Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

آسيا الوسطى العالقة بين ثلاث مطارق

 

تقف آسيا الوسطى (أوزبيكستان، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان) اليوم عند نقطة فارقة من تاريخها الحديث، فهذه المنطقة التي كانت طوال قرون مفترقاً للحضارات ومساراً للقوافل والجيوش والإمبراطوريات أصبحت اليوم محاصرة بين ثلاث قوى عظمى تتنافس على النفوذ والموارد والممرات الاستراتيجية فيها.

 

وهذه القوى هي: روسيا من الشمال، والصين من الشرق، والولايات المتحدة من الغرب؛ ثلاث مطارق ضخمة تهبط بقوة متفاوتة على فضاء جغرافي هش، لم يستطع حتى الآن بناء توازن واضح يحفظ أمنه وهويته ومصالح شعوبه.

 

أولاً: الموارد الطبيعية

 

١- أوزبيكستان: اللاعب المركزي في آسيا الوسطى

 

الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية: تقع أوزبيكستان في قلب آسيا الوسطى، وهي الدولة الوحيدة التي تربط جميع الممرات التجارية والطرق الإقليمية. وهي الأكثر سكانا في المنطقة والأقرب جغرافياً إلى أفغانستان، وهي مركز الطرق والنقل والموارد المائية والطاقة.

 

المعادن والموارد الطبيعية: تعد أوزبيكستان من أغنى دول آسيا الوسطى بالمعادن والموارد الطبيعية، وهي من أهم ركائز اقتصاد البلاد. وفيما يلي عرض شامل لأهم هذه الموارد:

 

- موارد الطاقة

النفط والغاز: تعد أوزبيكستان من الدول المتقدمة في احتياطي الغاز الطبيعي في آسيا الوسطى.

الفحم: تمتلك احتياطات كبيرة

 

- المعادن

الذهب، والمعادن المتعددة: تعد أوزبيكستان ضمن أكبر خمس دول منتجة للذهب في العالم.

اليورانيوم: تمتلك أوزبيكستان واحداً من أكبر احتياطيات اليورانيوم عالميا.

 

النحاس

- الأحجار الكريمة وشبه الكريمة: يشم، عقيق لازورد، أونيكس وغير ذلك

- مواد البناء: مواد صناعة الإسمنت، الحجر الجيري، الجبس، الرخام

- العناصر النادرة: التنغستون، هودوفير، كونغرت. الموليبدينوم مع مناجم النحاس. الرينيوم ناتج ثانوي من كالماقير، الليثيوم

 

۲-كازاخستان: العملاق الجيوقتصادي

 

الأهمية الجيوسياسية: تعد كازاخستان أكبر دولة من حيث المساحة، وفيها أكبر احتياطيات النفط واليورانيوم، وتمر عبرها 70% من طرق النقل من الصين لأوروبا.

 

المعادن والموارد الطبيعية في كازاخستان: تعد كازاخستان من أغنى دول آسيا الوسطى بالمعادن والموارد الطبيعية، وتمتلك احتياطيات ضخمة تجعلها من أهم منتجي الطاقة والمعادن في العالم.

 

- موارد الطاقة

النفط: تعتبر كازاخستان من الدول الكبرى في احتياطي وإنتاج النفط، وتلعب دورا مهما في سوق النفط العالمي.

الغاز الطبيعي: غالبية الغاز يُستخرج مع النفط

الفحم: كازاخستان من أكبر 10 دول في العالم من حيث احتياطي الفحم

 

- المعادن

اليورانيوم: تعد كازاخستان أكبر منتج لليورانيوم في العالم!

 

النحاس

خام الحديد: تملك كازاخستان احتياطيات ضخمة من الحديد.

الكروميت (خام الكروم): كازاخستان من أكبر الدول عالميا في احتياطي الكروميت

 

- المعادن الثمينة والنادرة

الذهب: منجم فاسيليكوفسكوي - من أكبر مناجم الذهب عالميا

الفضة

 

العناصر النادرة: البيريليوم، التنتالوم، النيوبيوم

- مواد البناء: تشمل: الحجر الجيري، الجرانيت، الرخام، الجبس، الرمل، والحصى وتوجد بكميات كبيرة في مختلف أنحاء البلاد.

 

٣- قرغيزستان

 

الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية: صغيرة اقتصادياً، بدون منفذ بحري، موقعها استراتيجي بين كازاخستان والصين وأوزبيكستان.

 

المعادن والموارد الطبيعية في قرغيزستان: تعد قرغيزستان دولة جبلية غنية ببعض المعادن المهمة، وخاصة الذهب، إضافة إلى موارد أخرى لها قيمة اقتصادية واستراتيجية كبيرة.

 

- الذهب (أهم مورد في البلاد): تعتبر قرغيزستان من أغنى دول آسيا الوسطى بالذهب.

- الفحم: يمتلك البلد احتياطيات فحم تستخدم أساسا لتلبية الاستهلاك المحلي.

- الأنتيمون والزئبق: قرغيزستان مشهورة باحتياطيات الأنتيمون (السورمة) في آسيا الوسطى.

- المعادن النادرة (الفلزات الاستراتيجية): تشمل مجموعة من العناصر ذات الأهمية الصناعية: البيريليوم البزموت، التنغستون الموليبدينوم.

- الرصاص والزنك والمعادن الجبلية

- الأحجار الكريمة وشبه الكريمة: تشتهر جبال قرغيزستان بوجود أنواع مختلفة مثل: اليشم (النفريت) اللازورد، الأوبال، التورمالين، الكريسوبراز.

- مواد البناء تشمل: الرخام، الجرانيت، الحجر الجيري والمواد الخام للإسمنت الرمل والحصى في معظم الوديان.

 

٤- طاجيكستان

 

الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية: حدود طويلة مع أفغانستان (1300 كم)، وموارد مائية كبيرة في جبال بامير.

 

الثروات المعدنية في طاجيكستان: تتمتع طاجيكستان بثروات معدنية متنوعة، ويعد قطاع التعدين من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد. ومن أبرز هذه الثروات:

 

- الذهب: تعد طاجيكستان من الدول الغنية بالذهب.

- الفضة: تمتلك البلاد احتياطيات كبيرة من الفضة، وتعد من بين الدول التي تملك أكبر مناجم الفضة في العالم،

- الألمنيوم (البوكسيت): رغم قلة احتياطيات البوكسيت، إلا أن طاجيكستان تشتهر بوجود أكبر مصنع لإنتاج الألمنيوم في آسيا الوسطى، وهو مصنع تالكو الذي يعتمد على استيراد المواد الخام.

الفحم الحجري: يوجد بكميات كبيرة ويُعتبر من المصادر المهمة للطاقة،

- اليورانيوم: تملك طاجيكستان احتياطيات من اليورانيوم تعود إلى الحقبة السوفييتية، ويُعد من أهم المعادن الاستراتيجية.

- المعادن النادرة: مثل الأنتيمون، الزئبق، الرصاص، الزنك، والتنغستون، وتعد من الموارد المعدنية المهمة المستخدمة في الصناعات المختلفة.

 

5- ترکمانستان

 

الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية: حدود مع أفغانستان، موقع استراتيجي لمشروع خط أنابيب الغاز TAPI

 

الثروات المعدنية في تركمانستان: تعد تركمانستان من الدول الغنية بالثروات الطبيعية، وخاصة موارد النفط والغاز. وأهم الثروات المعدنية في البلاد هي:

 

- الغاز الطبيعي: تمتلك تركمانستان واحداً من أكبر احتياطيات الغاز في العالم.

- النفط: توجد حقول نفطية كبيرة في سواحل بحر قزوين ومناطق قرب قره بوغاز.

- اليود والبروم: تعد ترکمانستان من الدول الرائدة عالمياً في إنتاج اليود والبروم.

- الكالسيوم والمغنيسيوم والملح.

- الكبريت: توجد كميات كبيرة من الكبريت في حقول الغاز، ويُعد من الموارد المهمة للصناعات الكيميائية.

- مواد البناء مثل: الرمل، والحصى، والرخام، والدولوميت، والحجر الجيري، والمواد الأولية لإنتاج الإسمنت.

 

ثانياً:المطارق الثلاث:

 

1- المطرقة الروسية - إرث الإمبراطورية ومحاولة استعادة الماضي

 

تعتبر روسيا نفسها الوصي التاريخي على آسيا الوسطى؛ فبعد ثلاثة قرون تقريبا من السيطرة القيصرية ثم الحقبة السوفييتية، ترى موسكو أن هذه المنطقة جزء من "مجالها الحيوي"، ولذلك تعتمد أدوات متعددة وهي:

 

- الضغط الأمني والعسكري عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO).

- النفوذ اللغوي والثقافي من خلال استمرار استعمال اللغة الروسية.

- التبعية الاقتصادية عبر العمالة المهاجرة والخدمات البنكية والطاقة.

ورغم أن دول آسيا الوسطى نالت استقلالها منذ عام 1991، إلا أن موسكو ما تزال تنظر إليها كحديقة أمامية لا يجوز لغيرها التغلغل فيها.

 

علاقات دول آسيا الوسطى مع روسيا:

 

أوزبيكستان: سياسة براغماتية بدون انحياز، أكثر من 2 مليون عامل مهاجر في روسيا، الاعتماد على الطاقة الروسية (غاز، نووي)

كازاخستان: أطول حدود مع روسيا (7500 كم)، النفوذ الروسي قوي تاريخيا، القوات الروسية تدعم الأمن الداخلي.

قرغيزستان: يعتمد الجيش على روسيا، وتوجد فيها قاعدة روسية، والنفوذ السياسي والاقتصادي في البلاد قوي.

طاجيكستان: فيها قاعدة عسكرية روسية 201، ويعتمد الأمن على روسيا، العمالة المهاجرة منها تعزز النفوذ الروسي.

تركمانستان: نفوذ روسي محدود، سياسة حياد كامل.

 

2- المطرقة الصينية – الاقتصاد قبل الجغرافيا

 

بينما تتكئ روسيا على التاريخ، فإن الصين تعتمد على القوة الاقتصادية المطلقة؛ فمن خلال مشروع الحزام والطريق أصبحت الصين المستثمر الأول في الطرق والسكك الحديدية، والموانئ البرية، والطاقة، والمناجم، والاتصالات.

 

أهم أدوات بكين:

 

- القروض الضخمة التي تخلق تبعية مالية.

- الاستثمارات الاستراتيجية في النفط والغاز واليورانيوم.

- الضغط الناعم عبر الثقافة، منح التعليم، والتغلغل التجاري.

وتتميز المطرقة الصينية بأنها صامتة، لكنها تعمل بعمق، وتغير البنية الاقتصادية للمنطقة من الداخل.

 

3- المطرقة الأمريكية - التنافس الجيوسياسي وملء الفراغ

 

دخلت الولايات المتحدة بقوة إلى آسيا الوسطى بعد عام 2001 تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، ولكن حضورها الحقيقي ذو طبيعة جيوسياسية تتمثل في منع روسيا من استعادة نفوذها، وكبح تمدد الصين شرقاً وغرباً.


أهم أدواتها:

 

- اتفاقيات أمنية محدودة

- دعم سياسي وإعلامي

- مبادرات اقتصادية طفيفة

- الضغط الدبلوماسي عبر منصة C5+1

 

ورغم أن النفوذ الأمريكي أضعف من النفوذين الروسي والصيني، إلا أنه يلعب دور الموازن ويمنع تكوّن قطب واحد مهيمن على المنطقة.

 

المنطقة بين الحياد الإجباري والبحث عن هوية أمام هذه القوى الثلاث، تجد دول آسيا الوسطى نفسها مرغمة على تبنّي سياسة الحياد الإيجابي أو "التوازن بين المحاور"،

 

لكن:

 

- الحياد أمام روسيا صعب بسبب التاريخ واللغة والاقتصاد.

- الحياد أمام الصين صعب بسبب التمويل الضخم والتجارة.

- الحياد أمام أمريكا صعب بسبب الحاجة إلى الانفتاح العالمي والشرعية السياسية.

 

وفي ظل هذا التعقيد، تبقى الهوية الإسلامية والثقافية لشعوب تلك المنطقة عنصرا يبحث عن مساحة للتنفس بين هذه المطارق المتصادمة.

 

الخاتمة

 

إن وصف آسيا الوسطى بأنها "عالقة بين ثلاث مطارق" ليس توصيفا أدبيا فقط، بل هو حقيقة استراتيجية. فالمنطقة تواجه تحديا مصيريا: هل تبقى ساحة تنافس بين القوى الكبرى؟ أم تتحول إلى محور مستقل يعتمد على ذاته، ويبني مؤسساته، ويستثمر ثرواته ويصوغ مستقبله بعيدا عن الضغوط الخارجية؟

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أحمد هادي

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.