- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
4/8/2025
الرادار: في ذكرى إغتيال على عبدالله صالح
رسائل صالح من قبره
بقلم الباشمهندس/حسب الله النور سليمان
دُفن الرئيس علي عبد الله صالح يوم السبت 09/12/2017م في قريته قرب صنعاء، تحت إجراءات أمنية مشددة، وذلك حسب إفادة أحد أفراد عائلته. وقد حضر الجنازة أحد أبناء صالح، “مدين”، وابن شقيقه، ورئيس البرلمان اليمني يحيى علي الراعي، العضو في حزب الرئيس السابق، والقيادي الحوثي علي أبو الحكيم، حسب موقع “عربي 21”.
لقد ظل علي عبد الله صالح في دهاليز الحكم والسياسة لأربعين سنة، وكانت الصحافة العربية تطلق عليه لقب “الراقص على رؤوس الثعابين” (وكان يحب هذا اللقب)، بينما وصفه المسؤولون الأميركيون بأنه شخص “غريب ونكدي”. أما مجلة “ذا أتلانتيك”، فقد اختارت وصفاً أكثر حداثة وسينمائية حين أطلقت عليه لقب “فرانك أندروود” الشرق الأوسط، نسبة لبطل المسلسل السياسي الأميركي الشهير هاوس أوف كاردز، في إشارة إلى طرقه “الخبيثة والملتوية” لتعزيز سلطته عبر التلاعب بخصومه وحلفائه على حدّ سواء.
لقد تناولت وسائل الإعلام المختلفة موت علي عبد الله صالح، بالتحليل حول كيفية مقتله، وما ستؤول إليه حالة حزبه وحال اليمن. وقد كثرت التكهنات والتحليلات، وتفاوتت بين أقصى درجات التشاؤم وأقصى درجات التفاؤل. ولكننا في هذا المقال نود أن نُحيي جانبًا مختلفًا؛ حيث ندخل إلى قبره، ونأخذ منه بعض الرسائل المحمّلة بالعِبر التي توصّل إليها بعد انتقاله إلى الدار الآخرة. وهي رسائل حال، لا رسائل مقال.
وقبل الانتقال إلى رسائل صالح، نمر مروراً سريعاً على سيرته السياسية. فقد تولى صالح السلطة بعد مقتل ثلاثة رؤساء لليمن الشمالي في سنة واحدة. وخاض حروبًا ست سنوات مع الحوثيين مستخدمًا علي محسن الأحمر في حربهم، مما جعل الكثيرين يرون تلك الحرب وسيلة للتخلص من اللواء الأحمر، منافسه الأول، ولتمهيد الطريق لابنه أحمد للوصول إلى السلطة. لا سيما وأنه في بعض الأحيان كان يزوّد الحوثيين الذين يحاربهم بالسلاح. كما استطاع أن يزجّ بالمملكة العربية السعودية في حرب ضد الحوثيين، ثم ما لبث أن قطع علاقته بالسعودية بعد أن وقف إلى جانب صدام حسين في غزوه للكويت. ثم عاد إلى السعوديين ليستعين بهم في حربه مع الاشتراكيين في اليمن الجنوبي، ثم ما لبث أن قاطعهم بعد ثورة الربيع العربي، وعلى إثر المبادرة الخليجية التي أخرجته من السلطة في اليمن، وأخيراً عاد إليهم في آخر أسبوع من حياته.
وكذلك تحالف مع حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان في اليمن)، وحارب بهم الاشتراكيين في الجنوب، ثم انقلب عليهم. واتفق لاحقًا مع الاشتراكيين في الجنوب، وتم له توحيد اليمن تحت مسمى الجمهورية اليمنية، وما لبث أن انقلب عليهم ونكّل بهم وطارد علي سالم البيض ورفاقه الجنوبيين حتى أخرجهم من البلاد.
وبعد خروجه من السلطة عام 2012م، واتحاد كافة الأطراف السياسية اليمنية ضده، وجد ضالته في أعدائه القدامى: الحوثيين، الذين بدورهم رفضوا المبادرة الخليجية. فتحالف معهم ووفّر لهم غطاءً سياسيًا، ومكّن لهم من دخول العاصمة صنعاء، أملًا في أن يرقص على رؤوسهم في هذه المرحلة. وأخيرًا انقلب عليهم، ورجع إلى خصومه السعوديين. لكنها كانت الرقصة الأخيرة على رؤوس الأفاعي؛ فانزلقت رجله هذه المرة. فلا ندري، ألكبر سنه؟ أم لضعف قدرته على الرقص فوق رؤوس الأفاعي؟ أم أنها النهاية المحتومة لكل من سار على هذا الدرب؟!
إن علي عبد الله صالح قد أرسل عدة رسائل من قبره، وهي كما ذكرنا رسائل حال، لا رسائل مقال.
الرسالة الأولى لأبنائه، يقول فيها:
(إن الأمر ليس أمر ثأر، وإلا فإن الحوثيين قد أخذوا بثأرهم لأخيهم حسين الحوثي. وإنما هو أمر بلد يضيع بين أيدينا، وشعب قُتل منه الآلاف وشُرّد منه الملايين، وهو في طريقه إلى الفناء والاندثار. وأمة مزّقتها الفتن، واستغلها الأعداء، فصار بعضهم يضرب رقاب بعض. فلا بد من الارتفاع عن الصغائر وتوافه الأمور، والارتقاء إلى مستوى القضية).
أما الرسالة الأخيرة، فهي للأمة بعامتها، ولأهل اليمن خاصة، أقول لهم ما قاله رسول الله ﷺ ولم نأخذ به:
(لا ترجعوا بعدي كفّاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض).
توحدوا كما أمركم ربكم، ولا تتفرقوا فتُذلوا وتُهانوا، وتتجاذبكم القوى الدولية ووكلاؤهم المحليون. إن قوتكم تكمن في وحدتكم، وعزّكم يكمن في كتاب ربكم وسنة نبيكم.
لقد كنتم أبطالًا حين خرجتم في وجهي تطالبون بحقوقكم، بصدوركم العارية تواجهون الرصاص، فضربتم أروع الأمثلة في التضحية. كنتم مدرسةً يتعلّم منها الآخرون، فطارت عقول الحكام والملوك في كل بلاد المسلمين، وجنّ جنون الكافرين. فتكاتف الأعداء من كل حدب وصوب، ووجدوا في ثورتكم ثغرة تسلّلوا منها، حيث لم يكن بين أيديكم بديل فكري أو سياسي تضعونه مكان النظام القائم، مما سهّل على أعدائكم سرقة مجهودكم، والالتفاف على ثورتكم المباركة، وإجهاضها في مهدها.
فعليكم أن تعوا الدرس جيداً، واعلموا أن كتاب ربكم ينظّم لكم كل شؤون حياتكم، فتوجهوا إلى الله يتوجه إليكم، واجعلوه قبلتكم يتولاكم، وارفعوا كتابه ينصركم، فإن ينصركم الله فلا غالب لكم.
والسلام…
المهندس / حسب الله النور – الخرطوم
المصدر: الرادار