Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الهيمنة الناعمة ومعاناة الشعوب من السودان إلى ليبيا

 

في زحمة الأحداث المتسارعة التي تعصف بمنطقتنا العربية، يبرز مشهد مؤلم من التدخلات الخارجية والقرارات الدولية التي تُفرض من وراء البحار، من دون اعتبار لإرادة الشعوب أو لحقها المشروع في تقرير مصيرها، لتكون دماء أبنائها ثمناً لصراعات دولية وإقليمية.

 

السودان وليبيا ليسا سوى مثالين صارخين على هذا الواقع المختل، الذي تحوّلت فيه الدول إلى ساحات نفوذ، وأدوات ضغط، وصناديق بريد لتبادل الرسائل بين القوى الكبرى.

 

فهذا السودان بلد منهك، تُصنع قراراته في الخارج منذ اندلاع الأزمة فيه. لم تكن أمريكا بعيدة عن المشهد، بل كانت حاضرة بكل أدواتها: من التصريحات النارية، إلى العقوبات الانتقائية، إلى محاولات تشكيل خارطة السياسة وفق رؤاها ومصالحها. وها هي اليوم تلوّح بعقوبات على شخصيات سياسية سودانية بحجة عرقلة التحوّل الديمقراطي، بينما تغضّ الطرف عن أطراف أخرى متورطة في الصراع ذاته، لكن مواقفها أقرب إلى خدمة المصالح الأمريكية. فهل هي حقّاً جادّة في تحقيق حياة نزيهة في السودان؟ أم أنها تختار مَن تُعاقب ومَن تُسامح بحسب ما يوافق مصالحها، تحت شعار مساعدة الشعب السوداني من أجل الاستقرار؟

 

وفي ليبيا يتكرّر المشهد بصورة أخرى. فمنذ سنوات يعاني الشعب الليبي من انقسام سياسي وتدخلات دولية مزمنة، ومع ذلك تُصرّ أمريكا على دعم حكومة الدبيبة، رغم انعدام القبول الشعبي الحقيقي لها. وهكذا تتحوّل الشرعية إلى مفهوم يُمنح أو يُسحب بحسب الموقف الأمريكي.

 

مع الأسف، ما نشهده اليوم هو "هيمنة ناعمة" تمارسها القوى الكبرى عبر أدوات متعددة من خلال العقوبات الاقتصادية، أو الضغوط السياسية. إنها أدوات حديثة للاستعمار، أشدّ وجعاً مما تفعله الجيوش، لأنها تضرب العمق في السيادة والكرامة والقرار.

 

وفي خضم هذا التدافع الدولي، تقف الشعوب في السودان وليبيا وتونس واليمن وسوريا، في طابور طويل من المعاناة؛ جوع، نزوح، وغياب أفق، بينما القوى الكبرى تتصارع على النفوذ، وتوزّع الولاءات، وتبرم الصفقات.

 

لكن يبقى السؤال الأهم: ما هو الخلاص من هذه الهيمنة؟

 

أقول: ليس أمام هذه الشعوب خيار سوى استعادة زمام أمرها، وعليها أن ترفض أن تكون مجرد أدوات على رقعة شطرنج الكبار. لذلك فإن طريق الخلاص يبدأ حين تستعيد الأمة وعيها، وتحيي في وجدانها قيم العزة والسيادة والكرامة. والتاريخ يعلّمنا أن الأمم التي أرادت الحياة انتصرت رغم جبروت المحتل. فهل آن الأوان أن نقول: كفى؟ هل آن الأوان أن نكتب مصيرنا بأيدينا لا بأقلام غيرنا؟

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.