- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السمُّ الحقيقي ليس المبيدات الحشرية بل العقلية الرأسمالية التي تفتقرُ إلى الخوف من الله
(مترجم)
الخبر:
لم تُحزن وفاة العائلة الألمانية أثناء زيارتها لإسطنبول قلوب الأتراك فحسب، بل كشفت أيضاً عن مستوى التدهور في البلاد. ففي الأسبوع نفسه، وقعت العديد من حالات التسمّم الأخرى في مدن تركية مختلفة. وهكذا، برزت قضايا التسمّم الغذائي، ومكافحة الآفات، واستخدام المبيدات الحشرية في قطاعي الزراعة والأغذية من جديد.
التعليق:
لا تزالُ التحقيقات جارية في وفاة الأب والأم وطفليهما الصغيرين. وقد بدّدت الفحوصات شبهة التسمم الغذائي. ومع ذلك، يظهر جلياً وجود مظاهر عدم المسؤولية، وانعدام الإنسانية، والاستهتار بحياة الإنسان، فقد اتّضح أنّ الفندق الذي كانت تقيمُ فيه العائلة قد وضعها في غرفة واحدة أو غرفتين فقط بعد عملية تبخير في الفندق. كما تبيّن أن العائلة لم تتمكن من الوصول إلى سيارة الإسعاف المنتظرة خارج الباب، بسبب مغادرة موظف الاستقبال مكانه بعد إغلاق الباب! كما أنّ شركة مكافحة الآفات والعامل الذي أجرى عملية التبخير لم يكن لديهما ترخيص. وهناك أيضاً تقارير تفيد بأن كلا المستشفيين اللذين ذهبت إليهما العائلة أعاداها إلى الفندق بعد إجراء فحص وعلاج سطحيين فقط. ولا تزال التحقيقات الجنائية مستمرة.
خلال تلك الفترة، حيث كانت عائلة المكونة من أربعة أفراد تفقد حياتها، تمّ نقل أكثر من 200 شخص إلى المستشفى بسبب التسمم الغذائي في غضون 10 أيام، ما كشف عن مدى انتشار الإهمال وعدم المبالاة والمسؤولية في مسألة سلامة الغذاء.
في تركيا، تشكل الأطعمة الفاسدة وبقايا المبيدات تهديداً خطيراً للصحة العامة. ووفقاً لوزارة الصحة، يتمُّ اكتشاف المبيدات الحشرية، التي لها آثار مباشرة على صحة الإنسان، في واحد من كل ثلاثة منتجات يتمّ فحصها في أسواق السلسلة. وبالمثل، فإن استهلاك الأطعمة ذات الأصول غير الواضحة وبدون ملصقات، والنباتات التي يتمّ جمعها عشوائياً من الطبيعة، والأطعمة التي يتم إعدادها وتخزينها في ظروف غير صحيّة أثناء فعاليات تناول الطعام الجماعية، واستخدام المنتجات المحظورة أو منتهية الصلاحية، والموظفين غير المدربين، وعوامل مماثلة من بين أسباب زيادة حالات التسمم الغذائي.
إن قضايا مثل نقص عدد المفتشين في وزارة الزراعة والغابات، وضعف قدرات المختبرات، وعمليات تفتيش سلامة الأغذية التي تُجرى غالباً بناءً على شكاوى، وغياب مراقبة سلسلة التبريد في معظم نقاط الاستهلاك الجماعي، ومناطق التخزين غير القياسية، وعدم تدريب الموظفين على نظافة الأغذية، وحتى اعتماد شركات خاصة للأغذية العضوية مقابل رسوم بدل الدولة؛ كلها تعكس عدم مسؤولية على مستوى مؤسسات الدولة والجمهور.
في الواقع، نظراً لعدم أخذ ضوابط المبيدات على محمل الجد، فقد أصبحت تركيا الدولة صاحبة أعلى عدد من المنتجات المرفوضة في واردات الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، لا يتمّ إتلاف هذه الأطعمة المرفوضة في جمارك الاتحاد الأوروبي من مثل الفستق والمشمش والطماطم وغيرها؛ بل تُباع بأسعار زهيدة للناس في الأسواق المحلية.
باختصار، لقد أضرّت القيم والأهداف الرأسمالية، التي تُسيطر على عقلية الدولة، بعقلية الناس إلى حد كبير. في حين لا يجرؤ أحد، في أي مكان على وجه الأرض، على فصل التغذية الصحيّة للعقل عن التغذية الصحيّة للجسم. والفساد في أي منهما آفة تؤدي إلى هلاك الإنسان والمجتمع.
في الحقيقة؛ لقد حذّر الله سبحانه وتعالى الناس كافة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مُّبِينٌ﴾، وروي أنّ رسول الله ﷺ مرّ على صبرة في السوق، فأدخل يده في تلك الكومة، فابتلت أصابعه، فقال: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». رواه مسلم، وأوضح ﷺ أنّ منع محاولات خداع الناس وإزالة التهديدات لصحّة جميع الرعايا هو حق عام.
على مر التاريخ، اتخذت الدولة الإسلامية تدابير مختلفة لتوفير قوت الناس بطريقة صحية وموثوقة. ومن الحقائق الثابتة، المدعومة بالسّجلات، أنّ المنتجين خلال العهد العثماني قاموا بغشّ الطعام من أجل الحصول على ميزة تنافسية على حساب الصّحة العامة. ومن بين المنتجات المغشوشة، كان الدقيق والحليب ومنتجات الألبان والتوابل والأطعمة المعلبة والشاي في المقدمة. في الواقع، نصت المادة 194 من قانون العقوبات العثماني على عقوبات لمن يغش ويغير المكونات الأساسية للأغذية والمشروبات والأدوية بطرق ضارة بالصحة، وتم إنشاء لجنة الصحة العامة لمكافحة الغش الغذائي الذي يهدّد الصحة العامة. ووفقاً للأحكام الإسلامية، فإن الإشراف على التغذية الصحية للناس ومراقبتها هو أمر واجب على الدولة، تماماً مثل الحقّ في التعليم والرعاية الصحية والطبية وغيرها من الحقوق العامة. ومن واجب الدولة أيضاً تربية عقول تقية قادرة على الوفاء بمسؤولياتها الفردية والمجتمعية بالإضافة إلى محاسبة الدولة على أوجه القصور فيها؛ وذلك لقوله ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه البخاري.
من البديهي أنّ السمّ الحقيقي ليس مبيداً أو غيره، بل هو العقلية الرأسمالية التي تفتقرُ إلى الخوف من الله. فانعدام الخوف من الله، وبالتالي غياب الحكم بأحكام الله، يجعل الحياة الكريمة الآمنة مستحيلة على البشرية.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زهرة مالك