- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قسد والنظام السوري: صراع داخل القفص!
من يتابع المشهد السوري بوعيٍ، لا بعين العاطفة ولا بضجيج العناوين، يدرك حقيقة باتت اليوم واضحة وهي أنه لا يوجد في سوريا فاعلٌ عسكري أو سياسي خارج المدار الأمريكي. ومن هنا، فإن الحديث عن صدامٍ سيادي بين الجيش السوري وقوات قسد هو حديثٌ يفتقر إلى الدقة، بل يندرج ضمن إدارة الوهم السياسي، لا توصيف الواقع.
فلا يمكن لأي متابعٍ جاد أن يزعم أن أحمد الشرع، أو المشروع الذي يمثله، قد خرج يوماً عن المعية الأمريكية. فهو ليس حالة طارئة، ولا ظاهرة مستقلة، بل نتاج مسارٍ طويل من إعادة التدوير السياسي؛ صنيعةُ ظرفٍ دولي محدد، أو أداةٌ وظيفية أُخرجت من المشهد ثم أُعيدت إليه عندما تغيّرت الحاجة. وكل من يقرأ خريطة التحركات، وتوقيت الظهور، وسقف الخطاب، يدرك أن الهامش الممنوح له مرسوم بدقة، وأن الخروج عن هذا المسار غير واردٍ أصلاً.
أما ما يُروَّج عن صدامٍ بين الجيش السوري وقسد، فليس إلا اشتباكاً داخل القفص الأمريكي؛ فقسد ذراعٌ ميدانية مباشرة لواشنطن، وظيفتها ضبط الشرق السوري لا تحريره. والنظام السوري بدوره ليس حليفاً ولا عدواً، بل ملفٌّ قابل للاستخدام عند الحاجة.
لذلك، فالصراع مسموحٌ به، مضبوط الإيقاع، ممنوع الحسم، كي يبقى الجميع محتاجاً إلى الراعي الأمريكي، ولكي تُمنَع إمكانية تشكّل دولة مستقلة، فيُستهلَك الداخل بدل أن يتجه الصراع إلى الخارج. وكل حلقةٍ في هذه العملية لا تخرج عن حسابات واشنطن.
المشكلة ليست في تعدد الفصائل، بل في تصديق الرواية التي تصوّر الصراع على أنه معركة كرامة، بينما هو في حقيقته أداة نفوذ، وحين يُقدَّم بهذا الشكل يكون الخطر قد بلغ ذروته.
فالدم السوري يُستنزَف، لا لإسقاط مشروع، ولا لبناء دولة، بل لإدامة حالة اللادولة.
وإن أخطر ما تواجهه سوريا اليوم هو الوهم: وَهْمُ أن هناك من يقاتل خارج الإرادة الأمريكية، ووهم أن بعض الرموز تمثل خلاصاً، وهي في حقيقتها أدوات مرحلية. فمن لا يملك قرار الحرب، لا يملك قرار السلم، ولا يصنع مستقبل بلاده.
فيا أبناء الشام، يا من كتبتم بدمائكم أطول فصول الألم، وصبرتم حتى صار الصبر جزءاً من هويتكم: أما آن للوعي أن يسبق العاصفة؟
إن أخطر ما تتعرض له الشعوب بعد الحروب ليس الدمار، بل المشاريع التي تُقدَّم بثوب الخلاص، وهي في حقيقتها إعادة تدوير للهيمنة، ومشاريع تُدار من خارج الحدود. لكن التاريخ علّمنا أن من يُسلِّم وعيه اليوم، سيدفع ثمنه أضعافاً غداً. وأن استعادة سوريا تبدأ من استعادة الوعي، وأن الوعي لا يُمنَح بل يُنتَزَع.
وهذه دعوة لأن تكونوا أصحاب القرار، لا وقودَ المشاريع.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مؤنس حميد – ولاية العراق