام وسلك في تدبير أمور المسلمين سلوكاً رائعاً وقد عمل من الأعمال في عهده الذي استمر سنتين وأقل من أربعة أشهر، عمل أعمالا لا يستطيع غيره أن ينجزها في عقود كيف لا وكان أبو بكر مألفاً محباً للناس وقد ملك عليه الإسلام عقله وقلبه وبدأ رضي الله عنه يحل المشاكل التي واجهته.


لقد بدأ عهده بداية رائعة ورسم طريق حكمه فماذا يفعل في المشاكل التي واجهته؟


لقد كان جيش أسامة خارج المدينة ينتظر الأمر بإنفاذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالخروج للجهاد شمال الجزيرة العربية فقبض رسول الله وأطلت فتنة المرتدين فهل يبدأ أبو بكر عهده بنقض أمر رسول الله بادخار قوة جيش أسامة لمحاربة المرتدين وإلغاء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد رفض أبو بكر مشورة كل من أشار عليه بذلك وأبى أن يبدأ عهده بعدم إنفاذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أسامة بالذهاب إلى حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا أسامة حيث أمر أسامة حيث أُمر ثم عاد مكللا بالنصر.


أما مشكلة المرتدين والتي أطلت برأسها في أواخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأها مسيلمة الكذاب في نجد وأخذ يلملم نجداً حوله، وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفاقم أمر المرتدين فارتد الكثيرون من أهل اليمن وحضرموت وبعض القبائل العربية حول المدينة، وارتدت كما قلنا بنو حنيفة ثم هوازن، ولم يسلم من الارتداد إلا المدينة المنورة ومكة والطائف وقد كان المرتدون قسمين: قسم اتبع أمر من ادعى النبوة كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي بدواعي العصبية القبلية، إذ كيف يظهر نبي في قريش ولا يظهر نبي في بني حنيفة أو بني تميم أو قبائل اليمن أما القسم الثاني فرفض دفع الزكاة ظنا منه إنما الزكاة لمحمد صلى الله عليه وسلم ومحمد قد مات فلا زكاة لمن يخلفه.


إذن فقد وضع حلف المرتدين على طاولة البحث فكيف يطوى هذا الملف، لقد رأى بعض الصحابة وعلى رأسهم عمر أن يفرق بين من أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ اعتبروه كافرا مرتدا يجب إعادته للإسلام وبين من أنكر دفع الزكاة باعتباره فسق وبالتالي في زعمهم لا يجب قتال منكر الزكاة أما أبو بكر رضي الله عنه فقد نظر للمرتدين نظرة ثاقبة كلها وعي وعمق واعتبرهم حالة واحدة فإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم تماما كإنكار الزكاة ولا يجب أن يفرق بين الصلاة والزكاة، فمنكر الصلاة ومنكر الزكاة مرتد ومنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مرتد، ويجب محارتهم جميعاً وإعادتهم لحظيرة الإسلام وظل مصمما على رأيه وأخذ يقنع الصحابة إلى أن أقرو بصحة رأيه وقد بلغ من شدة حزمه ودعيه في هذا الأمر مبلغا عظيماً إذ قال: "والله لاقاتلن من يفرق بين الصلاة والزكاة والله لأقاتلنهم بمن وافقني الرأي والله لو عصتني يساري لقطعتها وقاتلنهم بيميني، والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدنوه لرسول الله لقاتلتهم عليه" فيا الله أي وعي هذا، وأي تصميم هذا، وأي حزم هذا، حتى إنه قال لعمر: "أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام" فيا الله هل يصدر هذا الحزم وهذا التصميم من رجل مألف محبب كأبي بكر نعم أيها السادة هذا صحابي رسول الله وهذا الصديق بل هذا هو خليفة رسول الله وهذا هو أمير كتلة الصحابة أنقى جماعة بشرية عرفها التاريخ.


ثم يسير الجيوش يقود بعضها بنفسه لا يضيع وقتا ولا ينتظر عودة جيش أسامة ثم أخذ يحشد الجيوش بعد عودة جيش أسامة مكللا بالنصر فيرسل أحد عشر بعثا لحرب المرتدين وعلى رأسهم كبار الصحابة فيرسل خالداًَ وعكرمة وعمرو بن العاص وغيرهم ويأمر بعضهم إن حصلت له هزيمة ألا يري وجهه المسلمين خوفا من أن يفت ذلك بعضدهم، وما هي إلا أسابيع ويصاب عكرمة بهزيمة ويكاتب أبا بكر فيكتب له أبو بكر لا تريني وجهك إلا منتصرا فيغادر عكرمة نجد إلى عمان فيحقق النصر وما هي إلا شهور حتى تكللت جيوش المسلمين بالنصر وعادت الجزيرة العربية إلى إسلامها.


أيها السادة لقد كانت مشكلة المرتدين فظيعة إذ يكفي أن تعلموا أن استشهد في حرب اليمامة وحدها أكثر من ستمائة من حفظة القرآن الكريم فكم كان عدد الشهداء في المعارك الأخرى. إن فتنة المرتدين أظهرت أن المسلمين لا يشق لهم غبار وأنهم متفانون في حمل الإسلام ولديهم طاقات وطاقات تحتاج لأمير واع لاستغلالها وقد كان هذا الوعي جديرا بذلك إنه أبو بكر لقد أظهر المسلمون من الشجاعة ما يفوق الوصف وما خالد والبراء بن مالك وعكرمة وآلاف غيرهم إلا أمثلة ناصعة على ما نقول ومن أراد الاستزادة فلديه كتب التاريخ.


أيها السادة: إن الاضاءات على عهد أبي بكر في قمعه لفتنة المرتدين تبين لكل ذي عين أن دين الله كان أغلى ما لدى المسلمين إذ كيف يتأتى للمدينة ومكة والطائف أن تعيد الإسلام ديناً يعتنقه العرب في زمن قياسي لقد تمخض عن سحق فتنة المرتدين أمرين عظيمين أما الأمر الأول فكان الخوف على القرآن أن يضيع من الصدور لكثرة من استشهد من الحفظة وأما الأمر الثاني فهو أن لدى المسلمين من قوة العقيدة ومن التفاني في حمل الإسلام للعالم ومن شدة البأس ما يؤهلهم لحمل الإسلام بالجهاد لفارس والروم في آن واحد. وقد تمكن أبو بكر من جمع القرآن وقد كان مكتوبا، جمعه في مكان واحد وأناط هذا العمل الكبير لعدد من حفظة القرآن وعلى رأسهم زيد بن ثابت وقد نهضوا بالمهمة على أتم وجه وجمع القرآن في مكان واحد وبهذا أمن المسلمون من ضياع القرآن، والقرآن لن يضيع وسيبقى محفوظاً بحفظ الله تعالى قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)


وأما الأمر الثاني فقد جيش أبو بكر الجيوش فأمر أربعة من كبار قادة المسلمين على أربعة جيوش ووجهها إلى الشام بعد أن أوصى جند الإسلام ألا يغلوا ولا يغدروا ولا يقطعوا شجرة مثمرة ولا يقاتلو إلا المقاتلين وأن يدعوا أقواما حبسوا أنفسهم بالصوامع، هكذا يكون القتال فلا غل ولا غدر ولا نقاتل إلا من يقاتلنا ولا نقتل من حبس نفسه للعبادة سارت هذه الجيوش على بركة الله وقد صادفت نجاحا كبيرا ونصرا عظيما ولكن الروم أجمعوا أمرهم أن يسحقوا المسلمين إذ وسوس لهم الشيطان كيف يجرؤ المسلمون على حربهم وقد كانوا قبل الإسلام عبيدا، كان يتشرف العربي منهم أن يقابل أميرا روميا من الدرجة الخامسة فكيف يجرؤون الآن على تحدي سادتهم وأولياء نعمتهم رغم أنهم رأوا بأسا عظيماً وأمرا جللا وتفانيا من المسلمين ما بعده تفان في مؤتة وفي بعث أسامة فقرر الروم أن يجهزوا جيشا يسحق المسلمين فأدرك المسلمون الخطر الداهم وشاوروا أبا بكر فقر الرأي أن ينحاز المسلمون لليرموك وأمر أبو بكر خالدا بالسير عاجلا من العراق إلى الشام لوضع الأمور في نصابها وملاقاة الروم في معركة لها ما بعها فنهض خالد بالمهمة وانتقل إلى الشام ووصلها في ومن قياسي لا يزال المؤرخون والقادة العسكريون حيارى من سرعة وصول خالد، وبعد أيام وأيام يلتقي الجيشان في اليرموك جيش الروم وبأعداد تقارب الثلاثمائة ألف والمسلمون أقل من أربعين ألفا يلتقي الجيشان في اليرموك وينزل الله نصره على المسلمين وقد كان أبو بكر قد انتقل إلى الرفيق الأعلى والمسلمون يقاتلون أعداءهم فتم النصر في أوائل عهد عمر.


أما الفرس فقد وجه أبو بكر قوات كبيرة إلى العراق يقودها المثنى ثم أتبعه خالدا فأصبح خالد على رأس المجاهدين في العراق قبل أمره بالانتقال إلى الشام وقد حرص أبو بكر رضي الله عنه أن يكون الفتح رحيما في الشام والعراق ولهذا أبى أن يشارك في الجهاد كل من أصابته لوثة الردة حرصا منه على نقاء المسلمين ونقاء الجهاد وليبعد كل شبهة عن الجهاد للمغانم أو لبسط السيطرة والنفوذ ورغم أن من أصابتهم لوثة الردة كانوا عددا كبيرا إلا أن هذا لم يجعل أبو بكر يغير رأيه فكان له ما أراد فانطلق الجمع المبارك كما قلنا إلى فارس وعقدت للمسلمين ألوية النصر رغم المقاومة الضارية التي أبداها الفرس وظل الأمر على حاله لم يجاوز المسلمون الفرات شرقا إلى أن جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومرت مدة كافية على من تلوث بالردة وحسنت توبتهم فأمر ابن الخطاب بإشراكهم بشرف الجهاد فجيش الجيوش وأرسل سعداً وحشد المسلمون جمعهم في القادسية وسار الفرس بجمع كبير للقادسية وكان هذا كما قلنا في عهد عمر.


هذا تاريخكم أيها السادة، ألا فلتعلموا يا شباب الإسلام أن البشرية بحاجة لكم، إن البشرية تناديكم أن قد ظهر الفساد في البر والبحر فمن يقمع الفساد إلا أنتم ومن ينقذ البشرية إلا أنتم؟ ومن يرفع راية هذا الدين إلا أنتم؟ إن أجدادكم كما رأيتم حملوا الإسلام بالجهاد لأعظم دولتين في العالم في آن واحد لا يبتغون إلا رضوان الله وهم مدركون إنما هي إحدى الحسنين: إما النصر أو الشهادة فلقد تكفل الله لمن يحمل هذا الدين بصدق بالنصر قال تعالى: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(الروم: من الآية47) فهبوا أيها المسلمون هبة رجل واحد واستأنفوا الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة توحدون بها صفوفكم وتلمون بها شعثكم والله إن هذا لهو الشرف العظيم وهو عز في الدنيا وفوز في الآخرة فلمثل هذا فليعمل العاملون ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أبو بكر

إقرأ المزيد...

شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح28)- شرح المادة (152)

  • نشر في الدستور
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1657 مرات


وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

نص المادة 152:
( نفقات بيت المال مقسمة على ست جهات هي :
أ‌- الأصناف الثمانية اللذين يستحقون أموال الزكاة يصرف لهم من باب الزكاة، فإذا لم يوجد مال في باب الزكاة، لا يصرف لهم شيء.
ب‌- الفقراء والمساكين وابن السبيل والجهاد والغارمين إذا لم يوجد في باب أموال الزكاة مال، صرف لهم من واردات بيت المال الدائمة، وإذا لم يوجد، لا يصرف للغارمين شيء، وأما الفقراء والمساكين وابن السبيل والجهاد، فتحصل ضرائب لسد نفقاتهم، ويقترض لأجل ذلك في حالة خوف الفساد.
ج- المصالح والمرافق الأساسية كالطرقات والمساجد والمستشفيات، والمدارس، يصرف عليها من بيت المال، فإذا لم يفِ ما في بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه النفقات.
هـ- المصالح والمرافق الكمالية، يصرف عليها من بيت المال، وإذا لم يوجد ما يكفي لها في بيت المال لا يصرف لها ولا تؤجل.
و- الحوادث الطارئة كالزلازل والطوفان، يصرف عليها من بيت المال، وإذا لم يوجد، يقترض لأجلها المال في الحال، ثم يسدد من الضرائب التي تجمع.


هذا نص المادة إما في ما يتعلق بشرحها:
فالفقرة (أ) من هذه المادة: تحديد لمصارف الزكاة الثمانية أصناف التي حصرتهم الآية الكريمة ، وقصرتها عليهم، وخصتها بهم وهي قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) فلا يجوز أن يعطي منها غير هذه الأصناف الثمانية، لأن الآية صُدِّرت ب (إنما) التي تفيد الحصر والقصر وجاءت بعدها لام الملك. فدل ذلك على حصر استحقاق الصدقة وملكيتها في هذه الأصناف الثمانية.


وأما الفقرة (ب ): فالإنفاق على الفقراء والمساكين والجهاد وابن السبيل، واجب على بيت المال في حال وجوده، وعلى المسلمين في حال عدم وجوده، لأنها مما أوجبه الله تعالى على بيت المال وعلى المسلمين، لذلك فإنه يفرض على المسلمين ضرائب إن لم يكن في بيت المال مال، وذلك واجب شرعه الله سبحانه.


وإما بالنسبة للغارمين أي المدينين، فإنه مما أوجبه على بيت المال، ولم يوجبه على المسلمين، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أنا أولي بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دينا فعلي، ومن ترك مالا فلورثته ) وعليه هنا بوصفه رئيس الدولة، فهو مما أوجبه الله على بيت المال، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه ) فمن هذا الحديث، والذي قبله يتبين أن الدين على بيت المال، فإن كان في بيت المال مال وجب صرفه، وإن لم يوجد مال لا تفرض لأجله ضرائب، لأنه لا يوجد ما يدل على أنه فرض على المسلمين، ولأن حديث جابر رضي الله عنه: ( فلما فتح الله على رسوله قال: أنا أولى بكل مؤمن) الحديث، وفي لفظ (فلما فتح عليه الفتوح ) فإنه دليل على أنه إنما يدفع من بيت المال إذا وجد.


وأما الفقرة (ج): فإن دليلها أن التعليم فرض على الدولة، وعليها أن توظف له موظفين، ولا يتأتى توظيفهم بغير أجرة، لذلك لا بد أن تصرف إليهم رواتب، من حديث ( للغازي أجره وللجاعل أجره)، وكذلك القضاء، فهو واجب أيضا وعلى الدولة أن توظف قضاة ليفضوا الخصومات بين الناس، والله أمر المسلمين بإقامتهم، فقد أوجب عليهم دفع أجرة من يقوم بالقضاء من باب دلالة الالتزام، أي إيجاب أقامة القاضي يلزم منها إيجاب دفع أجرته، ومن باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا لا يوجد في بيت المال مال، فرض على المسلمين الضرائب.


وكذلك أرزاق الجند، فإن الله تعالى قد فرض الجهاد، وفرض على بيت المال أرزاق من يشتغلون بالجهاد والشؤون الحربية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (للغازي أجره)، والغازي: هو من يكون غازيا بأجرته، فتكون أجرة من يقوم بهذا الواجب من الأجراء أي من الموظفين على بيت المال فإن لم يوجد في بيت المال مال، صار واجب دفع أجرتهم على المسلمين، فتفرض له ضرائب.


وأما الفقرة ( د): فدليلها قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار) وإزالة الضرر واجبة على الخليفة، وواجبة على المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: (من ضار أضر الله به، ومن شاق شاق الله عليه)، فلأن عدم توفير المصالح والمرافق الضرورية يصيب الأمة بضرر، وإزالة الضرر واجبة على الخليفة وعلى المسلمين، لذا يجب دفع المال الذي يلزم، من بيت المال فإن لم يوجد في بيت المال مال فرضت الضرائب على المسلمين لإزالته.


وأما الفقرة (هـ): فإن دليلها دليل رعاية الشؤون، وهو ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته) فسد النفقات الواجبة على سبيل الإرفاق والمصلحة دون بدل، هو من رعاية الشؤون .


وبما أن عدم سدها يسبب ضررا للأمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار) فهذان الحديثان هما دليل وجوب المصلحة والإرفاق على الخليفة، ولذلك يجب عليه القيام بها مطلقا، سواء أكانت من الضروريات أم من الكماليات، ولا يجب على المسلمين إلا ما يحقق الضرر، فالمصالح الكمالية لا تجب على المسلمين، لأنه لا يصيب الأمة ضرر من عدم القيام به، أما بيت المال فيجب عليه القيام بكل ما ينفع المسلمين، وبكل ما يوجد من عدم القيام به ضرر على المسلمين..


وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبو الصادق

إقرأ المزيد...

نصائح للآباء والأبناء ح4

  • نشر في من حضارتنا
  • قيم الموضوع
    (0 أصوات)
  • قراءة: 1695 مرات


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يتجدد اللقاء الأسبوعي معكم في موضوع ، نصائح للآباء والأبناء
فحياكم الله معنا ، وجزاكم الله كل خير على حضوركم

إخواني الكرام أخواتنا الكريمات ،،
نصائحنا اليوم للوالدين العزيزين ، وكذلك لأبنائنا فلذات أكبادنا ستكون نصائح متصلة بعضها ببعض ، وإن جاز لنا القول ستكون النصائح مكملة لبعضها البعض .
ذلك أننا سنتناول موضوعا هاما وجب الانتباه إليه جيدا ، وغرسه في نفوس أبنائنا منذ صغرهم ، ألا وهو كيف نجعل من أبنائنا قادة ملهمين وساسة مبدعين وكذلك نرشد أبناءنا كيف يكونوا قادة لا منقادين .
وهذا الأمر كما قلت من الأمور الهامة التي يجب على الآباء الانتباه لها ، وهذا الأمر يتطلب بداية توضيح معنى القيادة فالقيادة هي كما جاء في الغني : (مصدر. قاد). ."قيادة شعب" : تدبير شؤونه، ترؤسه.
وفي المحيط : الترؤس وتدبير أمور الآخرين
فالقائد سياسي إذ أن السياسة هي رعاية الشؤون ، فعلينا أن نجعل من أبنائنا قادة وسياسيين


ولكن كيف ؟
أولا، بتنبيههم لحقوق الآخرين "من أبوين وإخوة و ... "منذ السن المبكرة في حياتهم ، فعلى الأبوين تعليم أبنائهم معنى احترام والديه وطاعتهما وبرهما ، فيربيان أبناءهم على مراعاة حقوق الوالدين، فلا يمشي أمامهما ولا يناديهما بأسمائهما مجردة هكذا، بدون كلمة أمي أو أبي، ولا يجلس قبلهما، ولا يتضجر من نصائحهما، ولا يخالف أمرهما، ولا يبدأ بالطعام قبلهما، وأن يدعو لهما ولا يرفع صوته أمامهما، ولا يقاطعهما أثناء الكلام، ولا يخرج إلا بإذنهما، ولا يزعجهما إذا كانا نائمين، ولا يمد رجليه عندهما، ولا يدخل قبلهما، ويلبي نداءهما بسرعة، إلى غيرها من الآداب مع الوالدين .


ومن ثم ينتقلون إلى احترام إخوانهم وأقاربهم وجيرانهم ، حتى معلميهم في مدارسهم فيعمل الأبوين على ترغيب أولادهم في توقير الكبير ورحمة الصغير وحب المساكين والداعين إلى الخير والإحسان لهم بما يقومون به من أمر بمعروف ونهي عن منكر .


وعلى الأبوين الانتباه إلى أمر هام ألا وهو تعويد الولد على أنه مسؤول ، فهو مسؤول عن نفسه أولا ، بالقيام بأموره التي يقدر عليها حسب سنه ، من ترتيب سريره وطي ثيابه والتخلص من القمامة ، ولا بأس من تكليفه بشراء بعض الحاجيات الخفيفة للمنزل وتكليف البنت بتنظيف بعض الأواني أو العناية بأخيها الصغير، ويتدرج مع الأطفال في التكاليف شيئا فشيئا حتى يتعودوا على تحمل المسؤوليات والقيام بالأعمال المناسبة لهم.


كما أنه مسؤول عن أخوته الأصغر منه سنا ، فعليه احترامهم وعدم أذيتهم والعطف عليهم ولا بأس من مساعدتهم في بعض دروسهم، وإن كان الجد والجدة يعيشون في نفس البيت على الآباء تعويد أبنائهم على أنهم مسؤولون عن رعاية هذا الجد وهذه الجدة من تلبية طلباتهم كأحضار كوب ماء لهم أو المسك بأيديهم لمعاونتهم على المشي وما إلى ذلك من أمور تعود الولد والبنت أيضا على معنى المسؤولية ورعاية الشؤون .


ومن تحميل الطفل المسؤولية أن يتحمل تبعة ما يقوم به من أعمال ، فيعلم أنه هو المسؤول عما يرتكبه من أخطاء ويطالب بإصلاح ما قد أفسده والاعتذار عن أخطائه ،وتربيته على الثقة بالنفس، بتعويده الجرأة والشجاعة والصراحة، وإعطاؤه حرية التصرف وتحمل المسؤولية، وممارسة الأمور على قدر نموه، وأخذ رأيه ومشورته، وتعويده على أنه لا يلزم أن يؤخذ باقتراحه أو رأيه.

كما أن على الوالدين تجنيب أبنائهم بعض الأمور ، كالتقليد الأعمى مثلا ، أو عدم ثقة الطفل بنفسه واحتقاره لذاته ، وهذا الأمر بيد الأبوين ، بسبب كثرة التحقير له وإهانته، خصوصا أمام إخوته وأقاربه ، أو مناداته بألفاظ غير طيبة كـ (يا غبي ) .


وأيضا الاستهتار برأي الولد وعدم الاهتمام به : بل ربما أحيانا قد يقول له : حتى أنت بدأت تتكلم ويكون لك رأي، الرأي الأول والأخير لي، لك الرأي والاحترام، لكن عود ابنك على إبداء رأيه واحترامه، ولا يلزم أن يكون رأي الابن هو الصائب، لكن على الأقل يشعر أن له أهمية .


ومن الأمور التي تضعف الثقة بالنفس أمره بالسكوت عند الرجال : وهذا أحيانا قد يكون مفيدا إذا كان الولد صغيرا ولا يحسن الكلام، أو عندما لا يطلب منه الكلام ، أو لا يجد فرصة للكلام فيقاطع الآخرين، لكن عندما يجد فرصة للكلام دون مقاطعة الآخرين ، وبالأخذ بآداب الكلام، فلماذا يمنع من الكلام ؟

وهذا الأمر أي تعزيز الثقة بالنفس يجب مراعاة جانب هام فيه ألا وهو أن تكون تلك الثقة وذلك الاعتزاز بالذات بدون غرور أو تكبر....

وانظروا إلى هذه القصة التي تعبر عن الثقة بالنفس: روى الحافظ بن عساكر أن عبد الله بن الزبير كان يلعب مع بعض أترابه من الصبيان، فمر الخليفة عمر بن الخطاب_ رضي الله عنه_، ففر الصبية خوفا من الفاروق وبقي ابن الزبير لا يريم فأقبل عليه عمر وقال له: ما لك لم تفر مع أصحابك يا غلام ؟ فرد عليه عبد الله ببساطة وبراءة: يا أمير المؤمنين!... لست مذنبا فأخافك.. وليست الطريق ضيقة فأوسع لك فيها!.

وإذا تربى الأطفال على الثقة بالنفس أمكنهم تحمل المسؤوليات الجسام كما كان أبناء الصحابة يسعون جاهدين ليكونوا مع المجاهدين في سبيل الله ويبكي أحدهم لأنه حرم من هذا الأجر العظيم. بل وصل الحال بالصحابة الكرام من شدة اشتياقهم ومنافستهم للجنة أن الآباء يقترعون مع أبنائهم في الخروج للغزو ، ولا يؤثر أحد أخاه في ذلك ، حيث استهم يوم بدر خيثمة بن الحارث وابنه سعد ، فخرج سهم سعد ، فقال له أبوه: يا بني آثرني اليوم ، فقال له سعد: يا أبت لو كان غير الجنة فعلت ، فخرج سعد إلى بدر فقتل بها ، وما زال أبوه خيثمة يتطلع إلى الجنة حتى كان يوم أحد فقتل يوم أحد". المصدر: الإصابة:2/24

ومن الأمور التي تعزز ثقة الطفل بنفسه ، مدح أعمال الطفل وانجازاته أمام الغير ولكن دون إكثار، وأيضا مساعدته في اتخاذ القرار بنفسه، والسؤال عن رأيه ، بل وأخذ رأيه في أمر من الأمور ، ولا بد من تعليمه مهارات إبداء الرأي والتقديم وكيف يتكلم ويعرض ما عنده للناس ، بل ويكون عنده الشجاعة على توجيه الأسئلة لهم .


هذه بعض الأمور التي تساعد في جعل شخصيات أبنائنا شخصيات قيادية تعرف معنى المسؤولية ، وتكون قادرة عليها بإذنه تعالى .


وإلى أبنائنا الأعزاء أبدأ بهذه القصة حصلت في زمن هشام بن عبد الملك ، حيث قحطت البادية في أيامه ، فقدمت القبائل إلى هشام ودخلوا عليه ، وفيهم " درواس بن حبيب " وعمره أربع عشر سنة ، فأحجم القوم وهابوا هشاما ، ووقعت عين هشام على درواس فاستصغره ، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد أن يصل إلى إلا وصل ، حتى الصبيان؟! علم درواس أنه يريده ، فقال يا أمير المؤمنين: إن دخولي لم يخل بك شيئا ولقد شرفني، وإن هؤلاء القوم قدموا لأمر أحجموا دونه، وإن الكلام نشر والسكوت طي، ولا يعرف الكلام إلا بنشره، فقال هشام : فانشر لا أبا لك!! وأعجبه كلامه ، فقال يا أمير المؤمنين: أصابتنا ثلاث سنين: فسنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة نقت العظم ، وفي أيديكم فضول أموال ، إن كانت لله ففرقوها على عباد الله المستحقين لها، وإن كانت لعباد الله فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، واعلم يا أمير المؤمنين: أن الوالي من الرعية كالروح من الجسد، لا حياة للجسد إلا به . فقال هشام : ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عذرا ، وأمر أن يقسم في باديته مئة ألف درهم . وأمر لدرواس بمئة ألف درهم . فقال يا أمير المؤمنين: أرددها إلى أعطية أهل باديتي فإني أكره أن يعجز ما أمر لهم به أمير المؤمنين عن كفايتهم؟ فقال: ما لك من حاجة تذكرها لنفسك؟ قال: مالي من حاجة دون عامة المسلمين!.

إن في هذه القصة عبرة بل عبر ، فانظروا إلى ثقة هذا الغلام وجرأته في الحق . وأيضا انظروا كيف تقدم الجميع للحديث رغم صغر سنه ، ولكن وعيه بمعنى رعاية ومعنى كونه قائدا ، وبما عنده من أفكار ومفاهيم صافية عن الهدف من الحياة جعله يقول ما يقول .
فانظر بني الكريم وانظري بنيتي الكريمة أين أنت من درواس ؟


فيجب عليك تعلم كيف تكون قائدا ، بل من واجبك أن تكون قائدا سياسيا يرعى شؤون من حوله ، فمجرد انتقالك من سن الطفولة وبلوغك سن التكليف بت راعيا ومسؤولا عن رعيتك ، وهذا الأمر لا يأتي بدون جهد أو عمل.


إن ثقافة الأمة الإسلامية هي العمود الفقري لوجودها وبقائها ، فعلى هذه الثقافة تبنى الشخصيات ، هذه الثقافة هي من صنعت الرجال والأبطال والعلماء والمفكرين ، هي من أوجدت درواس الذي سطر بموقفه هذا رغم صغر سنه أروع الأمثلة وأجمل المواقف ، هذه الثقافة صنعت لنا شخصيات بعقليات حملت الفكر الصحيح من صلب العقيدة الإسلامية ونفسيات طوعت للأحكام الشرعية ، فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس قادة وعلماء ومفكرين وسياسيين في آن واحد .
فإلى ذلكم ندعوكم أيها الآباء والأبناء الأعزاء ، إلى أن تكون الثقافة الإسلامية نصب أعينكم في بناء شخصياتكم وشخصيات أبنائكم ندعوكم أيها المسلمون .


قال تعالى:
" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " التحريم:6

وقال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيـان منـا *** على ما كان عوده أبـوه


وفي الختام أحييكم وإلى لقاء آخر ونصائح أخرى إلى الآباء والأبناء فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،

أم سدين

 

إقرأ المزيد...
الاشتراك في هذه خدمة RSS

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع