Logo
طباعة
العبرة المستفادة من حرائق أمريكا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

العبرة المستفادة من حرائق أمريكا

 

 

 

الخبر:

 

تناولت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية نبأ الحرائق المستمرة في كاليفورنيا وعجر الإدارة الأمريكية عن احتوائها في ظل رياح ساهمت في تأجيج الحريق الذي تسبب بدمار واسع وخسائر تقدر بمئات المليارات من الدولارات.

 

التعليق:

 

عادة ما يثار جدل واسع بين المسلمين كلما حلت كارثة في بلاد الغرب، حيث يعتبر كثيرون أن هذا البلاء هو حتما عقاب رباني يصبّه الله على أعداء الأمة والدين وانتقاما منه للمظلومين المستضعفين، ويستدلون بقرائن الحال من تحدي زعماء الغرب لخالق الكون وأن سنة الله في عباده أن يقصم الظالمين إذا بلغوا حدا من العلو في الأرض والتكبر والجبروت، ومصداق ذلك أن حرائق أمريكا اليوم ما هي إلا رد رباني على تصريح ترامب بأنه سيحول الشرق الأوسط إلى جحيم إن لم ينفذ مطلبه بتحرير أسرى كيان يهود، فأحرق الله له أحد أشهر مدن أمريكا وجعلها أثرا بعد عين، ليعرف العالم أن الجحيم بيد الله يصبه على من يشاء من الظالمين.

 

في حين يرى فريق آخر أن الكوارث الطبيعة تجري وفق سنن الكون وهي تصيب المؤمنين والكافرين على حد سواء، فحرائق خيام الحجاج بمنى وزلزال تركيا والشام أو طوفان ليبيا ليست على قوم كافرين ولا انتقاما من متجبرين، وأن من الخطورة الاستدلال بالكوارث على أنها تحل بالكفار انتقاما فهذا قد يُحمل على جعل المسلمين الذين تحل بهم المصائب في موضع تهمة في دينهم بل إن التهمة قد تصل إلى التشكيك بالإسلام نفسه.

 

وللوقوف على ما يجب فهمه والاعتبار به من هذه الأحداث ونظائرها، لا بد من التنبه للحقائق التالية:

 

- إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أننا في دار ابتلاء وامتحان وأن كل ما يصيب البشر هو داخل في هذه الدائرة سواء أكان مما يسرهم ويراه الناس خيرا، أم كان مما يسوؤهم ويضرهم ويراه الناس شرا، فالله يختبرنا في السراء والضراء هل نشكر ونصبر أم نعصي ونكفر، وعليه فالنعم والنقم كلها جميعا تكون على المؤمنين والكافرين من باب الابتلاء الواسع وهذه سنة ربانية دائمة مستمرة.

 

- إن الله تعالى أخبرنا على لسان رسله أنه ينتقم من المتكبرين الجبارين المعاندين إن شاء في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً﴾، وقال تعالى: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ، ولكن كون الابتلاء عقاباً على ذنب أو كفر هو أمر في علم الله وحده، لأنه متعلق بإرادته وتدبيره في خلقه، ومراده من هذا الابتلاء، والقول بأن هذا العذاب هو عقاب رباني على قوم أو قرية بغير وحي ينص على ذلك، لا يعدو ظنا وتقديرا بشريا بغير دليل قاطع، ولذلك لا يجوز الجزم بمراد الله من هذه السنة الكونية وإنما يكتفي المسلم بجعل ذلك احتمالا قويا إن قوي بالقرائن ويكل العلم إلى الله بحقيقة مراده.

 

أما العبرة البارزة التي لا يصح الخلاف عليها، ولا تصح الغفلة عنها، فهي قدرة الله الغالبة فوق العباد مهما كانوا أصحاب قوة وقهر وتجبر، وأن الله قادر على أن يشغل أمريكا وغير أمريكا بأنفسهم، ويأتيهم من حيث لم يحتسبوا، ويصرفهم عن عباده المؤمنين أو المستضعفين، ويرد كيدهم في نحورهم، ويجعل تدميرهم في تدبيرهم، فكما هزم الأحزاب بريح باردة اقتلعت مخيمهم وأطفأت نارهم ﴿وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً، وكما أنقذ أهل ليبيا والمغرب العربي من الفناء والتطهير العرقي على يد فرنسا وإيطاليا، وذلك بحرب عالمية أشغلت أوروبا بنفسها، هو القادر أن ينصر أمة الإسلام إن قامت وهبّت في وجه عدو الله وعدوها، وإن صدقت الله توكلا واعتمادا وطاعة واتباعا، وبأن تستعيد ثقتها ويقينها بأن الله غالب على أمره، وأنها إن أخلصت في جنديتها لدينه، والثبات في الصف في جيشه، لا تبرح الموضع الذي اختاره الله لها، فهي منصورة بنصره عزيزة بعزته، فالله لا تعجزه أمريكا ولا من هم أشد قوة منها، وعليه فالصواب أن نقرأ هذا الحريق وغيره بأنه رسالة لأمة الإسلام، تذكرنا بأننا جنود في صف من لا يعجزه شيء ولا يرد إرادته شيء، وقد آن أن نخشاه وحده ولا نخشى معه شيء.

 

قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ عدنان مزيان

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.