Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حين يتجمّل الباطل بثوب السلطان!

 

في أزمنة تتقلّب فيها الموازين، ويعلو فيها صوت الباطل، قد يتخيّل البعض أنّ الباطل قد غدا حقّاً، وأنّ الظلم قد لبس حلّة العدل، وأنّ القمع أصبح سياسة، والطغيان حكمة، والجبروت نظاماً. لكن الحقيقة، وإن طال ليلها، لا تُمحى، والباطل، وإن استقوى بعرش السلطة، لا يتحوّل إلى فضيلة.

 

ربما يمنح الزمن دوراً للباطل، وقد تُقيم له القوى العمياء دولة وسلطة، ويُشيَّد له قصر من وهم، ويُبنى له تاريخ مزيّف، غير أنّ ذلك يبقى باطلاً مهما صوّره الإعلام، ومهما صوّتت له الجموع خوفاً أو تملّقاً.

 

فلنتأمّل في فرعون الذي قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾؛ فهل غيّر جبروته من حقيقته؟ هل تحوّلت جرائمه إلى أمجاد؟ هل صارت قوته حكمة؟ كلا أبداً، فقد ظلّ التاريخ يلعنه، وظلّت البشريّة تذكره رمزاً للطغيان لا للعدل. وكذلك كلّ من لبس رداء الباطل، مهما عظم سلطانه، لا يلبث أن يتعرّى أمام عدالة التاريخ.

 

إنّ الحقّ لا يُقاس بكثرة الأتباع؛ فقد يُغتال الحقّ في وضح النهار، وقد يُنفى الصادقون، وتُكمَّم أفواههم، وتُطمس الحقائق، لكنّ الحقّ يظلّ حقّاً وإن حاصرته الظلمة.

 

نحن نعيش في عالم تتقلّب فيه الحقائق بفعل الإعلام الموجَّه، أو بسطوة القوّة، أو بصمت الشعوب. لكن لا شيء يضفي على الباطل شرعيّة دائمة، فما تأسّس على الظلم يسقط ولو بعد حين. فلندرك أنّ الزمان قد يمهل الباطل، لكنّه لا يخلّده، وأنّ التاريخ وإن كُتب بأيادي الأقوياء، فإنّ الحقّ هو من يضع الخاتمة.

 

واليوم، ما تفعله الحضارة الغربية من استعباد للشعوب المقهورة التي لا تملك من أمرها شيئاً، والتي تعيش في خنادق الحاجة، جعل منها حضارةً تتحوّل إلى آلة تلتهم الإنسان، وتقايض دمه بالنفط، وكرامته بالأسهم!

 

في كلّ مكان، هناك شعب يعاني لكي يزداد أصحاب الأبراج الشاهقة رفاهيةً فوق رفاهيتهم. فهل تنجو حضارة أُسِّست على القهر واستعباد الشعوب؟ إنّ التاريخ يعلّمنا أنّ الطغيان لا يملك إلا مهلة، وأنّ الباطل، وإن تجمّل، فإنّه يحمل في داخله بذور فنائه.

 

وكما سقطت الإمبراطوريات، وانهارت أصنام الذهب، فستسقط هذه الحضارة الخبيثة، وسينهض من بين ركامها إنسان جديد، لا تُقاس قيمته بما في جيبه، بل بما حباه الله وكرّمه به من نِعم. وستُرفع رايات الكرامة فوق أنقاض أسواقهم السوداء، ويسود نظام الإسلام؛ لينقذ البشريّة المعذّبة من جبروت الرأسماليّة القذرة، وليبثّ العدل والخير في ربوع المعمورة.

 

ذلك النظام الذي جعل من الزكاة حقّاً يُؤخذ لا فضلاً يُعطى، ومن الربا جريمة، ومن العدل أساساً... وإن شاء الله سيعود بمنهجه؛ ليقيم القسط، وينقذ المستضعفين، ويسعد البشريّة جمعاء، ويحرّر الإنسان من عبوديّة العباد إلى عبوديّة ربّ العباد، وما ذلك على الله بعزيز: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مؤنس حميد – ولاية العراق

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.