Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

حُكم المشاركة في الانتخابات الديمقراطية

 

 

 

أعلن رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات يوم الثلاثاء الموافق الأول من تموز/يوليو 2025 بأنه استناداً لأحكام الدستور والقانون، تم تنظيم الاستحقاق الانتخابي لاختيار أعضاء مجلس الشيوخ للفصل التشريعي الثاني 2025-2030، ولتطبيق هذا النظام جارٍ البدء في إجراءات انتخابات مجلس الشيوخ المقرر عقدها أوائل شهر آب/أغسطس 2025.

 

من المعلوم أن النظام الديمقراطي يقوم على أساس فصل الدين عن الدولة، وجعل التشريع للشعب عن طريق مجالس النواب التي تضع الدستور والقوانين.

 

أيها المسلمون في أرض الكنانة، إنه من الواضح أن هذا النظام ماضٍ في تطبيق الديمقراطية التي شرّعها لنا الغرب الكافر، والتي جرّت علينا الويلات من قتل وتدمير القرى وترويج الفاحشة، وخلق فجوة بين فئات المجتمع حيث جعل فئة قليلة من المجتمع تستحوذ على الجزء الأكبر من ثروات البلاد.

 

إن النظام الديمقراطي تكريس للدولة المدنية العلمانية، التي يتم خداع الناس بأنها دولة مؤسسات يتساوى فيها الناس أمام القانون، وتكفل الحريات للجميع، وهذا في حد ذاته باطل، لما رأيناه على مدى العقود السابقة من وسائل القمع التي يمارسها النظام.

 

وأيضاً بخداع المسلمين بأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، وهذا يجعل مصادرَ أخرى للتشريع غير الوحي.

 

أيها المسلمون: إن الغرب الكافر قد فرض هذا النظام عليكم عن طريق النظام الحاكم وعملائه، حتى يمنعوا وصول الإسلام إلى الحكم، لكي يستمروا في نهب ثرواتكم. قال تعالى:﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً.

 

إن الديمقراطية التي سوّقها لنا الغرب هي نظام كفر، لا يجوز أخذها ولا العمل بها والدعوة إليها، ولا علاقة لها بالإسلام، فهي نظام حكم من وضع البشر، لا علاقة له بوحي أو دين.

 

فقيام الشعب بانتخاب وكلاء عنه، والمتمثلين بالمجالس النيابية التي تختار رئيس الدولة والحكومة، تنتج عنه فكرتان أساسيتان في النظام الديمقراطي، وهما: السيادة للشعب والشعب مصدر السلطات.

 

ويتم التصويت على القوانين الوضعية بأغلبية الأصوات، وهو حكم الأكثرية، وهو قول مخالف للحقيقة؛ فقد رأينا كثيراً من القوانين يُصدّق عليها الحاكم بدون علم المجالس التشريعية، وتكون تلك القوانين في خدمة أصحاب رؤوس الأموال والمنتفعين من وراء النظام، حتى لو كانت أحكاما إسلامية وخضعت للتصويت واختارتها الأغلبية، فاختيارها والعمل بها والحال كذلك فقط لكونها رأي الأغلبية وليس لكونها حكما شرعيا واجب التطبيق. قال تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً﴾ فلا يليق بل لا يجوز لمؤمن أو مؤمنة، إذا حكم الله ورسوله في مسألة من المسائل أن يختاروا لأنفسهم رأياً أو حُكماً يخالف ما جاء من الله ورسوله. ومن يخالف أمر الله ورسوله أي التشريع الذي أتى به الوحي فقد انحرف عن الطريق المستقيم انحرافاً واضحاً بيّناً.

 

والديمقراطية أساسها وعملها حماية الحريات، كحرية التملك التي ترتب عليها وجود الرأسمالية الجشعة، التي تمتص ثروات الفقراء لتدخل في خزائن الأغنياء، وفكرة الحرية الشخصية التي أدت لانحطاط المجتمعات، وأوصلت البلاد إلى مستوى من الإباحية، كما نراه في وسائل الإعلام التي ترعاها الدولة، وقد أدى ذلك إلى تفسخ الأسرة في هذه المجتمعات.

 

ومن وسائل خداع الغرب الكافر، أنه اعتمد أسلوب التضليل بإفهام المسلمين أن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام لأنها هي الشورى، وقد أثّر ذلك على جمهرة المسلمين.

 

فالشورى ليست الديمقراطية ولا يجوز الخلط بينهما لأنها تختلف عنها في المفهوم الذي وضعه أصحابها، فالديمقراطية نظام حكم ويعني فصل الدين عن الحياة أو حكم الشعب، والشعب فيها هو المشرع فهو الذي يضع نظامه ودستوره وقوانينه، أما الشورى فإنها ليست نظام حكم وإن كانت من نظام الحكم، وهي وسيلة تُتّبع في التحري عن الرأي الصائب، حيث إن الشورى هي أخذ الرأي في مسألة ما، فالحاكم يرجع إلى مستشاريه، وهم من لهم خبرة بشؤون الحكم إن أراد، والقاضي يرجع إلى الفقهاء والمجتهدين لمعرفة رأيهم في مسألة قضائية، وهكذا، فهل يصح لمجتهد أن يسأل مهندساً في قضية شرعية التبس عليه فهمها دون أن يكون لهذا المهندس اطلاع على الفقه والتشريع؟

 

رجال السياسة أخلصوا للغرب ونظامه، وجعلوه قبلة أنظارهم، يستعينون به ويتكلون عليه، وجعلوا من أنفسهم حراساً لقوانينه، وخُدّاماً لمصالحه، وناصبوا الله ورسوله العداء، فوقفوا في وجه المخلصين الذين يدعون إلى إقامة النظام الإسلامي.

 

أما في الإسلام، ونظام حكمه الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي يقابل الديمقراطية والرأسمالية حقيقة فتكون السيادة للشرع والسلطان للأمة.

 

ومعنى السيادة للشرع: أن الله وحده هو المشرّع، ولا تملك الأمة أن تشرّع حكماً واحداً. فالحضارة الإسلامية تقوم على العقيدة الإسلامية، وتوجب تسيير الحياة والدولة بأوامر الله ونواهيه، أي بالأحكام الشرعية، ولا يوجد مفهوم الحريات في الإسلام، فالمسلم مقيّد في جميع أفعاله وأقواله بما جاءت به النصوص الشرعية. قال تعالى ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماًوقال سبحانه: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ.

 

أيها المسلمون: الانتخابات ليست محرّمة لذاتها، بل هي مباحة وهي وسيلة تُستخدم لاختيار الخليفة، أو لمبايعة من يحق له الحكم، أو لاختيار ممثلي الأمة (مثل أعضاء مجلس الأمة). أما الانتخابات التي تُجرى في ظل الأنظمة غير الإسلامية والتي تكون جزءاً من نظام حكم ديمقراطي - كأن يُنتخب برلمان يشرّع من دون الله - فهي محرّمة شرعاً لأنها تقرّ بمبدأ السيادة للشعب وتشريع غير ما أنزل الله. لذلك، فإن المشاركة في هذه الانتخابات - ترشحاً أو تصويتاً - لا تجوز شرعاً، لأن فيها إقراراً بنظام كفر، ومساهمة في إنتاج مؤسسات تحكم بغير ما أنزل الله.

 

فالانتخابات ليست مرفوضة مطلقاً، لكنها تُرفض إذا كانت جزءاً من نظام علماني ديمقراطي يقوم على سيادة الشعب وتشريع البشر. أما إذا كانت وسيلة ضمن نظام الإسلام (الخلافة) لاختيار الحاكم أو من يساعده، فهي جائزة شرعاً ووسيلة مشروعة لتنظيم الحكم.

 

الانتخابات التي تُجرى ضمن دولة الخلافة، أي الدولة التي تطبّق الإسلام كاملاً في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع، فهي جائزة بل ومندوبة أحياناً. لأنها تكون في ظل دولة العدل التي تحكم بوحي الله وشرعه والتي بشّرنا بها الرسول ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ».

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعد معاذ – ولاية مصر

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.