Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الاقتتال في السودان يستعر بينما الحكومة تنشغل بحصص الوزارات!

 

ينشغل رئيس الوزراء السوداني د. كامل إدريس، الذي أدى القسم رسمياً، يوم السبت 31/05/2025م، رئيساً لمجلس الوزراء السوداني، أمام رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، ينشغل بمشاورات مكثفة لتشكيل حكومته؛ التي سماها حكومة الأمل، محاولاً العبور بها مع ما تعترضه من مشاكسات؛ حيث دفعت قوى سياسية متحالفة مع الجيش السوداني بمذكرة إلى رئيس الوزراء، مطالبة بإشراكها في المشاورات السياسية قبل الإعلان المرتقب للحكومة الجديدة، واعترضت كذلك أطراف رئيسية في تحالف الكتلة الديمقراطية على إقصائها عن المشاورات، قبل إعلان كامل إدريس رئيسا للوزراء. (سودان تربيون، 22 حزيران/يونيو 2025 م).

 

والعقبة الأخرى الكؤود أمام تشكيل الحكومة، هي أطراف اتفاق جوبا للسلام، حيث كشف رئيس حركة تحرير السودان؛ المشرف العام على القوة المشتركة، مني أركو مناوي في تصريحات لسودان تربيون، عن اجتماعات مكوكية مع رئيس مجلس السيادة؛ عبد الفتاح البرهان، ناقشت مصير الشراكة، وقال المشرف العام للقوة المشتركة وحاكم إقليم دارفور: "لم نناقش موضوع الحصص حتى الآن، ورأينا أن نحسم أولا مسألة الشراكة"، وأشار مناوي إلى أن الاجتماع انتهى بالتأمين على اتفاق جوبا، لكنه عاد وقال إن الكرة الآن في ملعبهم، ودافع مناوي عن سعيهم للحفاظ على الشراكة وفقا لاتفاق جوبا، قائلا: "مناقشة قضايا السلطة وتوزيعها كما نصت عليه الاتفاقيات هو من صميم العمل السياسي الذي خرجنا لأجله ودفعنا فيه ثمنا باهظا"، وتابع "هذا ليس أمرا مخجلا".

 

بالطبع فإن هذه الأطراف المتصارعة على السلطة، تعلن بلا خجل، عن بيع دماء أهل السودان وأعراضهم، في مزاد الاستوزار العلني، ولا يهمهم ما يعانيه أهل السودان من ويلات هذه الحرب القذرة، التي لم يسلم منها حتى الشجر والحجر، ولا تزال الحرب مستعرة، ونتج من جرائها أزمات إنسانية واقتصادية واجتماعية بأشكال غير مسبوقة، فها هي المتحدثة باسم بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، منى رشماوي، في بيان عن الحرب الدائرة تقول: "ما يجري في السودان ليس فقط أزمة إنسانية، هو أزمة الإنسانية بذاتها" (مونت كارلو، 18/06/2025م). وقال رئيس هذه البعثة، محمد شاندي عثمان: "إن المدنيين ما زالوا يدفعون الثمن الأكبر"، معترفاً بأن النزاع يزداد "تعقيدا ووحشية".

 

وبينما يدور الصراع على السلطة في بورتسودان، تواصل قوات الدعم السريع تمددها في دارفور، حيث أفادت في بيان في 14/06/2025م، بأنها تمكنت من "تحرير منطقة المثلث الاستراتيجية، التي تقع في أقصى شمال غرب الفاشر، وتُشكّل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر، في خطوة نوعية"، ويواصل الدعم السريع حصاره على مدينة الفاشر التي يستهدفها منذ سنة، ليعلن بعد استلامه لها السيطرة الكاملة على دارفور، وهذا ما نتوقعه، لا قدر الله إذا سارت الأمور على النحو الحالي، فقد جاء في جواب سؤال أصدره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة بتاريخ 21/05/2025م: (والمتوقع هو أن تشتد الهجمات على مدينة الفاشر وأن تتراجع قطاعات الجيش التي كانت في طريقها لنصرة مدينة الفاشر، وأن يأخذ مجلس السيادة وقتاً لترميم هذا الخراب شرقي السودان، ولا يرجح أن تبدأ مفاوضات جدة من جديد قبل سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، أو يكون لها الثقل فيها، وهي مهمة في دارفور، وعندها تصنع أمريكا توازناً للقوة والسيطرة بين القوتين السودانيتين (الجيش والدعم السريع)، حتى إذا استؤنفت مفاوضات جدة يكون الدعم السريع قد خلع ثوب الهزيمة ووقف واثقاً من قوته وثبات سيطرته وقد أسس حكومة أمر واقع في دارفور، أي خلق الظروف المناسبة لإنضاج التقسيم، وصيرورته أمراً واقعاً يجب التسليم به).

 

وما تجدر الإشارة إليه، هو أن الدعم السريع كان قد وقع اتفاقا مع الحركة الشعبية شمال في نيروبي في نيسان/أبريل 2025م، وأسس تحالفا سياسيا، وعسكريا تحت مسمى "تحالف السودان التأسيسي"، الذي أبرز الكثير من التساؤلات حول متانة هذا الحلف بين الحركة، وبين الدعم السريع. وينظر العديد من الفاعلين داخل الحركة إلى حميدتي بعين الريبة، ويتخوفون من سعيه لبسط سيطرته على منطقة جبال النوبة، العمق الاستراتيجي للحركة الشعبية شمال - جناح الحلو. وقد يكون المحللون على صواب، فكأن هذا التحالف هو تحضير مبكر، لنقل المعارك إلى هناك في حال فشل الدعم السريع في الاستيلاء على دارفور، أو نشط المخلصون في الجيش في إعادة السيطرة على دارفور، ففي هذه الحالة قد يواصل الدعم السريع معارضته، ومعاركه العسكرية من جبال النوبة، أو من أجزاء أخرى من كردفان.

 

لقد أنهكت هذه المعارك أهل السودان، ودمرت نسبا كبيرة من البنى التحتية في البلاد. تقول الأمم المتحدة إن إقليم دارفور يعاني من أزمة عميقة، حيث يحتاج 79% من سكانه إلى مساعدات إنسانية وحماية. فبدلاً من أن تسعى الحكومة لوأد هذه الفتن والمصائب والويلات، وإعلان وقف إطلاق النار بأعجل ما يكون، وفق الأحكام الشرعية المتعلقة بالاقتتال بين المسلمين، بدلاً من ذلك، تغض الطرف عن حسم المعارك، وتنشغل بالصراع حول كراسي السلطة المهترئة، ولا يهمها حتى علاج المرضى، ولا توفير الأمن والاستقرار، بل حولت البلاد إلى مسرح لتدخلات الدول الطامعة وشركات الاحتكارات الكبرى لنهب ثروات الأمة. وقد نزح جل أهل السودان، ولجأوا إلى دول الجوار، بعد أن فقد أكثرهم كل ما يملكون، فأصبحت المنظمات الدولية والإقليمية تعدّ الفقراء عدّاً وتتحدث عن الجوع والمرض وتذرف دموع التماسيح، لعلها تجد مدخلاً لأسيادها للتدخل في إدارة شؤون السودان، فقد أوردت وكالة السودان للأنباء (سونا) في 27/6/2025م، أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق البرهان قد تلقى اتصالا هاتفياً من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عبر فيه عن ترحيبه بتعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء... و(دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى إعلان هدنة إنسانية لمدة أسبوع في محلية الفاشر دعما لجهود الأمم المتحدة وتسهيل وصول الإغاثة للآلاف من المواطنين المحاصرين هناك، وهو ما وافق عليه رئيس مجلس السيادة مشدداً على أهمية تطبيق قرارات مجلس الأمن التي صدرت في هذا الخصوص).

 

إنه لمن المؤلم جدا أن يتصارع حكام بلادنا على السلطة، ويفسحون المجال لتقوم منظمات الكفر برعاية شؤوننا، والتدخل في سياساتنا، بل ويرحبون بقرارات تمكن من نفوذها في بلادنا، ويتوقون إلى الاحتكام لما يسمى بالشرعة الدولية، بينما تتوق الأمة، حين التخاصم والنزاع، إلى أحكام الإسلام التي تخرجهم من الظلام إلى نور الإسلام. فهلا وجد في الجيش من يخلص لله، وينصر الدين ويقيم شرعة رب العالمين؟!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

يعقوب إبراهيم (أبو إبراهيم) – ولاية السودان

 

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.