Logo
طباعة
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قراءة في المشهد الدولي والصراع على السودان

 

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾

 

بهذه العبارة القرآنية، يمكن تلخيص ما يجري في السودان من حرب عبثية تُدار من الخارج، وتُنفذ بأيادٍ محلية، في مشهد يُعيد إنتاج الاستعمار بثوب جديد، ويُغرق البلاد في دوامة من الدم والانقسام.

 

 أولاً: من الاستعمار البريطاني إلى الهيمنة الأمريكية، فمنذ دخول الاستعمار البريطاني إلى السودان في القرن التاسع عشر، تم ترسيخ نفوذ سياسي وثقافي عميق عبر الإدارة الثنائية (الإنجليزية-المصرية). وبعد الاستقلال عام 1956، بدأ السودان يشهد صراعاً داخلياً بين المدنيين والعسكر، وهو في جوهره انعكاس لصراع خارجي بين رجال أوروبا ورجال أمريكا.

 

 - في عام 1958، نفّذ الجنرال إبراهيم عبود أول انقلاب عسكري، لكنه لم يستمر طويلاً، إذ أطاحت به ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1964، التي أعادت الحكم المدني. ثم جاءت حكومة مدنية بقيادة أحزاب سياسية ذات ارتباط تاريخي بالنفوذ البريطاني، مثل حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي.

 

- في عام 1969 أطاح جعفر نميري بالحكومة المدنية باسم "الضباط الأحرار"، وبدأت مرحلة جديدة من حكم العسكر استمرت 16 عاماً، كانت فيها الولاءات تميل نحو أمريكا، خاصة بعد تحالفه معها في ثمانينات القرن الماضي.

 

- انتهى حكم نميري بثورة نيسان/أبريل 1985، وعادت حكومة مدنية بقيادة الصادق المهدي، لتُعيد التوازن نحو القوى المرتبطة بالنفوذ الأوروبي. وهكذا، ظل السودان يتأرجح بين مطرقة العسكر الموالين لأمريكا وسندان المدنيين المرتبطين بأوروبا، في دورة سياسية تُدار من الخارج أكثر مما تُدار من الداخل.

 

ثانياً: المخطط الأمريكي

 

- الهيمنة، وتصفية النفوذ الأوروبي عبر دعم الانقلابات العسكرية التي تُطيح بالنخب المرتبطة ببريطانيا وأوروبا وفرض اتفاقيات تُعيد تشكيل الولاءات.

 

- تثبيت رجال أمريكا في الحكم من خلال دعم شخصيات عسكرية ومدنية موالية لها، وفرض مسارات انتقالية تُبقي السودان في حالة عدم استقرار.

 

- الإسراع في فصل دارفور بعد فصل الجنوب، عبر دعم الحركات المسلحة وتغذية الصراع العرقي، واستخدام الحرب كذريعة لتدويل الملف وفرض حل انفصالي.

 

ثالثاً: أدوات أمريكا في تنفيذ المخطط، منها الانقلابات العسكرية، وتغيير الأنظمة لصالح شخصيات موالية لأمريكا، والاتفاقيات الدولية مثل نيفاشا والدوحة لتفكيك وحدة السودان، والمنظمات الإنسانية بوابة للتدخل السياسي والضغط الدولي، والتمويل المشروط، وفرض أجندات اقتصادية تُضعف السيادة الوطنية، والتحالفات الإقليمية واستخدام دول مثل الإمارات والسعودية كأذرع تنفيذية للمشروع الأمريكي.

 

رابعاً: الحرب الحالية - خرق السفينة لإغراق أهلها.

 

الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع ليست مجرد صراع داخلي، بل هي أداة أمريكية لإعادة تشكيل السودان. فأمريكا تُغذي الصراع عبر دعم طرفين متنازعين، ثم تتدخل كوسيط لفرض حل يخدم مصالحها. والهدف النهائي هو تقسيم السودان إلى كيانات ضعيفة، يسهل التحكم بها، وتُبعد النفوذ الأوروبي نهائياً.

 

خامساً: إن الحل لا يكون عبر التسويات الدولية التي تُدار من عواصم الاستعمار وسفاراته في بلادنا، بل عبر إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تُوحد الأمة وتقطع يد التدخل الأجنبي في بلادها، لذلك فإن نصرة المخلصين في الجيش السوداني الذين يُدركون أن الانحياز إلى مشروع الأمة هو استنصار للإسلام، لا لحزب أو لشخص، بل لنهج رباني يُعيد للأمة هيبتها وسيادتها، وأن الوعي السياسي الجماهيري هو حجر الأساس في مواجهة هذا المخطط، وأن الأمة قادرة على النهوض إذا توفرت القيادة المخلصة والرؤية الواضحة.

 

ختاماً، فإن السفينة تُخرق من الداخل، لكن اليد التي تحمل أسباب الخرق هي من ترسم وتخطط تمتد من واشنطن ولندن وباريس. وما لم يُدرك أهل السودان حقيقة المعركة، فإن الغرق بالكامل قادم لا محالة. وما الحرب إلا وسيلة لإعادة رسم الخرائط، وتصفية النفوذ، وتثبيت الهيمنة. لكن الوعي هو أول الطريق نحو النجاة، والنصرة هي مفتاح التغيير الحقيقي.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حاتم العطار – ولاية مصر

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.