Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

انكشاف الكذبة الكبرى

الرأسمالية بين الوهم والحقيقة

 

الحقيقة الدامغة أن العالم كله يكتشف الآن قضية الكذب عند حكام الغرب، وعلى رأسهم أمريكا. فهل اكتشافهم الآن لهذه الحقيقة دلالة على الغباء؟ أم أن ما عاشوه من كذبة في مفهومهم الديمقراطي وحرياته كان هو السبب لعدم فهم مبدئهم؟ هل حقيقة أن ترامب يكذب أم يتوهم أنه يكذب؟ وما هو المقياس والميزان الذي يجب أن يُحدَّد به الكذب من الصدق؟ وهل كانت أمريكا وأوروبا وزعماء العالم صادقين مع أنفسهم وشعوبهم والعالم منذ نشأة المبدأ الرأسمالي وتسيُّده على الكرة الأرضية؟

 

حول هذه التساؤلات يجب أن تدور الاستفسارات والبحوث والطروحات والإجابات؛ لأن الزعماء في العالم محكومون لأنظمتهم وقوانينهم ومبادئهم التي تُشرِّعها مجالسهم التشريعية وحكوماتهم على مدى العقود التي مضت، والبقية من عمر المبدأ الذي بقي. وما هو الحل إذا كانت هناك معضلة الكذب المشار إليها؟ وهل الكذب مُباح أو مشروع في مبدئهم؟

 

منذ بداية القرن الثامن عشر، استولى المبدأ الرأسمالي على أجزاء كبيرة من الكرة الأرضية. وعقيدة هذا المبدأ هي: "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، ما يعني أن من أراد الإيمان بالله فعليه حصر ذلك في ذاته، فهو يخص المؤمن بوجود الله وعظمته وهويته وملكوته، ولا يجوز التصرف في الحياة والعمل بها بناءً على هذا الفهم. والتصرف بالحياة عملاً وممارسةً مرده إلى آلهة الأرض (قيصر) ومجالسه التشريعية.

 

إذاً، مفهوم العقيدة الرأسمالية وعلمانيتها هو فصل الدين عن الحياة، فالدين محصور بذات الشخص والكنيسة، ولا علاقة له بتصرفات الأفراد والمجتمعات والدول، حتى وإن تمّت الإشارة للدين في النصوص التشريعية، فهو لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون، واستخفاف بالعقول. وهذه القاعدة ترسِّخ مفهوم الكذب والنفاق عند الخاصة والعامة؛ لأن سياسة هذا المبدأ بالمجمل معنىً ومفهوماً أن السياسة هي "فن الكذب".

 

هذا التضليل الإعلامي جعل الأكاديميين والسياسيين والمفكرين والعوام يعيشون الكذبة الكبرى وهو المبدأ، دون التفكر بمعناه ومبناه ومفهومه، وأن هذا المبدأ بتدليسه على الشعوب وما يطرحه من قيم (الحريات، الطفل، المرأة، الحيوان، الشذوذ، والديمقراطية...) وإنشاء منظمات ومؤسسات لها وإنفاق المليارات لترويجها وشراء الذمم من خلالها، ما هو إلا للطمس على العقول ومنعها من التوقف والتأمل والتفكير ولو لبرهة صغيرة بالمبدأ ومخرجاته. ولذلك، كل من سلط الضوء أو حاول التفكير كان إما أن يُطمس أو يُهمَّش أو يُسجن أو يُقتل أو يُشرَّد في أصقاع الأرض.

 

إن المبدأ الرأسمالي بأكذوبته الكبرى استكبر وافترى وتمدد وساح في الأرض، وأصبح هو الإله الذي يُعبد من دون الله، فهو المُشرِّع وبيده صولجان الحكم وسيف القهر، والناس تبع لملوكهم وأديان ملوكهم بذلك.

 

إن المدقق في تصريحات الحكام والأنظمة والأكاديميين والسياسيين على مدار القرنين الماضيين سيجد أنها كلها كانت قائمة على كذبة: الحربين العالميتين الأولى والثانية، وإلقاء قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، واحتلال فيتنام وأفغانستان والعراق، وضرب ليبيا وإيران، واحتلال فلسطين وإقامة الكيان المسخ عليها، وما صاحب ذلك من تصريحات ومؤتمرات واجتماعات في الأمم المتحدة التي قامت وما زالت قائمة على أكبر أكذوبة في التاريخ (تحرر الشعوب وتقرير المصير وعدم التدخل في شؤون الدول وعدم الاعتداء فيما بينها أو من قوى أكبر منها)، ومشروع "الحرب على الإرهاب". أكذوبة كبرى وأكاذيب لا حصر لها تفوق الخيال والتصور.

 

كشف هذه الأكذوبة عن عقول الشعوب والأكاديميين والسياسيين والمفكرين لا بد أن يكون بحجمها، فكانت عملية طوفان الأقصى. هم يمكرون ومكرهم عظيم ولكن مكر الله أعظم من مكرهم لأن مكرهم عند الله، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾. فهذا الحدث كشف للناس مفهوم المبدأ والكذبة الكبرى أن العالم الغربي بُني على كذبة تم تسويقها بالحديد والنار والصراع والاستعمار على أنها الحقيقة.

 

إن ما يجري في غزة والضفة في هذا الوقت ومنذ سنتين ليس حدثاً طبيعياً ولا بشرياً، والبشر الذين بدأوه كانوا أسباباً وظيفتهم تفجير الصاعق، أما شدة الانفجار ومدى وصوله وأثره، فهي للمدبر الحكيم العليم.

 

وبالنظر إلى الافتراق العالمي بين مؤيد ومعارض لما يجري، نجد أن كفة التأييد في تصاعد صاروخي ومُدَوٍّ، وأن اصطفاف العالم إلى فرقتين، فرقة تنحاز للحق والحقيقة، وفرقة تنحاز للباطل وكَذِبِهِ، يُشير إلى أن الله سبحانه وتعالى أراد من ذلك التمايز بين الحق والباطل، ثم إن معسكر الباطل سيبدأ بالتفسخ شيئاً فشيئاً، ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سالم أبو سبيتان

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.