- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تُباع قضايا الأمة بثمنٍ بخس
لم تكن صفقة الغاز بين مصر وكيان يهود الغاصب مجرد اتفاق اقتصادي، بل بدت كصفعة مدوية على وجه قضايا الأمة؛ في لحظة يتكدس فيها شهداء غزة، ويكبر الجرح في جسد الأمة. إن مجيء هذه الصفقة في هذا التوقيت ليس تفصيلاً عابراً، بل هو إعلان صريح بأن المصالح الباردة تغلب الأخلاق، وأن الشعارات التي تتغنى بقضايا الأمة لم تعد ترى هذه القضايا أكثر من ورقة لاستجداء الجماهير وقت الحاجة، ثم تُلقى في سلة المهملات عند أول صفقة.
مصر، الدولة التي كانت ذات يوم تتغنى بقضايا الأمة، تحولت إلى أول المهرولين؛ ولم تبدُ هرولتها هرولة خوف، بل كأنها تسابق لالتقاط اليد الممدودة قبل أن تُغسل من دماء المسلمين. والأدهى أنها لم تُبدِ أي حساسية تجاه رمزية اللحظة؛ فلا خطاب يواسي، ولا موقف يوازن، ولا حتى محاولة لإخفاء التطبيع خلف ستارٍ من الأعذار، بل تبريرات جامدة متعالية على وجدان الأمة.
إن من يوقع مع الاحتلال صفقة بمليارات الدولارات بينما جراح أهل فلسطين تنزف، لا يمكن له الادعاء بأنه يحمل همّ الأمة أو يدافع عن قضاياها. القرارات ليست مجرد تجارة، القرارات رسائل؛ ورسائل هذه الصفقة واضحة: واشنطن لم تعد بحاجة إلى ضغوط علنية، بل نظرة إشارة أو تلميح دبلوماسي يكفي ليهرول الحكام نحو ما تريده، وحاكم مصر أول من لبى النداء، وكأنه يسعى لإثبات الولاء قبل تحقيق المكاسب.
بدلاً من أن تكون مصر بوابة الدعم للفلسطينيين، أصبحت البوابة التي تمر عبرها الشرعية الاقتصادية للاحتلال. وفي لحظة كانت الشعوب الإسلامية تنتظر فيها من القاهرة أن تتصدر المشهد احتجاجاً أو رفضاً، أو حتى صمتاً مشرفاً؛ فُوجئ شعب الكنانة بعقد صفقة استراتيجية مع الطرف الذي يقصف ويحتل ويقتل إخوانهم.
إن صفقة العار ليست مجرد اتفاق، بل هي موقف؛ لأنها قيم تُستنزف، وذاكرة تُهان، وقضية تُباع. لقد أصبحت مصر الدولة التي تفتح الطريق في لحظات الانكسار، ولم يعد الرئيس المصري ينظر إلى فلسطين كقضية، بل كملف مهمش لا يستحق التأجيل. دخلت مصر من خلال هذه الصفقة بوابة التطبيع من أوسع أبوابها، ورفعت راية المصالح فوق المبادئ، والبراغماتية فوق الأخلاق.
يا شعب الكنانة، ويا شعوب الأمة جميعاً؛ لا تجعلوا الخوف سيدكم، ولا تصدقوا أوهام الطغاة بأنهم قدر لا يتغير. إن القيود التي تكبلكم تبدأ من عقولكم قبل أيديكم، فإذا تحرر الفكر سقط الجلاد. لا تنتظروا من طاغية أن يمنحكم الكرامة، فالكرامة تُنتزع ولا تُوهب. ابدؤوا بالوعي، بالكلمة، بكسر الصمت؛ فالكرامة ميراث، ومن سار نحو النور لا يعود للظلام أبداً.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مؤنس حميد – ولاية العراق