- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جيل المخاطر
(مترجم)
الخبر:
أثار الانفجار الذي وقع في محطة إس إم إيه نيجري 72 بجاكرتا، إندونيسيا، يوم الجمعة 7 تشرين الثاني/نوفمبر أثناء صلاة الجمعة، صدمةً واسعة. وأسفر الحادث عن مقتل 96 شخصاً. ولم يكن الجاني إرهابياً، بل صبياً زُعم أنه تعرّض للتنمر في المدرسة.
وصف أ. ب. ويديانتا، الأكاديمي من جامعة جادجاه مادا (UGM) المرموقة، هذا الحادث بأنّه الأول من نوعه في إندونيسيا، وأنه ردّ فعل شخصي بحت على العنف البيئي، الذي تضخم بفعل التكنولوجيا الرقمية، دون أي صلة بالجماعات الإرهابية المتطرفة. وجادل بأنّ أفعال الفتى المتطرفة لم تنشأ من فراغ، بل كانت نتيجة مشاكل مجتمعية متراكمة ومتأصلة من مثل عجز الأسر عن تلبية الاحتياجات العاطفية للأطفال، وانشغال المدارس بالمنافسة التي يحركها السوق، وعجز الحكومة عن حماية الأطفال من التعرض الرقمي الضار.
وأفادت كومباس في 15 تشرين الثاني/نوفمبر أنّه في حين إنّ التهديد من الإنترنت لم يهدأ بعد، إلاّ أنّ تهديداً جديداً ينشأ من الذكاء الاصطناعي. وفقاً لمسح APJII لعام 2025، من بين 8700 مشارك في إندونيسيا، استخدم 27.34% منهم منتجات الذكاء الاصطناعي، بزيادة عن 24.73% في العام السابق. وسجّل جيل Z أعلى نسبة استخدام، حيث بلغت 43.7%.
التعليق:
يمكن استعارة مصطلح "جيل المخاطر"، الذي صاغه عالم الاجتماع الألماني الشهير أولريش بيك، لوصف الجيل الحالي المتأثر بثقافة العنف التي يغذّيها العالم الرقمي. الفرق هو أن جيل المخاطر هو حالة يشعر فيها الناس بالضعف نتيجةً لظهور الحداثة أو التصنيع أو ميكنة الحياة؛ بينما جيل المخاطر هو الأطفال الذين يصبحون ضحايا النشأة في بيئة رقمية ومدارس تُعيد إنتاج العنف.
إن الانتشار المتزايد للتكنولوجيا الرقمية في الحياة اليومية للشباب له جانبان هما إتاحة فرص التعلم والإبداع، وتعريضهم أيضاً لمخاطر نفسية ومجتمعية متزايدة الخطورة. من التنمر الإلكتروني، والتلاعب الجنسي، والإدمان، والمقامرة الإلكترونية، إلى الحوارات العاطفية مع الذكاء الاصطناعي، أصبح الفضاء الرقمي مجالاً هشاً للجيل الشاب.
في ظلّ الرأسمالية، تُجرّد التكنولوجيا الناس من إنسانيتهم، بل تُهدد بتجريد الحضارة الإنسانية نفسها من إنسانيتها. علاوةً على ذلك، يجري التطور التكنولوجي اليوم في إطار علماني يُهمّش دور الدين، مُتخفياً وراء ستار الحداثة. في الواقع، تُشكّل التكنولوجيا المعاصرة بمصالح الرأسمالية، لا بهدف تعزيز رفاهية الإنسان، بل لتغذية الآلات التي يحرّكها الربح. ويُوجَّه التقدم في مجالات متطورة، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء، بشكل متزايد لخدمة مصالح قطاع الأعمال والأوليغارشيات السياسية.
إن فشل الدولة في حماية جيل الشباب من مخاطر العالم الرقمي يكشف أيضاً عن أمر أعمق، ففي النظام الرأسمالي، ينحصر دور الدولة في نهاية المطاف في ضمان عمل آليات السوق بسرعة وسلاسة، دون أي انقطاع. ومع ذلك، ينبغي أن تكون الدولة مسؤولة عن حماية رفاهية شعبها، وحماية دينهم وحياتهم وممتلكاتهم وكرامتهم. ومن المفارقات أن معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة أصبحت مجرد مستهلكة لمنتجات التكنولوجيا الكبرى التي تنتجها القوى الرأسمالية الغربية والشرقية، ما يجعلها عاجزة عن مواجهة الآثار الضارة لتقنيات اليوم.
لذلك، لا داعي للانبهار بالتقدم التكنولوجي الرأسمالي؛ فهو في النهاية مجرد إبداعات وابتكارات بشرية، وبالتالي محدود بطبيعته. علاوة على ذلك، يتضح بشكل متزايد أن التكنولوجيا التي تحركها أهداف رأسمالية مشوهة تساهم في تدهور الحضارة الإنسانية. تذكروا قول الله تعالى: ﴿لاَ يَغُرَّنَكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ﴾، وتفسير هذه الآية هو: "لا تكن أبداً، يا رسول الله، مخدوعاً أو مضللاً بأعمال الكافرين الذين يتنقلون بحرية في الأرض، ساعين وراء المكانة والغنى والمتعة الزائلة". وعلى الرغم من أن هذه الآية موجهة إلى النبي محمد ﷺ، إلا أن رسالتها موجهة أيضاً إلى أتباعه.
وكذلك، لا ينبغي أن تُخدعنا موجة الرقمنة التي جلبها الغرب إلى بلادنا أو تُبهرنا بقوتهم وتطورهم التكنولوجي. فوق كل هذه القوى، تقف قوة أعظم بكثير، قادرة على صد أي تيار رقمي. إن قوة الإيمان والعقيدة ووحدة الأمة تعتمد في نهاية المطاف على عون الله وقدرته.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فيكا قمارة