Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مع كلام معسول مسموم عن مستقبل لبنان والمنطقة!

المبعوث الأمريكي توم باراك في لبنان لتكريس إتمام اتفاق السلام والتطبيع مع كيان يهود!

 

في 7/7/2025م، وفي مؤتمر صحفي من القصر الجمهوري، أطلق المبعوث الأمريكي توم باراك تصريحات بأن "لدى لبنان والمنطقة فرصة سانحة ينبغي اغتنامها"، وأنه "حان الوقت لتغيير المنطقة" و"الجميع تعب مما جرى"، على حد تعبيره، و"أن الأمن سيجلب الاستثمارات إلى لبنان"، و"أن الرئيس الأمريكي أكد التزامه بالمساهمة في بناء السلم والازدهار في لبنان"، و"أن الفرصة متاحةٌ أمام اللبنانيين كي يجعلوا بلدهم لؤلؤة الشرق مرة أخرى"؛ ولكن هذا الكلام المعسول تراه مغلَّفاً بمطلب أساسي تسعى إليه أمريكا، وعبَّر عنه توم باراك هذا بقوله: "سوريا التي لا تملك ما يملكه لبنان انتقلت من الفوضى العارمة إلى الأمل"، "وأنها بدأت الحوار بينها وبين (إسرائيل)، والجميع يسرع للوصول إلى اتفاق"!... لقد بدت القضية واضحةً وضوح الشمس في رابعة النهار، إنها توسعةٌ لما يسمى بـ(اتفاقات أبراهام للسلام) بحيث تشمل لبنان وسوريا! أما تصريحات الرئاسة اللبنانية بشأن ورقة الرد على المبعوث الأمريكي فقد عبَّرت عن ذلك بالحل الشامل: "الرئيس اللبناني سلم المبعوث الأمريكي أفكاراً لبنانيةً لحل شامل"، ما حدا بالمبعوث الأمريكي لوصف الرد بأنه "اتسم بالمسؤولية"، وأن "الرد اللبناني ضمن النطاق الذي تحاول الإدارة الأمريكية الوصول إليه"!... وهل تسعى الإدارة الأمريكية إلا لتوقيع اتفاق سلام بين لبنان وكيان يهود مثلما تحاول الآن بين سوريا وكيان يهود؟!... وهل تسعى الإدارة الأمريكية إلا لنزع كل مظهر من مظاهر القوة في لبنان وغيره، ولو كان وظيفياً مرتهناً، لكنه يجعل من الممكن لأي قوة تستحوذ عليه أن تصنع ما صنعه المقاتلون الأبطال في طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م بعتاد وزاد قليل؟!... وإنّ أهم ما في هذا التحرك الذي يغزو المنطقة وليس لبنان وحده هو الموقف الموحد بين أمريكا وكيان يهود في أبشع صورة عدوانية استعمارية تختصر بـ(مشروع أمريكا للشرق الأوسط الجديد)، وتمكين كيان يهود من لعب دور الشرطي فيه: إنه مشروعٌ استعماريٌ واحدٌ، وإنهما عدوٌ مشتركٌ واحدٌ في هذا المشروع، وإنه موجَّهٌ ضد الأمة الإسلامية بوصفها أمةً واحدةً.

 

إنّ السير في عملية التطبيع والسلام مع يهود لا بد له - عند يهود وأمريكا - من ترتيبات على رأسها عدم بقاء أي مظهر من مظاهر القوة، ولو الخاملة حول يهود، ومنها سلاح حزب إيران وصولاً لسلاح المخيمات الفلسطينية، والذي لو استعمل في حينه عشية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بشكل مناسب، أو استعمل من قبل، دون ارتهان لقرار إيران السياسي البراغماتي، وقرارات الدول الإقليمية، لأحدث فارقاً جوهرياً لا يمكن إنكاره، بل ربما لحرَّك الجيوش ضد أنظمتها... لكن ما يجري في الخفاء هو خلاف ما يظهر على الإعلام عند كل الأطراف؛ فها هو المبعوث الأمريكي يصف في كلام لافت حزب إيران بأنه حزب سياسي وأن ما يحدث غير موجَّه ضده بوصفه حزباً سياسياً: "حزب الله هو حزب سياسي له جانب عسكري وعلى حزب الله أن يدرك أن هناك مستقبلاً له وأن هذا الطريق ليس موجهاً ضده"، وليصرح رئيس الوزراء نواف سلام بعد لقائه المبعوث الأمريكي بأن "حزب الله جزء لا يتجزأ من الدولة اللبنانية"! وليؤكد ذلك قول نائب رئيس البرلمان اللبناني إلياس بو صعب في لقائه مع قناة العربية في 6/7/2025م: "الخطاب الإعلامي يختلف عما يدور في الكواليس، وأن خطاب التشدد في الطريق إلى المفاوضات هو أمر طبيعي"، بل إن في تصريحات الأمين العام للحزب نعيم قاسم في كلمته خلال إحياء ذكرى العاشر من محرم في الضاحية الجنوبية في بيروت ما يشير لأمور تدار في الخفاء "المقاومة حلٌ من الحلول..." وبوجود خيارات "مستعدون للسلم... كما أننا مستعدون للمواجهة والدفاع" ما يؤكد وحدة الحال والتوجهات عند جميع الأطراف، والتي تصب في السير بما تريده أمريكا من السلام والتطبيع مع كيان يهود رغم كل التصريحات النارية والخطابات الشعبوية التي تسبق أي لقاء مع العدو أو مع ممثليه!... ولقد بدا واضحاً أيضاً أنّ رئيس الجمهورية جوزيف عون، الذي لا يخفى رضا أمريكا التام عنه، هو الذي يقود الجانب اللبناني للسير في هذا المسار الاستسلامي التطبيعي من خلال العودة لإكمال مسار التواصل مع يهود عبر العودة لقضية ترسيم الحدود البرية ابتداءً، وإشرافه المباشر على سحب سلاح حزب إيران في جنوب الليطاني بل وشماله... ثم ما تم تسريبه كتهيئة لإبرام اتفاق استسلام وتطبيع مع كيان يهود، من تفعيل المادة 52 من الدستور اللبناني والتي تنص على أنّ (رئيس الجمهورية يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. كما أنه يتم إطلاع مجلس النواب على المعاهدات عندما تسمح مصلحة البلاد وسلامة الدولة بذلك)، ما يؤشر إلى المسار الذي تسير به السلطة اللبنانية من أعلى رأس هرمها! إنه السير في تصفية قضية فلسطين، وإنهاء حالة العداء مع يهود!

 

أيها المسلمون في لبنان: نقولها بكل وضوح: إنّ ما تقوم به السلطة اللبنانية من أعلى سلم هرمها، مروراً بجهات سياسية وإعلامية تروج لذلك، هو ذلٌ وصغارٌ وتخاذلٌ وهوانٌ واستسلامٌ لكيان غاصب معتد خائن للعهود والمواثيق، ولا يمكن وصفه بأقل من ذلك في حق قضية أساسية من قضايا المسلمين يسعى هؤلاء للتفريط بها، تحت ذرائع واهية من مثل مقررات قمة بيروت والإجماع العربي على الاستسلام، أو استسلام من يزعمون أنهم أصحاب القضية من التنظيمات الفلسطينية؛ ليكون مؤدى كل ذلك توقيع الاتفاقيات الخيانية مع يهود بذريعة المصلحة الوطنية! وإنَّ واحداً من أبرز معالم السياسة الأمريكية في المنطقة حفظاً لمصالحها هو تثبيت كيان يهود، وجعله جزءاً لا يتجزأ من المنطقة، يتآمر معها في ذلك حكام الضرار، حكام العرب والمسلمين ليصبح ما اتُهم به الهالك السادات من خيانة - وهو كذلك - نهجاً علنياً لهؤلاء الحكام!

 

أيها المسلمون في لبنان: إنّ فكرة نزع السلاح الموجَّه ضد كيان يهود، نزعه بيد أمريكا ويهود، هو من الإثم المعلوم لأن الأصل استمرار قتال يهود والنكاية فيهم. فالجهاد ماض لا سيما في عقر دار المسلمين الشام، جاء فيما رواه سلمة بن نفيل قال: فُتِح على رسول الله ﷺ فَتحٌ فأتيتُه فقلت: يا رسول الله سُيِّبَتِ الخيل ووضَعوا السِّلاح فقد وضَعَتِ الحرب أوزارَها وقالوا: لا قتال، فقال رسول الله ﷺ: «كَذَبُوا، الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا يُزِيغُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ يُقَاتِلُونَهُمْ وَيَرْزُقُهُمُ اللهُ مِنْهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ عَلَى ذَلِكَ، وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ»... لكن هذا السلاح (اللبناني والفلسطيني) الذي أضاع وجهته فوُجِّه لصدور الإخوة والأهل في لبنان وغيره شوَّه فكرة السلاح وأصل رفعه وحمله، حتى صار نزعه مطلباً لعموم الناس دون تمييز بين كونه موجهاً ليهود أو موجهاً ضد المسلمين، ليعزز هذه الفكرة ويُسعر نارها عدم استخدام هذا السلاح في وقته وبالشكل المطلوب عشية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023م وما بعدها، في الأحداث الجسام التي أصابت المنطقة!... لكن رغم كل ذلك يبقى الحل الوحيد والصحيح مع كيان يهود هو خلعه من أرض فلسطين، ومن كل مكان امتدت له يده المضرجة بدماء المسلمين، خلعه بالقوة، لكن خلعه هذا يبدو متعسراً دون خلع من هم حول فلسطين من الحكام الرويبضات، حكام الضرار الذين نصبهم الغرب الكافر المستعمر وما زال فوق رؤوس المسلمين! فها أنتم ترون كيف يعيق هؤلاء الحكام نصرتكم لأهل غزة العزة بالقوة والبطش حفاظاً على عروشهم، وكيف يجاهرون بمعصية التواصل مع يهود أمام أعينكم، وكيف يكبِّلون الجيوش عن التحرك العملي لنصرة العاملين لإقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة التي تملك الإرادة الحقيقية لقتال يهود! والتي أدرك نتنياهو خطرها فما استطاع إلا أن يعبر عن مخاوفه منها ومن قيامها على شواطئ المتوسط، وتوعد بالتصدي لها ومنع قيامها في أي مكان؛ وإنها لقائمةٌ بإذن الله رغم أنفه وأنف حراسه من الحكام العملاء، على أيدي عباد لله عز وجل يصلون ليلهم بنهارهم لتحقيق وعد الله عز وجل وبشرى نبيه ﷺ.

 

وختاماً، إنّ ما تقوم به وتنتهجه السلطة اللبنانية والحكام في المنطقة عموماً، وفي بلاد الشام خصوصاً، منكرٌ وحرامٌ وخيانةٌ لله ورسوله والمؤمنين، لا يجادل فيها إلا صاحب مصلحة أو منافق متملق لهذه الأنظمة، يبيع دينه بعَرضٍ من الدنيا، قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً﴾، ويجب أن لا يمر بصمت الناس وأهل الحل والعقد وأهل القوة عليه، قال رسول الله ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».

 

التاريخ الهجري :13 من محرم 1447هـ
التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 08 تموز/يوليو 2025م

حزب التحرير
ولاية لبنان

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.