Logo
طباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-12-24

 

جريدة الراية: الغرب المستعمر وحكام المسلمين

فكّان لكماشة واحدة

 

 

 

الدولة هي الكيان التنفيذي لمجموع القيم والمقاييس والمفاهيم عن الحياة التي ارتضاها شعب أو أمة من الأمم، ولذلك فمن المتوقع أن تكون الدولة من جنس الأمة ومن اختيارها، وأن تقوم بالدور المنوط بها، وهو تنفيذ ما يلزم من مهمات الحكم، بما يؤدي إلى تحقيق نمط العيش الذي ارتضاه المحكومون، وتقوم على تأمين الحماية لهم ولنمط عيشهم، ومنع أي خلل يهدد وجودهم أو مصالحهم، تلك المصالح التي تقررها مقاييس حضارتهم.

 

لكن الأمة منذ عقود تعيش تحت حكم جبري مجرم، لا علاقة للدولة الحاكمة فيه بحضارتها ولا مقاييسها ولا مصالحها، بل هي انعكاس لمصالح الغرب الكافر المستعمر، وحينا للشرق الملحد المستبد، حتى صح في حكامنا القول إنهم نواطير للاستعمار، نصبهم علينا ليقوموا بتنفيذ خطته وتحقيق مصالحه القريبة والاستراتيجية وذلك بالقيام على الأمور التالية:

 

أولا: ضمان عدم عودة الأمة إلى حضارتها وشريعة ربها ودولتها الواحدة، لأن ذلك يهدد مصالح الغرب بل يهدد حضارته برمتها، وذلك بقمع الداعين لعودة الإسلام إلى الحكم وإقامة الدولة الإسلامية الجامعة وتشويه سمعتهم لينفض الناس عنهم، والتضييق عيلهم لمنع نشاطهم.

 

وتارة بخداع البسطاء بفكرة استحالة تطبيق الشريعة في ظل حالة الضعف التي تمر بها البلاد، أو بذريعة وجود اختلافات ثقافية وعرقية ودينية في المجتمع، تمنع بزعمهم من تطبيق الإسلام، وتفرض تطبيق العلمانية والقوانين الوضعية المتماهية مع مفاهيم الحضارة الغربية، وأحيانا تفرض تطبيق الأحكام العرفية التي لا تعدو كونها مزاجيات الحاكم ورغباته التي تضمن بقاءه فوق رقاب الناس.

 

ويندرج تحت هذا البند خدعة التدرج والمرحلية التي يتم تلقينها للمعارضة غير المبدئية، لإكمال حلقة الخداع النفسي والفكري للجماهير، كي تبقى حبيسة الواقع الفاسد خوفا من القمع، أو يأسا من التغيير، أو انتظارا لتغيير مبهم ربما سيأتي به التدرج المزعوم يوما ما!

 

ثانيا: يقوم حكامنا بحماية مصالح الغرب المادية والعسكرية في بلادنا من أن تنالها يد الشعوب بسوء، وذلك لضمان نهب ثرواتنا واحتلال أعدائنا لأراضينا بأقل أقل الخسائر، وتحرص دولنا وحكامها على هزيمتنا في أي معركة مع الغرب تفرض على بعضنا، وذلك بالتآمر معه من تحت الطاولة، والخداع والمراوغة حينا، وبالوقاحة السافرة حينا آخر، تحت مسمى التحالفات العسكرية والأمنية، أو الحرب على (الإرهاب).

 

ولذلك لم يعد عمل أجهزة الأمن والعسكر في بلاد المسلمين، حماية البلاد والعباد، ولا السهر على القيم والمقاييس والحضارة الإسلامية من أن تمس، بل تحولت وجهتها لاجتثاث أي تهديد لمصالح الغرب، ومحاربة أي ومضة أمل تهدد استقرار نواطيرهم على كرسي الحكم، بذريعة حفظ أمن (الوطن) واستقراره!

 

ورغم ذلك لم تعد الدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا تثق بفعالية الحكام وكفايتهم في تأمين مصالحها وتثبيت احتلالها، فقررت إعادة غزو بلادنا عسكريا بعشرات القواعد العسكرية والمطارات الحربية الجاثمة على صدورنا حتى حين.

ثالثا: محاولة هدم الحضارة الإسلامية في نفوس الأمة وزرع الحضارة الغربية وقيمها في حياة المسلمين، ليس بهدف إنهاض عالمنا حسب الرؤية الغربية للنهضة، بل لضمان التبعية الفكرية للشعوب بالتوازي مع التبعية السياسية للحكام، ويقوم الحكام وإعلامهم والمستأجرون من المثقفين بهذا الدور الرخيص دون هوادة، فيشككون بالقرآن والسنة والشريعة ومن يحملها من علماء سابقين ومعاصرين، ويزينون حثالة أفكار الغرب وفلاسفته والمنضبعين به من أبناء جلدتنا، بهدف تغيير بوصلة المقاييس والمشارب الفكرية عند الشعوب، وهدم القدوات وتفكيك البنية الفكرية الحضارية للمسلمين.

 

ومع فشلهم المستمر في هذا الباب، إلا أنهم لا يتوقفون عن تكرار المحاولة طمعا في تحقيق ما يمكن تحقيقه ولو مرحليا، من إضعاف ثقة المسلمين بمسلمات حضارتهم الإسلامية عبر تاريخها، ووضع القطعيات موضع النقاش والأسس الثابتة موضع التشكيك.

 

إن التراجع الذي تشهده الأمة اليوم على جميع الصعد ليس مرده ضعف الأمة حضاريا ولا عددا ولا عدة، بل مرده هو كونها واقعة بين فكي كماشة تخنق حركتها وتمنعها من التقدم بل تهدد بمزيد من التقهقر للوراء.

 

فالأمة الإسلامية أمة عملاقة بالحضارة التي تحملها فهي أمة الحق والحقيقة، وهي خير أمة أخرجت للناس بمشروع التوحيد والهداية والعدل والرحمة، وهي أمة عملاقة بعديد أبنائها وفتوة مجتمعاتها الشابة، وهي أكبر أمة متجانسة بالمعنى الحضاري والفكري السياسي، فجميع الفروق العرقية والمناطقية واللغوية تذوب أمام وحدة الأخوة الإسلامية الجامعة، ما لا يضاهيه تجمع بشري في المقابل، خاصة وأن غالبية الأمم تجتمع على المصالح لا القيم، وعلى الإقليم والحدود لا المشروع، وعلى المدنية لا الحضارة.

 

كما أن قوة الإسلام الفكرية والنفسية قادرة على القفز بالأمة إلى صدارة العالم في زمن قياسي، فور انعتاقها من قيودها السياسية، وعودتها لتطبيق دينها صافيا نقيا، فتقوى الله والطمع في جناته أعظم دافع للعمل المخلص لبناء البلاد والتقدم بها سريعا، والدفاع عنها باستماتة، فروح الاستشهاد ليس في الدنيا من يحملها سوى المسلمين، ولن تجد شعوبا تتلقى التهاني والتبريكات باستشهاد أبنائها، ويغبط الناجون منهم الشهداء سوى المسلمين.

 

إضافة إلى ذلك فإن المسلمين يستوطنون أغنى بقاع الدنيا بالثروات المائية والأراضي الخصبة والمعادن النفيسة والمتنوعة، والجغرافيا الأهم في العالم، وقد أهداهم الله كل أسباب القوة تحت أقدامهم قبل أن يخلقهم، وليس ينقصهم إلا أن يغترفوا من مدد الله، وسيزيد الله الشاكرين.

 

لذلك على الأمة أن تكسر فكي الكماشة الغربية، التي يحمي بعضها بعضا، فالغرب يحمي حكامنا النواطير، وحكامنا يحمون مصالحه وينفذون خططه لصالحه، وما إن تقوم الأمة بكسر حكامها وهم الفك الأضعف، حتى تنعتق من كماشة الغرب كلها بإذن الله.

 

وعلى الأمة أن تعلم بأن ضريبة العز إن كانت تراها غالية، فإن ضريبة الذل أشد كلفة وفداحة، وهي خزي في الدنيا وعذاب أليم في الآخرة.

 

وصدق الشاعر حيث قال: "ومن يتهيب صعود الجبال ... يعش أبد الدهر بين الحفر!

 

 

بقلم: الشيخ عدنان مزيان

 عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.