بسم الله الرحمن الرحيم
سياسة التعليم بين فشل دولة الحداثة ورؤية الخلافة الراشدة
لقد فشلت سياسة التعليم في تونس، بوصفها إحدى ركائز دولة الحداثة، ولم تُفلح معها الإصلاحات المتكرّرة. إذ بات أبناؤنا في ذيل الترتيب العالمي، ومدارسنا وجامعاتنا خارج التصنيفات، بينما ينقطع عشرات الآلاف من التلاميذ سنوياً عن المدرسة ويلقى بهم إلى الشارع، لتستوعبهم البطالة والمخدرات وقوارب الموت والجماعات الإجرامية المنظّمة، حتى بات الجميع يشهد على فساد المنهج التربوي وفشل مخرجاته، فضلا عن تهميش المدرّسين وتركهم في أسفل سلّم التّأجير.
واليوم، رغم تعاقب المبادرات، من الاستشارة الوطنية حول إصلاح التعليم (أيلول/سبتمبر - كانون الأول/ديسمبر 2023) إلى تركيز المجلس الأعلى للتربية والتعليم المنصوص عليه في دستور 2022، فإنّ ما طُرح في الاستشارة لا يعدو أن يكون ترقيعا شكليا وتكريسا لمشروع تغريبي استعماري علماني، وُضع سنة 1958 على يد الفرنسي جون دوبياس ونفّذه وزير التربية حينها محمود المسعدي، لإقصاء الإسلام عن التعليم وضرب الهوية الحضارية للمجتمع والأجيال الناشئة.
إن إعادة تدوير هذا النموذج المفلس لن ينتج إلا مزيداً من الانحطاط والانحلال والتبعية للغرب، ولن تنهض الأمة إلا برؤية تعليمية أصيلة تنبع من عقيدتها، فالسياسة التعليمية الصحيحة هي التي تقوم على أساس العقيدة الإسلامية، فتوضع السياسات التعليمية وأهدافها وفق منهجية تحافظ على هوية الأمة وعقيدتها الإسلامية لتخريج شخصيات إسلامية بعقلية ونفسية إسلامية، وإعداد أبناء المسلمين ليكون منهم العلماء المختصون في كل مجالات الحياة، كالعلوم الإسلامية (من اجتهاد وفقه وقضاء وغيره)، والعلوم التجريبية (من رياضيات وإعلامية وكيمياء وفيزياء وطب وغيره).
سياسة تعليمية تطبقها دولة قوية مرهوبة الجانب تملك قرارها، جامعة للمسلمين تحت راية الإسلام (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ألا وهي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تحكم بالإسلام وتحل كل المشاكل والأزمات للمسلمين وللعالم بأسره لأنها تحكم بنظام من خالق البشر الذي يعلم وحده ما يصلحهم في كل زمان ومكان، فتحدث نهضة علمية كبيرة وثورة صناعية هائلة وتقدماً غير مسبوق، وتعيد الحق إلى أصحابه.
فنظام الخلافة له رؤية سياسية واضحة ومستقلة، يجعل من التّعليم مصنعا لرجال دولة من الطّراز الرّفيع وتربة خصبة تنتج شخصيّات قويّة تتطلّع للقيادة ولا ترضى بالتّبعيّة المهينة. وهو يعتبر التعليم حاجة أساسية، ويوفّره مجاناً بأعلى جودة، مع إعادة هيكلة الأولويات وفق أحكام الشرع، لتسريع التقدم العلمي، فيرصد عوائد ضخمة من الملكية العامة وما تحت يده (مثل المعادن والطاقة والزراعة والثروة الحيوانية) وغيرها، من أجل بناء نظم فرعية تدعم قدرته في التمكن من أعلى مستويات المعرفة، ومن أهمها.
1. بناء نظام تعليم شامل يطوّر الشخصية الإسلامية من الابتدائي إلى الجامعة، لإنشاء جيل يمزج بين الصفة القيادية وإخلاص المؤمن، ويتمتع بمجموعة متنوعة من المهارات ومجالات الخبرة التي تحتاجها الأمة في معترك الحياة.
2. بناء نظام البحث والتطوير، للقيام بالبحث والاختراع والتطوير في تكامل بين الجامعات ومراكز البحوث التابعة للدولة، بحيث تكون كلها تحت إدارة الدولة إشرافا وتشجيعا وتمويلا.
3. بناء نظام صناعي استراتيجي تديره الدولة بشكل مستقل، لتطوير القدرات العسكرية بالوسائل الحديثة وتوفير الحاجات الأساسية للأفراد، وتشكيل سلاسل صناعية متكاملة من الصناعات الثقيلة مع إشراف الدولة عليها وتأمين كل الإمدادات اللازمة لهذه الصناعات بما في ذلك المواد الخام، والتكنولوجيا، والخبرة، والهندسة، والتمويل.
أيّها المسلمون في بلد الزيتونة، أعرق جامعات العالم:
إن نظام الخلافة الذي يتبنى وجهة نظر الإسلام المتميزة عن التعليم قادر اليوم أن يؤسس نظاماً تعليمياً نموذجياً من الطراز الأول، نظاما يمزج بين طلب العلم والوفاء بالقضايا الحيوية ومصالح الدولة والأمة على حد سواء، ويضمن في الوقت نفسه الاكتفاء الذاتي في كل ما تحتاجه الأمة؛ ما سيضع حداً لهذا الانفصال بين أنظمة التعليم في بلادنا واحتياجات مجتمعاتنا الصناعية والزراعية والتقنية وغيرها وهو الأمر الذي أدى إلى الاعتماد على الدول الأخرى. وهذا، إلى جانب الاستثمار المكثف لدولة الخلافة في مجال التصنيع لاستيفاء احتياجات المجتمع بشكل مستقل ولجعل الخلافة قوة عالمية عظمى، ما يمكّن الدولة من الاستفادة من مهارات أبناء الأمة المتميزة وعقولهم لتطوير الدولة، بحيث لا يتم إهدار طاقاتهم الثمينة أو أن تقوم الدول الأجنبية بسرقتها.
فسارِعوا أيها المسلمون في تونس إلى وضع هذا النموذج الرائع موضع التطبيق والتنفيذ بالتلّبس فوراً بما أوجبه الله عليكم من العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة إذ هي العلاج الشرعي الوحيد لكل قضاياكم.
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.
التاريخ الهجري :20 من ربيع الثاني 1447هـ
التاريخ الميلادي : الأحد, 12 تشرين الأول/أكتوبر 2025م
حزب التحرير
ولاية تونس